الحادثة التي سنرويها هي لسيناريو يتكرر عشرات المرات في ظل الانفلات الامني التي تعيشه البلاد منذ اشهر الى حد أضحت فيه العصابات تسيطر على مدن باكملها كما هو الحال في ما حصل لثلاثة شبان ذنبهم الوحيد ان احدهم من سكان قرطاج وأنهم يركبون سيارة رباعية الدفع. ففي يوم الجمعة الفارط وعند الساعة العاشرة مساء في ليلة غاب فيها القمر كانت السيارة الرباعية الدفع تسير بسرعة معتدلة وجهتها قرية المزونة لما اعترضتهم لافتة مكتوب عليها"مدينة المكناسي ترحب بكم" خفض سائق السيارة قليلا من السرعة خصوصا وانه اقترب من مفترق طرقات وفجأة داس على الفرامل بقوة كادت أن تقذف الراكبين من مقعديهما:فقد كانت حجارة صخرية تقطع الطريق وتهدد بانقلاب السيارة ولم تمض لحظات عن توقف السيارة وقبل حتى ان يفكر من بها كيف سيتصرفون يخرج من رحم الظلام أربعة أشخاص توجس الراكبون خشية وتلددوا في النزول من السيارة ...التفت السائق في المرأة العاكسة ليلاحظ أن رحم الظلام مده بدفعة أخرى من الأشخاص تناهز العشرين.وبسرعة البرق التف الأشخاص حول السيارة حاملين سيوفا وسكاكين وحجارة كانوا يهددون بها الراكبين إن لم ينزلوا,فتحت الأبواب وكان أول من غادر السيارة الشاب وسام الصغير الذي أخبرهم بأنه ابن "المكناسي" لكن ذلك لم يشفع له ولأصدقائه بل أن أفراد العصابة عجّلوا بتفتيشهم وسلبهم كل ما يملكون من مال وهواتف وجهاز كمبيوتر..وفي الوقت الذي كان فيه خالد ووسام وصديقهم الثالث يفكرون في كيفية استرجاع ما سلب منهم,صدر عن زعيم العصابة قرار خطير,لقد قرروا بعد معاينة بطاقات تعريفهم وبعد أن عرفوا أن أحدهم من سكان "قرطاج" أن يختطفوا المجموعة ويقايضوهم بفدية,ولئن اختلفت الآراء بين مؤيد للخطف ورافض له فإن قرار زعيم العصابة لم يكن قابلا للطعن وعلى الجماعة أن تنفذ دون نقاش.ولتعزيز عصابته قرر رئيسها ان يمتطي السواد الاعظم من افراده السيارة فاكتسحوها الى درجة انها ضمت في كراسيها 12 فرداكان الزعيم يقود السيارة في حين كان اخر يدوس على دواسة السرعة ولكم ان تتخيلوا الموقف.كيف كانت السيارة تخترق غابات الزيتون وتهتز براكبيها في حقوله وفي عمق لا يقل عن 20 كلم داخل تلك الغابات توقف الجميع وتم انزال المختطفين وامر رئيس العصابة اثنين منهما بالرجوع في حين حمل خالد معه على متن السيارة لانه كان في حاجة الى الخمر وانطلق يطوي الارض طيا بسرعة جنونية فاقت الخيال الى حد ان الراكبين الذين كانوا معه يقدروا على التحمل وتقيئوا فقد بلغت سرعة السيارة 200كلم في الساعة حسب ما كان يشاهده خالد من الكرسي الخلفي وكان يشاهد معه الموت يتهدده في كل لحظة وعرف عنده ان مختطفيه كانوا تحت وطاْة المخدرات والكحول. اقتنى رئيس العصابة خمرا من المدينة وعاد ادراجه الى حيث ترك بقية المختطفين وهناك عاقر الخمر من جديد ثم امتطوا السيارة ثانية وواصلوا جولتهم بتلك السرعة الجنونية الرهيبة.وخلال كل تلك الفترة كانوا يتحدثون بلغة لم يكن يفهمها المختطفون ودخلوا مجددا مدينة المكناسي وجابوا ازقتها وشوارعها ثم حوالي الساعة الواحدة صباحا شاهدوا سيارة رابضة فقرر السائق الاقتراب منها اكثر ما يمكن ليصدم جانبها صدمة خفيفة ثم توقف ليتحدث مع 4 اشخاص كانوا واقفين الى جانب السيارة وكان احدهم على ما يبدو هو الرجل الفاعل فتوجه بالسؤال عن صاحب السيارة التي صدمت سيارته عندئذ لم يتقدم خالد بل فضل ان يتقدم صديقه اصيل مدينة قفصة الذي نزل وما ان وطاْت قدمه الارض حتى انطلق الخاطفون وتركوه لمصيره كي يرن الهاتف بعد قليل فيمرر احد الخاطفين الهاتف الى خالد فتبين له ان رئيس العصابة التي كانت حذو السيارة هو المتحدث وطلب منه بعد ان اعلمه انه يضع سكينا على رقبة صديقه ان يسلمه فورا مبلغ 4 الاف دينار مع اضافة مبلغ 500 دينار اخرى كلفة اصلاح السيارة والا فانه سيذبح صديقه اضطرب الجميع ولم يدروا ماذا سيفعلون فلا مال بين ايديهم ولا احد ينقذهم. وفي الوقت الذي كانت فيه السيارة تجوب الانهج والازقة وكان الخاطفون يتجرعون الخمرة كانت العصابة الثانية تحمل زيد السواري على متن سيارتهم لوجهة مجهولة فقد كانوا ينوون وضعه باحد البيوت في انتظار الحصول على فدية لكن شاءت الظروف ان تتعطل سيارتهم بعد ان غاصت عجلاتها في الرمل فاغتنم المختطف الفرصة وفتح الباب الخلفي وفر هاربا وسط غابات الزيتون في تلك الظلمة الحالكة بعد ان كان قد عاين مركزا للحماية المدنية توجه له مباشرة فوجده مغلقا وهناك وجد رجلا دلّه على مركزللشرطة ذهب إليه حينها.وفي الأثناء كان خالد شيخ روحو رفقة صديقه وسام الصغيّر في سيارته التي يقودها قائد العصابة حين قررت العصابة التوجه لمحطة وقود إلا أنهم أسرعوا بالهرب عندما وجدوا دورية للشرطة هناك ثم ما لبثوا أن عادوا بعد برهة إلى المحطة وعندها قفز وسام الصغيّر بسرعة من السيّارة عند رؤيته للدوريّة وذهب لييسنجد بهم وأخبرهم بأنهم مختطفون عندها استغل خالد الموقف وحالة الارتباك التي كانت تسيطر على أفراد العصابة وسارع بتغطية عيني السائق بقبّعة كان يلبسها وأخذ مفتاح السيّارة وقفز منها متجها نحو دورية الشرطة الّتي تركت العصابة تفرّ واكتفت بالتأكد من سلامة خالد وسؤاله عمّا إذا كان برفقته أشخاص آخرون. ويقول محدثنا أن موقف اعوان الشرطة أثار دهشتهم حينها إذ أنها لم يحاولوا حتى اللّحاق بأفراد العصابة,لكنّهم لاحقا عندما اطّلعوا على ظروف عمل الشرطة في المكناسي عرفوا أن أعوان الشرطة غير قادرين على فعل أي شيء لأن ظروف عملهم صعبة للغاية فمركز الشّرطة خال من السلاح ولا يملكون إلاّ "هراوتين" كما أعلمهم الأعوان انه لا حول لهم ولا قوّة وأن مثل هذه العصابات كثيرة في الجهة وأنه في حالة إيقاف الشرطة لمتهم ما فإن عائلته تأتي بعدها بيوم لتحرق مركز الشرطة. كما أفادنا خالد شيخ روحو ووسام الصغيّر بأن أهالي المكناسي يعانون من هذه الممارسات ومن الإنفلات الأمني منذ حوالي 6 أشهر وأنهم ناشدوهم أن يوصلوا نداءاتهم لأي طرف في استطاعته أن يجد حلاّ لحالة الانفلات الأمني الّتي تعيشها معتمدية المكناسي.