يبقى الملف الأمني والتصدي للخطر الإرهابي من اوكد الأولويات واهم الملفات رغم جسامة التحديات التي ستواجهها حكومة مهدي جمعة على غرار الملفين الاقتصادي والاجتماعي. ففي الوقت الذي تنكب فيه الأنظار على شخص رئيس الحكومة الجديد ومدى قدرته على التعاطي مع المسائل الحارقة فضلا عن مدى الالتزام باستكمال بنود خارطة الطريق في أدق تفاصيلها، يواصل الإرهاب زحفه فقد تم التفطن في القصرين إلى إرسالية قصيرة من متحصن بالشعانبي تكشف عن مخطط إرهابي ليلة رأس السنة. كما ذكرت صحيفة يومية بالأمس أن وزارة الداخلية أحبطت مخططا لتفجير مقر اتحاد الشغل... وبين مشهد سياسي متشعب وإرهاب يصر على التموقع يبقى السؤال الذي يفرض نفسه بشدة: أي قدرة للحكومة الجديدة على التعامل بجدية مع الخطر الإرهابي(على اعتبار التهديدات الجدية ليلة رأس السنة والتي أخذتها الداخلية بعين الاعتبار) على أن الأهم من ذلك: هل من الصائب التخلي عن وزير الداخلية الحالي في ظل الأصوات التي تتعالى مطالبة بالاستغناء عن التشكيلة الحكومية السابقة برمتها؟ في قراءته للمشهد يرى الخبير الاستراتيجي في الشؤون الأمنية والعسكرية ورئيس قسم الاستشراف ومكافحة الإرهاب بالمركز التونسي للأمن الشامل مازن الشريف في تصريح ل "الصباح" أن وزير الداخلية الحالي لطفي بن جدو يمثل عنصر استقرار وضبط مشيرا إلى أن التغيير لن يكون ذي جدوى. وفسر الشريف في هذا السياق أن الإشكالية لا تكمن في وزير الداخلية وإنما في منظومة وطريقة العمل فهي استرتيجية كاملة تمس وزارة الشؤون الدينية والوزارة الأولى. وقال في هذا الشأن:"البرنامج واضح هو امني استراتيجي عسكري يأخذ بأبواب الأمن الشامل وإذا لم يتغير هذا فلن يتغير شيئا.. اعتقد ان العلاج يكمن في تكوين استراتيجية شاملة". ولاحظ أن نجاح الحوار الوطني ساهم في تخفيض نسبة كبيرة من الخطر الإرهابي منوها في السياق ذاته بالدور الكبير الذي تقوم به قوات الأمن. واعتبر الشريف أن الخطر لا يزال قائما بالنظر إلى أن أنصار الشريعة سيحاولون الانتقام ورد الفعل بقوة خلال رأس السنة في محاولة لاستغلال لحظات الذروة مشيرا إلى انه سيمنعون من ذلك بنسبة 80 بالمائة. من جهة أخرى يعتبر الخبير الأمني نورالدين النيفر في تصريح ل"الصباح" ان أمام الحكومة الجديدة جملة من التحديات على غرار ضمان الأمن بمكافحة الإرهاب والتصدي له وجعل الدولة التونسية ذات هيبة في تنفيذ القانون فضلا عن معالجة الملف التنموي حيث لا توقف للإرهاب دون بداية جدية للمشاريع التنموية الجهوية.. وفيما يهم مدى القدرة على التصدي للخطر الإرهابي أوضح النيفر ان جهدا امنيا كبيرا يبذل حاليا على مستوى الحدود فضلا عن وجود تغطية شاملة للبلاد حيث يعمل الأعوان لمدة تتراوح بين12 و18 ساعة مع وجود خطوط وقائية ذات طبيعة استعلاماتية إلى جانب توفر نوع من المسؤولية المعنوية والوطنية لدى المسؤولين الأمنيين. أما فيما يتعلق بشخص وزير الداخلية ذكر المتحدث أن المشكلة ليست في الأشخاص وإنما في مدى القدرة على تغيير أساليب العمل وتحديد الأهداف الواضحة. وأوضح في هذا الصدد أن - مثلا - تجهيز وزارة الداخلية بأحدث الأجهزة هو مثلا قرار سياسي وليس تقني.. وقال:" حتى إذا ما وقع تغيير أشخاص من الحكومة دون تغيير البرامج والخيارات السياسية فلن يحصل شيئا.." في المقابل يرى المحلل السياسي مصطفى التليلي في تصريح ل"الصباح" أن الحكومة الجديدة لا بد لها أن تكون حقيقة حكومة مستقلة وبعيدة كل البعد عن التأثيرات السياسية. وتنتهج سياسة مختلفة عن السياسة التي اتبعت منذ 23 أكتوبر2011. وأوضح التليلي في هذا الجانب أن حكومتي الجبالي والعريض تساهلت جدا مع الاستعدادات التي كانت تقوم بها الجماعات الإرهابية على غرار حادثة السفارة الأمريكية. وهذه السياسة كانت نتائجها وخيمة بالنظر إلى جسامة الخطر الإرهابي والإمكانيات المتوفرة له. وشدد التليلي على ضرورة "أن تكون الحكومة الجديدة بعيدة كل البعد عن تأثيرات حركة النهضة حتى تتمكن من إنقاذ وضع البلاد من الناحية السياسية والأمنية والاقتصادية بما في ذلك وزير الداخلية الذي لا بد أن يكون محايدا حتى يقوم بمتابعة ملف الإرهاب والتحقيق في الاغتيالات السابقة..".