مثلت العمليات الانتحارية والتفجيرات الارهابية التى شهدتها كل من ليبيا ومصر في الاونة الاخيرة منعرجا حاسما وتحولا استراتيجيا في تكتيك الجماعات الارهابية من خلال المرور الى مرحلة العمليات الفردية القائمة على المبادرات الفردية لاستهداف أكثر ما يمكن من المواطنين والقيادات الامنية والعسكرية والشخصيات السياسية. ويذكر ان التفجير الإرهابي الذي استهدف مديرية أمن الدقهلية بمصر راح ضحيته 17 قتيلاً و130 جريحاً، فيما اسفرت العملية الانتحارية الأحد الماضي في مدينة بنغازي شرقي ليبيا عن سقوط 13 شخصا بينهم أفراد جيش وتسجيل اصابات بالغة الخطورة. وفي خضم ما يشهده المحيط المغاربي والاقليمي من تنامي لظاهرة الارهاب، رفعت المؤسسة الامنية درجات التأهب واتخاذ احتياطات امنية تحسبا لوقوع اي طارئ خاصة بعد ورود معلومات جدية للدوائر الامنية عن وجود تهديدات حقيقية تزامنا مع رأس السنة الميلادية. ويبقى السؤال المطروح في خضم التطورات الاخيرة،عن مدى تأثيرات وتداعيات العمليات الارهابية التى شهدتها مصر وليبيا على الوضع العام في بلادنا.؟ وقد أعلنت وزارتا الدفاع والداخلية في وقت سابق عن وجود تهديدات إرهابية تتربّص بالبلاد تزامنا مع رأس السنة الميلادية، وقد تم اتخاذ جملة من الإجراءات للتصدي لتلك التهديدات الارهابية. وقال الناطق الرسمي باسم الوزارة العميد توفيق الرحموني إن قوات الجيش تتعامل بكل جدية مع الكم الهائل من المعلومات المتعلقة بتهديدات إرهابية محتملة قد تتعرّض لها البلاد في احتفالات رأس السنة الميلادية. جاهزية المؤسسة الامنية وفي نفس السياق قال محمد علي العروي الناطق الرسمي بإسم وزارة الداخلية في تصريح ل"الصباح" ان الوزارة اتخذت كل التدابير والاحتياطات اللازمة لمواجهة التهديدات الارهابية في مختلف ولايات الجمهورية مضيفا ان خطر ارهابي يهدد تونس وما يهمنا في بلادنا التصدي له وتفكيك الخلايا النائمة. وشدد العروي على جاهزية المؤسسة الامنية للتصدي لاي تهديد ارهابي سواء في راس السنة الميلادية او في مختلف المحطات التى تمر بها بلادنا سواء في المناسبات او الاعياد الوطنية. ومن جهته بيّن الناطق الرسمي باسم الاتحاد الوطني لنقابات الأمن التونسي عماد بالحاج خليفة في تصريح لاحد الاذاعات الخاصة ان الداخلية تمكنت من كشف تهديدات إرهابية تزامنا مع الاحتفال برأس السنة الميلادية وأن المؤسسة الأمنية اتخذت جميع الاحتياطات الأمنية اللازمة للدفاع عن المواطنين. تأثيرات مباشرة وغير مباشرة وعن تأثيرات وتداعيات العمليات الارهابية في كل من ليبيا ومصر على الوضع العام في بلادنا قال نصر بن سلطانة رئيس الجمعية التونسية للدراسات الاستراتيجية وسياسات الأمن الشامل في تصريح ل"الصباح" ان ما وقع في مصر في الايام الاخيرة مرتبط بالوضع الداخلي وتأتي في سياق الصراع بين الاخوان والسلطة، كما ان التفجيرات الاخيرة التى اودت بحياة عسكريين في ليبيا تدخل في اطار التجاذبات الداخلية خصوصا بعد رفض عدد من الكتائب والجماعات المسلحة للواقع السياسي ومحاولات السلطة في ليبيا مكافحة والتصدي للجماعات المتطرفة. واشار بن سلطانة الى التنظيمات الارهابية القائمة لها ارتباط فكري وايديولوجي على المستوى الاقليمي ولديها توجهات مشتركة هدفها اثارة البلبلة والفوضى وفرض اجنداتها وتنفيذ مخطاطاتها في سبيل اقامة امارة اسلامية. واوضح الخبير الامني انه في ظل الظروف الاقليمية الراهنة هناك تأثيرات مباشرة وغير مباشرة والعمليات الانتحارية الاخيرة في ليبيا ومصر تشكل حافزا لنشاط الخلايا الارهابية المتمركزة في تونس للقيام بعمليات ارهابية بصفة فردية. وذكر ان نشاط الاجهزة الامنية في الاونة الخيرة كشف عن العديد من المخططات الارهابية التى كان الجماعات الارهابية تنوي القيام بها. لم ينف بن سلطانة في خضم التطورات الاخيرة عن امكانية تقديم التنظيمات الارهابية المتواجدة في البلدان المجاورة للدعم اللوجستي للخلايا والجماعات الارهابية في بلادنا مشيرا الى ان الانفراج السياسي النسبي التى شهدته بلادنا قد يحفز المجموعات الارهابية للقيام بهذه النوعية من العمليات لافشال العملية السياسية وادخال البلاد في فوضى باعتبار ان انتشار الفوضى تساعد الجماعات على تنفيذ اجنداتها وتحقيق أهدافها. ولاحظ ان خطاب القيادات السياسية اتسم بالسلبية موضحا انه من الضروري توجيه خطاب ايجابي ورسالة طمأنة للشعب التونسي والتأكيد على جاهزية المؤسسة الامنية والعسكرية عوض ادخال حالة من الارتباك والخوف في صفوف المواطن لان اشاعة الخوف -حسب تأكيده- تخدم مصلحة العناصر الارهابية على اعتبار ان تكتيك الجماعات في عملياتها الارهابية مبنى على الحرب النفسية من خلال نشر الاشاعة وادخال الارتباك في صفوف المواطنيين. ومن جهته اعتبر د. عبد اللطيف الحناشي، استاذ التاريخ المعاصر والراهن بجامعة منوبة ان التفجيرات التي حصلت في مصر وليبيا لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة نتيجة العديد من العوامل التاريخية (وجود التنظيمات الدينية العنيفة على الأقل منذ السبعينيات من القرن الماضي) والداخلية(وجود قواعد عسكرية للمجموعات التكفيرية على ارض ليبيا بالقرب من الحدود الليبية المصرية بالإضافة للانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي وحدة الصراع بين الأطراف السياسية على خلفيات إيديولوجية) والخارجية(موقع مصر الجغراسياسي بالإضافة الى وجود الكيان الإسرائيلي،وأهمية ليبيا للغرب باعتبار امتلاكها لثروات طاقية هامة...) تأثيرات معنوية ونفسية ويضيف الحناشي ان الهدف منها هو مزيد إحراج الحكومات الانتقالية في كل من مصر وليبيا وعرقلة المسار الانتقالي وتعطيل عملية الاستفتاء على الدستور في مصر و ترويع الناس وتخويفهم وإشاعة الخوف والفزع والقلق بينهم.. ونظرا للتشابه النسبي بين الأوضاع السياسية العامة في كل من ليبيا ومصر مع أوضاع بلادنا بالإضافة لانتشار التنظيمات التكفيرية العنيفة في جميع تلك الأقطار فقد تكون التداعيات على مستويين: اولهما سلبي بمعنى قد يؤثر معنويا ونفسيا على عموم الشعب الذي قد يعيش جزعا وخوفا من حدوث مثل تلك العمليات خاصة بعد التهديدات بحدوث عمليات إرهابية آخر السنة باعتبار ان التنظيمات التي قامت بتلك العمليات الإجرامية العنيفة هي تنظيمات تكفيرية عنيفة لها نفس الرؤى الفكرية والأيديولوجية وتنتمي لنفس الهيكل التنظيمي العالمي مع بعض الاستقلالية ثم ثانيهما ايجابي اذ ستدفع تلك العمليات التي جرت في كل من مصر وليبيا النخبة السياسية في تونس الى مزيد التماسك وتقليص منسوب حدة تجاذباتها السياسية امام احتمال الأخطار التي تهدد البلاد وبالتالي السعي حثيثا لمواصلة المرحلة الثانية من الحوار الوطني وإنجاحه واستكمال كتابة الدستور والتوافق على الهيئة العليا للانتخابات أي الانتهاء من المرحلة الانتقالية في أسرع وقت ولكن بثبات وبأكثر ما يمكن من التوافق والوفاق.. كما ستؤثر تلك العمليات ايجابيا على المؤسستين الأمنية والعسكرية من ناحية درجة الاستعداد ووضع الخطط الكفيلة لصد أي عمليات إرهابية محتملة. الصباح بتاريخ الخميس 26 ديسمبر 2013