قد لا يكون موعد عقد ندوة موضوعها "الإرهاب والتهريب" اعتباطيا، في وقت تعيش فيه البلاد عملية كبيرة ضد ارهابيي جبل الشعانبي بولاية القصرين، ومناخ إقليمي متأزم عنوانه الأول الإرهاب، الذي أثر على تونس سياسيا واقتصاديا وأمنيا. الندوة التي نظمتها الجمعية التونسية للاقتصاديين وجمعية قدماء ضباط الجيش الوطني تأتي في مثل هذا الظرف المشحون الذي ينتظر فيه الرأي العام النتائج التي ستسفر عنها عملية الشعانبي الأخيرة، والتي ستكون على أساسها تغيير للمعادلة التونسية سياسيا وأمنيا وبالخصوص اقتصاديا. القوس المفتوح المهم يبقى أن الندوة حاولت أن تجيب على الإشكاليات المتعلقة بعلاقة التهريب في دعم الإرهاب، وعلاقة هذا الأخير بتأزم الوضع الاقتصادي في تونس، ناهيك أن الظاهرتين تبقيان متزامنتان ومترابطتان ويشكلان طرفا "زواج مصلحة" يخدم الأول الثاني كما يخدم الثاني الأول. المثال الأبرز في ذلك يبقى "مختار بالمختار" أو "السيد مالبورو" والذي تداول اسمه كثيرا في مداولات الندوة، فهذا المثال يبرز ذلك "زواج المصلحة" والتي تحول بها هذا الأخير من مجرد مقاتل في صلب "القاعدة في بلاد المغرب" إلى قائد إحدى الكتائب التي أحلت الخوف والفزع على كامل امتداد الصحراء الكبرى من ماليوالجزائر وليبيا والنيجر. ومن "ارهاصات" هذا "الزواج" أنها أصبحت تشكل "علاقة حياتية" بل وأصبحت ثابتة بينهما على رأي العميد المتقاعد من الجيش التونسي مختار بن نصر في حوار أجرته معه "الصباح نيوز" على هامش الندوة. (أنظر الفيديو) يضيف العميد لابراز هذه العلاقة اللوجستية التي تجمع الطرفين "أن المهرب في حاجة لبضائع ومؤن وماء وألبسة مقابل مبالغ مالية، فيما الآخر يبحث عن مكان يروج فيه بضائعه". يضيف العميد في إفادته ل"الصباح نيوز" أن أبرز التنظيمات التي تنشط في تونس ولها علاقة بالتهريب يبقى تنظيم "أنصار الشريعة" الإرهابي والتي لها علاقة مباشرة بالتنظيمات الإرهبية بالجزائر وتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" والقاعدة بتفرعاتها في ليبيا كتنظيم "أنصار الشريعة" في ليبيا، "بل وأكثر من ذلك العلاقة التي تجمع أنصار شريعة تونس بالقاعدة في مصر أو في اليمن أو غيرها والتي لها علاقات تواصل فيما بينها". هذا التفسير قد يحيلنا إلى عدة إشكاليات أخرى، أبرزها التأثير المباشر للصراع بين التنظيم العالمي للقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" وتأثيره على منطقة المغرب العربي، هنا يشير الخبير الإستراتيجي والعميد المتقاعد بأن "القاعدة تقهقرت بشكل كبير وضعفت ماديا وخاصة بعد انهيار قواعدها في عدة أماكن مما جعلها تفكر في مثلث جديد هو 'ماليالجزائرتونس' حيث ارتأوا بأن في هذه المنطقة يمكنهم إرساء قواعد جديدة". هذا "المخطط المثلث" والإرهابي يحيلنا بالضرورة إلى دور المساحة الليبية فيه، ف"اليد" الليبية حاضرة دائما من حيث تلازم ظاهرة التهريب بالإرهاب. يشير محدثنا هنا إلى مصطلح جيوسياسي مقلق ومضجر وأقض مضاجع البلاد وكل المنطقة وهو "فوضى السلاح" الذي أصبح مفتاحا لفهم خريطة الفوضى في ليبيا وهو يحيل مباشرة إلى "ضعف السلطة" على رأي محدثنا، مما أوجد موطأ قدم لما أسماهم "أطرافا خارجة عن القانون وتتبنى التطرف وتريد أن تفرضه في ليبيا وجهات أخرى، وتجد من تتعامل معه في تلك الجهات وهو ما ثبت بالأبحاث في علاقة تونسيين بالليبيين والجزائريين في هذا المجال". عقيدة هجومية هذه الحوصلة الإقليمية والجيوسياسية ل"مجابهة" الإرهاب في المنطقة تدفعنا إلى سؤالين كبيرين، ماهي ضرورات المرحلة لمحاربة هذين الخطرين (الإرهاب والتهريب)؟ وماهي أبرز الحلول لمحاربتها؟ ينطلق أمير اللواء المتقاعد من الجيش الوطني التونسي محمد المؤدب في إجابته حول هذه الإشكاليات من "عقيدة" راسخة أن البلاد في حالة حرب ولذلك أصر على كلمة "محاربة الإرهاب" ولا "مجابهته". من هنا يشير القائد السابق في الجيش التونس إلى ضرورة "الأخذ بالمبادرة والقيام بعمليات استباقية أو هجومية ولا تنتظر الإرهابيين حتى يقومون بأعمالهم الإرهابية". (أنظر للفيديو الثاني) ويطرح الخبير العسكري إلى ضرورة تبني مقاربة أمنية لمحاربة الإرهاب تنبني على أربع محاور: أولها/السيطرة على الحدود، وخاصة الحدود الجنوبية الشرقية وبصفة أقل في القصرين، قصد قطع تدفق تعزيزات جديدة، كالأفراد والأسلحة، من ليبيا ومنع الإرهابيين من اللجوء إليها. ثانيها/دعم القدرات الوطنية للإستعلام وخاصة بعث هيكل وطني للاستعلام، وتطوير قدرات الكشف والإستطلاع الجوي ليلا نهارا. ثالثها/ دعم الهياكل الأمنية سواءا معنويا وعدديا أو قانونيا أثناء أداء مهامهم أو بتجهيزات حماية الأفراد ووسائل كشف الألغام والأسلحة، وانخراط المواطن في مجهود الإستعلام. رابعها/مراجعة المنظومة الدفاعية: خاصة تفعيل منظومة الخدمة الوطنية ومراجعتها باعتبارها واجبا دستوريا وقانونيا، وإصلاح الأجهزة الأمنية. الأمير اللواء المتقاعد قدم خلال أشغال الندوة خطة ميدانية للعمل على التحكم في الحدود التونسية الشرقية، والتي من الممكن أن تمكن من مراقبة خطوط التهريب وتدفقاته ومنعها. ولهذا شدد على بعث "منطقة عمليات عسكرية" بالمنطقة الحدودية الواقعة بين مركز الذهيبة جنوبا والبحر شمالا مرورا براس الجدير وخط مواز للحدود حوالي 30 كلم داخل التراب الوطني وإرساء منظومة واحدة، مشتركة بين الجيش الوطني وقوات الأمن الداخلي والديوانة، تتولى مراقبة الحركة داخل تلك المنطقة للتصدي لكل الأنشطة غير المشروعة من تهريب وتسللات عبر الحدود في الاتجاهين، مع إقامة حواجز على طول الحدود منها خندق مع حاجز ترابي على الجانب الليبي، وتسيير منظومة دوريات مشتركة واقامة نقاط مراقبة بوسائل الكترونية متطورة تعمل بالنهار وبالليل على محاور التسلل بالمنطقة. ورغم هذا التسلسل في سرد مقتضيات الخطة الأمنية إلا أن المسؤول القيادي العسكري السابق قال في استفسار حول العملية الأمنية الجارية في الشعانبي أن على تقديم معطيات أو معلومات حول العملية لا يجوز وغير منطقي في الوقت الحالي خاصة والعملية في طور الإنجاز، مشددا في لغة حازمة على أن الإرهابيين يحاولون استسقاء تحركات الجهات الأمنية وأن هدفهم بث البلبلة في النفوس.