غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع مختلفة في سوريا    علماء يحذرون.. وحش أعماق المحيط الهادئ يهدد بالانفجار    تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    دعما للتلاميذ.. وزارة التربية تستعد لإطلاق مدارس افتراضية    ترامب يبحث ترحيل المهاجرين إلى ليبيا ورواندا    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 3 معارض ومحاضرات وحفلات فنية بحديقة «ميستي» الاثرية    عاجل: ألمانيا: إصابة 8 أشخاص في حادث دهس    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    النّفطي يؤكّد حرص تونس على تعزيز دور اتحاد اذاعات الدول العربية في الفضاء الاعلامي العربي    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    كلية الطب بسوسة: تخرّج أول دفعة من طلبة الطب باللغة الإنجليزية    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر والباحث والكاتب في "نيويورك تايمز" د. مصطفى التليلي ل"الصباح نيوز": إذا لم "تنقلب" النهضة على فكرها فلن تصمد.. والبورقيبية تعود للبحث عن نصفها "الديمقراطي"
نشر في الصباح نيوز يوم 09 - 01 - 2015

"أنا فقط ابن تونس..وابن فريانة..تلك المدينة الفقيرة والمنسية وابن جيل نحت في الصخر ليحقق أحلامه وطموحاته " بهذه الكلمات البسيطة قدّم الدكتور مصطفى التليلي نفسه ..هذا الرجل الذي قضّى سنوات طويلة في الولايات المتحدة ككاتب ومفكّر وشغل عدة مناصب أممية هامة لم ينس خلالها مطلقا جذوره ووطنه عندما قال "نحن نحمل معنا الوطن أينما ذهبنا".
ورغم تقدّمه في السن –من مواليد 1937-إلا أن له إسهامات قيمة في شكل مقالات منشورة بأحد أشهر الصحف الأمريكية "نيويورك تايمز"، كما وأنه من مؤسسي مركز جامعة "نيويورك" للحوار وهو باحث أكاديمي في نفس الجامعة.
مصطفى التليلي الموظف السامي السابق لمنظمة الأمم المتحدة هو كذلك عضو في اللجنة الاستشارية لمنظمة "هيومن رايتس واتش" في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وله عدة كتب منشورة منها la Rage aux tripes وكتاب la Montagne du lion الذي يعتبر من أشهر كتبه صدر سنة 1988 ومنع في تونس..
لكن أهم المهام التي أنيطت بعهدته هو مشاركته إلى جانب 22 شخصية سياسية وأكاديمية في "منتدى حوار أمريكا مع العالم الإسلامي" بمعية وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت ومهندس عملية السلام في الشرق الأوسط دينيس روس.
في الحوار التالي تحدّث مصطفى التليلي عن التجربة الديمقراطية في تونس، وعن نهاية الإسلام السياسي وذهابه إلى التاريخ كتجربة سياسية، كما تحدّث عن حركة النهضة وعن علاقتها بالأمريكان وعن مستقبل تونس وعن رئيس الحكومة الجديدة وعن الباجي قائد السبسي وتوليه لمنصب رئيس الجمهورية.
* انتهت مرحلة الانتقال الديمقراطي ودخلت تونس مرحلة سياسية جديدة ..كيف تقرأ المشهد الحالي؟
- أعتقد أن تونس دخلت مرحلة البورقيبية-الديمقراطية، والتنوّع والتعدّد الإيديولوجي والسياسي الذي كان ينقص هذه التجربة في مرحلة بناء الدولة نعيشه اليوم.. نحن نعيش تراكما جديدا في التجربة البورقيبية وهي المحافظة على الهوية الوطنية مع احترام مبادئ وقيم الحرية والديمقراطية.
فبداية التجربة البورقيبية بعد الاستقلال كان فيها نوع من الاستبداد السياسي وتفرّد الزعيم بورقيبة برأيه ولعل ذلك كان من الضروري في البداية خدمة للوحدة الوطنية كما كان بورقيبة يعتقد على الأقل.. لكن التجربة أثبتت أن التونسيين لم يتقبلوا طويلا فكرة الاستبداد المستنير مع بورقيبة او فكرة الدكتاتورية مع بن علي أو طرح النظام الثيوقراطي الذي كانت تسعى له حركة النهضة.
-الإسلام السياسي انتهى
اليوم وبعد الثورة الشعب التونسي طالب بإلحاح بالديمقراطية وكان حاضرا فكريا وحضاريا وحمل آمال جيلي الذي حلم بالديمقراطية زمن بورقيبة.
اليوم هناك عودة قوية إلى أفكار بورقيبة والى رجالات بورقيبة وعودة لزخم التجربة البورقيبية في حد ذاتها..هل يعني ذلك أن النخبة التونسية فشلت في خلق أفكار جديدة أم أن البورقيبية تجربة لم تكتمل بالديمقراطية وهي تعود اليوم للبحث عن "نصفها" الديمقراطي؟
- أظن أن الإجابة تحمل وجهتي نظر،في آخر أيام بورقيبة فشلت البورقيبية فشلا ذريعا وانهارت تماما وكادت تنهار معها الدولة في خضّم صراع المصالح المحتدم بين الحاشية أمام تخلي النخبة عن دورها في حماية التجربة من الانحرافات السياسية حيث لم تكن تملك الجرأة والشجاعة للتصدّي لمحاولات تشويه التجربة كما أن جزءا من هذه النخبة هاجر إلى خارج الوطن ولم يهتم بما كان يحصل في الداخل .
لكن أعتقد أن التجربة التاريخية لتكتمل كانت يجب أن تمر بمرحلة الاستبداد وبتلك الانتكاسة السياسية وبكل تلك العذابات التي عانى منها المناضلين حتى يشعر الشعب بقيم الديمقراطية والحرية..فالحرية والديمقراطية والعدالة قيم تفتكها الشعوب بتضحياتها ونضالاتها وبتجربتها وليس بالعنف لأن هذه القيم تكون تتويجا لمسيرة شعب مرّ بمرحلة وهن في السلطة ومرّ بالدكتاتورية وذاق ويلات الاستبداد لينعم في النهاية بالديمقراطية كما حدث في تونس.
* هل يعني ذلك أن التجربة البورقيبية تكتمل اليوم بالديمقراطية؟
-أجل البورقيبية تجربة ثرية تاريخيا لكنها غير مكتملة ديمقراطيا واليوم تكتمل..الديمقراطية اليوم وقع افتكاكها بإرادة الشعب ولم تكن هبة من الحاكم ولم تنزل من فوق..واذا قارنا بين ديمقراطيات العالم سنجد أن أرسخ الديمقراطيات هي تلك التي تأتي بعد العذابات والاستبداد والتضحيات لأن الشعب يدرك جيّدا قيمة ما وصل إليه وتتحوّل الديمقراطية إلى شرف وتتويج.
الشعب التونسي بعد تجربة الاستبداد المريرة وبعد تضحياته لن يعود إلى الدكتاتورية وسيدافع بشراسة على حريته وديمقراطيته.
وذلك كان خطأ الإسلاميين عندما ظنوا لوهلة أنهم يستطيعون السطو على مكتسبات الشعب من الحرية والديمقراطية.
أتعني بذلك أن حركة النهضة عندما وصلت الحكم فشلت في القيام بقراءة صحيحة ومنسجمة للمجتمع مع السياق التاريخي الذي بلغه الشعب عندما أنجز ثورته؟
- الحقيقة أن هناك عدة أسباب لفشل النهضة في الحكم، فاغلب قياداتها التي تولت الحكم كانت بعيدة عن الحياة العامة اما بسبب السجون أو العمل في سرية أو التهجير، لكن السبب المهم في تقديري هي فكرتهم على الحكم حيث لم يكن هدفهم من الحكم تهيئة مناخات الديمقراطية والحرية والنظر في حاجيات الناس الاقتصادية والاجتماعية بل كانوا يعتقدون أن لهم "عقد مع الله" يخوّل لهم تطبيق الدين الالاهي أي أنهم لا يمثلون شعبا بل يمثلون الإله.
بمعنى أنهم جلبوا الآخرة ليحكموا في الدنيا..ولذا كانوا في قطيعة مع الشعب الذين أرادوا أن يجعلوه رعية تحكم بسياسة القطيع الذي لا بد أن ينضبط لتحقيق أهداف ربانية..شعب يدار بترهيبه من عذاب القبر وليس بمنحه حقوقه الدنيوية..
وأنا أتذكّر أوّل رئيس حكومة من النهضة السيد حمادي الجبالي عندما تحدّث عن "الإشارات الربانية" وعن "الخلافة السادسة"..وهو ما يعكس حقيقة تفكيرهم وتاريخهم..تلك ليست الديمقراطية التي يجب أن تكون نابعة من الشعب ليحكم من خلالها نفسه بنفسه وليست الديمقراطية "إشارات" ربانية.
* هل تعني أن الإسلاميين استغلوا الثورة في تونس لخدمة مشروعهم التاريخي؟
-نعم..دون شك
الدستور الذي شارك الإسلاميون في كتابته ولم يعترضوا على التنصيص على حرية الضمير فيه.. كيف تقيمه؟
بالنسبة للدستور أعتقد أنه مقبول إلى حد ما..لأن الحريات الخاصّة والعامة مكفولة من خلاله كحرية الضمير وحرية المرأة وحرية التعبير وغيرها من الحريات ولكن هذا لا يحسب للإسلاميين بقدر ما يحسب للمجتمع المدني وللجمعيات والمنظمات التي ضغطت بقوة لتحقيق هذه المكاسب الدستورية.
- الشعب التونسي لن يعود أبدا إلى الاستبداد
* منذ الثورة إلى اليوم هناك نسخ عديدة لحركة النهضة نسخة تسلمها للحكم، ثم نسخة ما بعد اعتصام باردو وتخليها عن الحكم طواعية كما تقول وبضغط كما يقول خصومها، ثم نسخة النهضة الناعمة و ال"متتونسة" اليوم رغم خسارتها للحكم..فهل تعتقد أن النهضة تعلمت الدرس أم انها تهادن في انتظار مرور العاصفة ام أنها فعلا قامت بالمراجعات اللازمة لتصبح حزبا مدنيا ديمقراطيا حقيقيا؟
- سؤال في محلّه ومطروح بإلحاح..لكن نحن لا يمكننا قراءة نوايا الحركة أو نوايا زعيمها الغنوشي ..النهضة خسرت في الانتخابات التشريعية بينما فازت عدة أحزاب ديمقراطية، وهو ما ولّد مشهدا سياسيا جديدا قد ينجح فقط بمدى تشبّع هذه الأحزاب بالثقافة الدستورية وبقيم الديمقراطية والحرية التي تحترم العيش المشترك وتحترم الاختلاف..
فإذا كانت حركة النهضة تحترم كل هذه المبادئ فإنها يجب إن تتغيّر بالفعل إلى حزب ديمقراطي..أنا لو كنت في مكان راشد الغنوشي لسارعت إلى تنقية النهضة من الشوائب والتخلّي عن الصقور الذين يحملون فكرا راديكاليا،والى التحلّي بالشجاعة في ممارسة نقد ذاتي جريء..ويمكن هنا أن يمنح لحركته اسما جديدا كأن يسميها مثلا "الحزب الإسلامي الديمقراطي التونسي" يقوم على مبادئ الإسلام التي باتت قواعده كونية لا يمكن لأحد أن يدّعي احتكارها،ويقوم أيضا على مكتسبات التجربة التونسية التي هي متفرّدة،وهذا في الحقيقة يمنحه فرصة للمستقبل ويجعله يتخلّى نهائيا على فكرة "العقد مع الله" لأنه هذه الفترة انتهت بانتهاء الإسلام السياسي.
- نصحت أوباما بأن يتوجّه للعالم الإسلامي فتوجّه "للإخوان"
* هل تعني أن الإسلام السياسي كتجربة انتهت في العالم؟
نعم هو تجربة وانتهت وذهب اليوم إلى التاريخ..فكما يقول "هيغل" كل فكرة لديها وقت معين..لأن تلك الفكرة تتطابق بالضرورة مع زمن تاريخي محدّد..فالشيوعية هي فكرة ولدت مع الثورة البلشفية وهذه الثورة ولدت بعد أن خلق ما سمّاه "ماركس" بالعالم الجديد وهو عالم العمال والطبقات الكادحة و"البروليتاريا" هذا العالم الذي خلقته الثورة الصناعية في أوروبا قبل ذلك،كان لزاما أن تخلق أفكارا جديدة لحل مشاكل هذا "العالم" فاتت الشيوعية لتكون لسانه وتدافع عن حقوقه..وبالتالي كل تجربة تاريخية تستغرق وقتا محدّدا ثم تنتهي.
وعندما وقعت الثورات العربية التي قام بها الفقراء والمسحوقين والجهات المحرومة والمهمشة قام الإسلاميون بعملية سطو على هذه الثورة
* لكن الثورة التونسية انتهت أيضا وفي أول تجربة ديمقراطية لها إلى حكم الإسلاميين؟
أجل لأن الإسلاميين استغلوا فرصة انتخابات التأسيسي ليصلوا للحكم ب18 بالمائة من نسبة الناخبين.. لكنهم فشلوا في الحكم وفي بناء دولة قوية اقتصاديا واجتماعيا.
بالتالي ما أردت قوله فكرة "الإسلام هو الحلّ" فكرة أتى وقتها وانتهى الآن..
- على النهضة أن تبقى في المعارضة وأقترح عليها اسما جديدا
* هل ترى أن من الأفضل لحركة النهضة أن تشارك اليوم في الحكم ام ان تبقى في المعارضة لتفسح المجال لنفسها لتقوم بالمراجعات الذاتية اللازمة؟
- أرى من الأفضل أن تبقى في المعارضة وتقوم بعملية نقد ذاتي جدية..يجب أن يقوموا بما قام به "غرامشي" في مراجعة الفكر الشيوعي..على النهضة أن تقوم "بانقلاب فكري" في داخلها ..بهدم كل الأفكار السابقة وإعادة البناء على أسس جديدة..وان لم تفعل فاني أراهن على أن حركة النهضة لن تصمد لأكثر من 15 سنة قادمة.
* كيف ينظر الأمريكان في دوائر صنع القرار أو من خلال وسائل الإعلام أو حتى"لوبيات" الضغط إلى تجربة الإسلاميين في تونس خاصّة وان راشد الغنوشي تجمعه صداقات بأوساط أمريكية مختلفة؟
-قبل الثورة كان راشد الغنوشي يصنّف كإرهابي لأن الولايات المتحدة كانت في حرب مفتوحة على الإرهاب..
لكن هؤلاء الإسلاميين استطاعوا زمن المنافي أو التهجير القسري بعد قمعهم زمن الدكتاتوريات العربية تكوين شبكة علاقات متطورة جدا في المجتمعات الغربية خاصّة في الجامعات وفي الأوساط المثقفة هم كونوا ثروات واستفادوا كثيرا من الديمقراطية الغربية وهذا ما استغله كثيرا الإخوان المسلمون فيما بعد..
* كيف استغل أو استفاد الإخوان المسلمون من ذلك؟
بعد ورطة حرب العراق،انتقد الأمريكيون سياسة بوش العدائية تجاه المسلمين وطالبوا بالحوار مع العالم الإسلامي والذي شاركت فيه أواسط سنة 2004 من خلال لجنة عليا هي عبارة عن "منتدى الحوار بين أمريكا والعالم الإسلامي "يتكوّن من 22 شخصية سياسية وأكاديمية بارزة منهم "مادلين أولبرايت" و"دينس روس" للتفكير في مستقبل علاقات أمريكا مع العالم الإسلامي..وقد استغرق العمل سنتين وقدمنا على اثر ذلك تقريرا فيه عدة توصيات،طبعا هذا قبل انتخابات الرئاسية ماكين/أوباما وكان حينها من أهم التوصيات أن الرئيس الذي سينتخبه الشعب من بينهما يجب أن يلقي خطابا طمأنة للعالم الإسلامي ويمد يده إلى الأمة الإسلامية.
ماذا حصل بعد ذلك؟
حصل انحراف بهذه التوصيات عندما عمد الفريق المرافق لاوباما وفي إطار تفعيله لهذه التوصيات اذ لم يتوجّه الى العالم الإسلامي بل توجهوا إلى الحركات الإسلامية والى الإخوان المسلمين واعتبروهم يمثلون العالم الإسلامي وهنا مكمن الخطأ ومكمن الخلط..
- خطأ الإسلاميين أنهم جلبوا الآخرة ليحكموا بها الدنيا
* أتعني أن دعم أمريكا لهذه الحركات كانت "خطأ" تاريخيا غير مقصود؟
-هذا بالضبط ما أعنيه..ونهاية تجربة حكم الإسلام السياسي في مصر وفي تونس كانت بإرادة الشعب الذي رفضهم بالتظاهر ضدهم ورفضهم بصناديق الاقتراع..وبالتالي انتهى فعليا الإسلام السياسي كتجربة سياسية.
وما هو الموقف الحالي للأمريكان من التغييرات الحاصلة في بلدان الثورات العربية ومن خروج الحركات الإسلامية من الحكم؟
- بصفة عامة الولايات المتحدة تتعامل اليوم مع ما هو موجود على الأرض وتحمي مصالحها من خلاله.. فمن كان موجودا وله القوة السياسية ليقنع بها شعبه تتعامل معه.
* هل أنت مقتنع بالتصنيفات في إطار التيارات الإسلامية بين تيارات معتدلة تؤمن بالديمقراطية وبين تيارات تكفيرية هاجسها تطبيق الشريعة؟
-لا.. لست مقتنعا بهذه التصنيفات.
* أليس هناك فرق في اعتقادك بين حركة النهضة وجماعة الإخوان وجبهة النصرة وداعش؟
-هم يشتركون في الهدف البعيد..تطبيق الشريعة في نهاية المطاف بمختلف تأويلاتها واجتهاداتها ..
أنت تحدّثت عن تجربة بورقيبة بصدد الاكتمال ديمقراطيا..واليوم نجد أحد رجالات بورقيبة على رأس الدولة فهل هو مؤهل ليكمل هذه التجربة ديمقراطيا وقيادة البلاد في مرحلة حرجة وبناء دولة وطنية قوية؟
- بصراحة تعتبر تونس اليوم محظوظة لوجود شخصية كالباجي قائد السبسي على رأس الدولة لأسباب عدة لأنه يملك الحكمة والمعرفة والتجربة،تجربة سياسية تنبع من التجربة البورقيبية في نقاوتها الأولى وبالتالي هو يعتبر همزة وصل بين ماض له انجازاته ويفتقر للنفس الديمقراطي وبين حاضر غابت عنه الانجازات لكنه يحفل بالديمقراطية
- الثورة رفعت عن راشد الغنوشي صفة "الإرهابي"
* ما المطلوب اليوم من القيادة السياسية الجديدة؟
-يجب التفكير بجدية في صعوبة الوضع.. والتيقن من أن حظ التجربة التونسية التي أبهرت العالم مجدّدا من خلال العملية الانتخابية وتسليم السلطة سلميا لن يدوم أكثر من 6 أشهر وان لم نستغل هذا الظرف وننجح فإننا سنعود إلى ما قبل الجاهلية.
بماذا توصي قائد السبسي اليوم وهو رئيس تونس؟
-بأن يعطي الفرصة للكفاءات التونسية في مختلف المجالات فلا تملك الاّ فسحة ب6 أشهر لتعيد تونس إلى إشعاعها..ولكن أنصح الحكومة الجديدة أن تصارح الشعب بحقيقة الوضع وأنا أثق في إمكانية نجاح الحبيب الصيد..
* ماذا عليه أن يفعل تحديدا؟
-يجب طمأنة الفقراء والمحتاجين والالتفات الى الولايات والمناطق المهمشة وبعث رسائل قوية للشباب حتى لا يزداد عزلة أو تمرّدا على الدولة..كما يمكن التوجه للاستثمار في التكنولوجيا واستدعاء شركات عملاقة إلى بلادنا ك"مايكروسوفت" لمساعدتنا على الاستثمار في هذه المجالات.. وأعتقد أنه وفّق في اختيار رئيس الحكومة.
* لكن هل ستقبل هذه الشركات الدولية العملاقة الاستثمار في تونس؟
أجل لم لا اليوم تونس تشع تجربتها على العالم يجب أن تستغل القيادة السياسية ذلك..
* من هم أصدقاء تونس اليوم؟
-نعم هناك أصدقاء لتونس كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية رغم أنه لا تقدّم الكثير لتونس على مستوى المساعدات العينية حيث لم تتجاوز حجم المساعدات لتونس 69 مليون دولار في ميزانية الولايات المتحدة لسنة 2015 لكن هناك إعانة معنوية وبتشجيع القطاع الخاصّ الأمريكي على الانتصاب في تونس
أجرى الحوار: حافظ الغريبي منية العرفاوي وليد الخفيفي..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.