كلما مررت بنهج المنجي سليم بتونس العاصمة الا وبصفة لاشعورية اختطف مني جامع الزرارعية(المسمى بجامع الزيتونة الصغير)التفاتة اليه تذهب بي معها الى عقود مضت من عمري في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وكنت آنذاك في المرحلة الثانية من التعليم الثانوي بالمعهد العلوي بتونس ثم في المرحلة الجامعية بالكلية الزيتونية كنت اتردد على جامع الزرارعية الذي كان يتولى امامة الجمعة فيه فضيلة الشيخ عبد العزيز الزغلامي رحمه الله أتردد على جامع الزرارعية لأداء صلاة من الصلوات الخمس اذ كانت بجواره مطبعة االشركة التونسية لفنون الرسم التي تطبع اغلب المجلات والدوريات التي كانت تصدر في تلك الفترة ومنها جوهر الاسلام والفكر وغيرهما من الجلات كما انني وبتكليف من الشيخ الوالد رحمه الله الذي تربطه بالشيخ عبد العزيز الزغلامي رحمه الله علاقات اخوة وود وطدتها الزمالة ايام الطلب في جامع الزيتونة المعمور وفي مرحلة الكفاح الوطني لتحرير البلاد من ربقة الاستعمار الفرنسي فقد كانا رحمهما الله ممن انخرطوا في غمارها بكل حماس قناعة منهما راسخة بالتلازم الوثيق بين العمل من اجل رفعة الا وطان وكرامة الشعوب من ناحية والتمثل الصحيح والصادق لقيم الاسلام العظيم( فحب الوطن من صميم الدين) فقد ظلا متواصلين متعاونين يتشاوران في كل شان من شؤون الدين والوطن رغم تباعد ديارهما فالشيخ الزغلامي اصيل الشمال الغربي من ولاية الكاف والشيخ الوالد اصيل الجنوب الشرقي من ولاية مدنين قبل أن يستقل عنها بولاية ولان العلم رحم بين اهله تماما مثلما ان الوطن رحم بين ابنائه فان الرجلين بعد عودتهما الى جهتيها للعمل وللقيام بالتوعية والتوجيه الذين جعلاهما من صميم اهتماماتهما للحاجة الماسة اليهما في تلك الجهات النائية فقد انخرطا رحمهما بكل حماس في الحركة الوطنية وكان يرتبطان بعلاقات متينة مع زعماء وقادتهما الذين ظلوا يكنان لهما الاحترام والتقدير لما عرفا به من عفة ونزاهة واخلاص فالرجلان وبمجرد احراز البلاد على الاستقلال اثرا ان يعودا الى قاعدتهما الاصلية الا وهي العلم وما ادراك ما العلم ولم تستهوهما المناصب ولا زخارف الدنيا وكانت متاحة امامهما ولكنهما اثرا الذي هو ابقى ولا اعلم انهما ملكا كل منهما سوى منزليهما في مونفليري ومقرين الذين ظلا طيلة حياتهما يستقبلان فيهما ضيوفهما من تونس وخارجها في اريحية وكرم كانا اسجيتهما رحمهما الله لقد كان الشيخان يتعاونان ويباشران نفس الانشطة الاجتماعية والدينية تقريبا هنا في العاصمة حيث باشرا عملهما الشيخ الزغلامي في القضاء الذي تدرج في رتبه الى ان بلغ اعلاها وقد مارس هذه الخطة في عفة وورع يذكر بقضاة السلف الصالح والوالد في التدريس بالكلية الزيتونية وقد توليا خطة امامة الجمعة في جامع الزرارعية ومقرين واظن ان ذلك كان بتشاور بينهما وقد اضاف الوالد الى ذلك انشطة اخرى حيث اعد الحصص الاذاعية وانخرط في الانشطة الاجتماعية والثقافية ومارس العمل الحزبى الدستوري باعتباره المجال المتاح في تلك المرحلة وتدرج فيه عن قناعة الى ان توجه بانتخابه في مرتبة متقدمة بعضوية اللجنة المركزية في مؤتمر المنستير 1971بعد ان القى خطابا مدويا وضع فيه النقاط على الاحرف في كل المجالات السياسية والعلمية والتشريعية ولم يكن في ذلك المؤتمر منحازا الى اي طرف من الاطراف المتصارعة على خلافة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة رحمه الله الذي كان يستنجب الشيخ الوالد ويكن له تقديرا كبيرا لمواقفه ابا ن الحركة الوطنية وعند نشوب الخلاف البورقيبي اليوسفي فقد كان للوالد رحمه الله دور في حقن دماء العشرات ممن كانوا قاب قوسين اوادنى من تنفيذ حكم الاعدام فيهم لقد غضب اواستغضب الزعيم بورقيبة من خطاب الشيخ غضبا شديدا وظل يردد في تلك الفترة على مساعديه في الدولة ومن حوله تصفقون لشيخ غرنوطي(والزعيم بورقيبة يعلم حق العلم ان الشيخ بحكم السن وبما كان بينهما من علاقة متينة انه دستوري الى النخاع)ولكنها سورة غضب وكانت القطيعة مع الشيخ وبداية المحاصرة والتضييقات المتواصلة والتي منها الابعاد الى قفصة ( وقد سبق للسلطات الاستعمارية ان ابعدته من الجنوب الشرقي الى قفصة في اوائل ا لخمسينات) وتحمل الشيخ الوالد كل ذلك بصبر واحتساب و تفويض الى الله عبرت عنها ادق تعبير تلك الاشعار التي جادت بها قريحته والتي تضمنها ديوانه الذي جمع بعض ما كان يناجي به ربه الى ان رجعت نفسه المطمئنة راضية مرضية لتدخل في عباده وتدخل جنته جنة النعيم المقيم ان شاء الله لما اسس الشيخ الوالد مجلة جوهر الاسلام كان الشيخ عبد العزيز الزغلامي من ا سرتها ومن المواظبين على الكتابة فيها ولم يكتف بذلك بل كان يجمع لها الاشتراكات حرصا على استمرار صدورها باعتبارها صوت علماء الزيتونة فهي اول مجلة اسلامية ثقافية جامعة تصدر بعد الاستقلال وكان عميدا اسرتها المنعمان الشيخان محمد الطاهر بن عاشور ومحمد الفاضل بن عاشور رحمهما الله كنت احمل معي كمية من كل عدد جديد يصدر وكان الشيخ الزغلامي خطبته الجمعية تنويها حارا بجوهر الاسلام داعيا المصلين الى اقتنائها وكان الشيخ الزغلامي صاحب اسلوب حماسي وكان شديد التاثر لاحوال المسلمين الى درجة الاجهاش بالبكاء غير المتكلف خصوصا عند حديثه عن فلسطين السليبة وكذلك كان شانه مع قضية الشعب الجزائري الذي ارتبط بعلاقات متينة بقياداته العلمية والسياسية وكان يجمع الاموال الطائلة دعما ومساندة لهما كنا مجموعة من المصلين وراءه نرافقه مشيا على الارجل من جامع الزرارعية الى منزله العامر في مونفليري وكنا نستأنس بحديثه المليء بالعلم الزيتوني المحقق المدقق مثلما اننا كنا نستفيد ايما افادة بما يرويه لنا من احداث عاشها ابان دراسته في جامع الزيتونة وقبل الاستقلال وبعده كان الشيخ عبد العزيز الزغلامي ضمن التشكيلة التي تكونت منها هيئة الجمعية القومية للمحافظة على اثر مؤتمرها المشهود الذي انطلقت اشغاله في مقر الجمعية بمقر الجمعية بنهج سيدي بن عروس بتونس والقى فيه الشيخ الوالد خطابا حماسيا مؤثرا جعل القائمة الي ترشحت تفوز كلها وقد استثني من الدخول في العملية الانتخابية فضيلة الشيخ محمد الشاذلي النيفر رحمه الله ليبقى رئيسا للجمعية ويكون الشيخ الوالد كاتبا عاما وتركبت الجمعية من المشائخ والاساتذة عبد العزيز الزغلامي واحمد بن سدرين وصلاح الدين كشريد والبشير التركي وحسن الخياري وعبد الفتاح مورو وحسن الورغي ومحمد الهادي بلحاج تغمد الله برحمته الواسعة من غادر منهم الى دار البقاء( ولجمعية المحافظة على القران الكريم والاطوار التي مرت بها حديث ياتي ان شاء الله في ابانه) لقد ظل الشيخ عبد العزيز الزغلامي عضوا في رابطة الجمعيات القرانية لسنوات عديدة وضم الى ذلك انشطة اخرى تمثلت في مساهمته في الحلقة التي ظلت تعقد صبيحة يومين من كل اسبوع بجامع الشربات قرب جامع الحجامين بتونس العاصمة وضمت البقية الباقية من شيوخ الزيتونة يتدارسون كتب الحديث والتفسير والفقه باشراف كل من الشيخين المنعمين محمد الزغواني وعمر العداسي رحمهما الله وكان الشيخ الزغلامي من اكثر المواضبين على هذين الحلقتين العلميتين ومن ابرز المشاركين فيما يدور فيها من ابحاث علمية جادة ذهبت و لللاسف الشديد بذهاب اصحابها ومن هذه الحلقة انطلقت فكرة اعادة الدروس العامة المفتوحة امام كل فئات الشعب للتفقه في الدين على ايدي البقية الباقية من شيوخ الزيتونة الذين كان لايزال العديد منهم على قيد الحياة وكانوا مستعدين للتطوع بذلك وفقد انطلقت بالفعل هذه المبادرة وقد جاءت في اطار تعزيز التعليم الجامعي في كليات جامعة الزيتونة التي اعيدت كجامعة تضم معاهد عليا ثلاثة اصول الدين والشريعة والحضارة ولاسباب عدة من اطراف عديدة لم تستمر هذه التجربة ولو تواصلت لما عاشت بلادنا الفراغ الديني الذي الت اليه والذي جعلها مستباحة من طرف ما هب ودب من التيارات الغريبة عليها وعلى شعبها السني الاشعري المالكي الجنيدي الذي يابى الفتنة والفرقة والاختلاف في الدين '( ولم يكتب لهذه التجربةبعد14جانفي ان تستمر لنفس الأسباب انضم الشيخ عبد العزيز الزغلامي لعضوية المجلس الاسلامي الاعلى الى جانب صفوة من شيوخ تونس واتسمت مشاركاته بالجدية كما شارك في تحرير مجلة الهداية التي نشرت له مقالات قيمة وحضر عديد الملتقيات والمؤتمرات الاسلامية منها حضوره للمؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الاسلامي الدولي بجدة وبعض ملتقيات الفكر الاسلامي في الجزائر وكان لي شرف مرافقته في احدها( وقد اسر لي وكان الوزير المشرف على الملتقى مارا امامنا وقد كان زميلا له في جامع الزيتونة قال لي هل ضعف بصره قلت له كلا ولكنه الكرسي يا فضيلة الشيخ ينسي صاحبه كل شيء فلم يزد على انقال لا حول ولا قوة الا بالله)
وسافر الى مصر والقدس قبل سقوطها سنة 1967وبغداد وباريس وغيرها ظللت اتردد عليه في منزله بمونفليري فأجده منهمكا في مراجعة المسائل العلمية واجد عنده طلبة العلم من اهل القران الذين يكرم وفادتهم ويحسن اليهم وذات ليلة استضافنا صحبة صديقه الشيخ الحبيب النفطي في منزله وبعد تناول طعام العشاء قال للشيخ النفطي سأصلي ركعات فارجو منك ان تتابع قراءتي لتصحح لي ما يمكن ان اقع فيه من اخطاء وظننها بعض آيات سيقوم بالصلاة بها فاذا بها احزابا امتدت قراءته لها بتمعن وتدبر ونحن نتابعه جالسين على اريكة ودعناه على اثر تسليمه وكانت اخر مرة زرته فيها وقد انتقل الى منزل ابنته الكائن في مونفليري حيث حدثني مطولا عن ذكرياته مع الشيخ الوالد وسلمني مجموعة من بحوث ومقالات نشرها هنا وهناك لا ازال احتفظ بها لعل الله ييسر جمعها ذات يوم فتكون اجمل هدية لروحه الطاهرة وودعته وما كنت اظن ان ذلك اليوم سيكون اخر عهد لي به في الدنيا و لم احضر جنازته فقد كنت في سفر خارج تونس عند وفاته وحتى لما وصلت وعزمت انا وافراد من اسرتي ان نحضر الفرق الذي اقيم في منزل ابنه الاستاذ المنجي فاننا ضللنا الطريق رحم الله الشيخ الزغلامي رحمة واسعة و أسكنه فراديس جنانه و جازاه عما أسداه لدينه و أمته خير الجزاء انه سبحانه و تعالى سميع مجيب