لقد جاء في سطور اخينا عبد الله المقهور لا قهره الله العزيز الغفور في مقاله (الكوازي فوق وتحت) قوله(قهرتني كلمة الكوازي لانني لم استطع ردها الى اصلها اللغوي ولم اعرف من اين انتقلت الى لهجتنا العامية) واني لاعلم ان الكثير من التونسيين وخاصة صغار السن لا يعلمون مثل اخينا المقهور معنى هذه الكلمة بل ان اكثرهم لم يعودوا يسمعونها فضلا على ان يقولوها او يفهموها فهذه الكلمة من قاموس اهل النصف الأول من القرن الاخير الماضي الذي رحل بما فيه من جميل الكلمات وبديع العبارات ورفيع الأمثال وطرائف الجمل ومن هذه الكلمات التي كانت معروفة ومنتشرة ومشهورة في القرن الماضي كلمة (كازي) التي تجمع على (كوازي) ولئن كان البعض من التونسيين ما يزالون يتلفظون بها الى اليوم لكني متاكد انهم لا يعرفون اصلها ولا فصلها ولا تاريخها كمثل اخينا عبد الله المقهور وانني لانتهز هذه الفرصة السانحة في الصريح لأهديه شرح هذه الكلمة معتمدا في ذلك على السند الثابت الصحيح والذي لا اظن انه سيجده في موقع اخر غير صالون الصريح فقد سمعت امي رحمها الله ذات الثقافة التقليدية العميقة تحكي لنا ذات يوم بل ذات ليلة من الليالي الخالدة الجميلة المليحة فقالت وقد اقتربت منها اذاننا والى فمها نظرت ومالت (يحكى يا ابنائي ان شوشانة (وهو اسم قديم يطلق في بلادنا التونسية على المراة السوداء)قد كانت ليلة العيد تعد الحلوى لابنائها فهاج وتكاثرعليها الذباب فلما انزعجت وحارت في امره وتعبت من نشه وزجره فكرت في ان تذهب الى القاضي لتقدم به شكاية او شكوى فتريح نفسها من تعب حجزه ومنعه من افساد وتلاف الحلوى فلبست ثيابها واغلقت بابها واسرعت الى بيت القضاء فلما قابلت القاضي حدثته بشانها فضحك من امرها ثم ناولها دبوزا وهي عصا طويلة غليظة قوية وقال لها بلهجة حازمة جدية خذي هذه العصا واضربي بها بكل حرص واطناب من اقلقك وازعجك واتعبك من الذباب فاخذتها منها حامدة شاكرة وقامت لتخرج كما دخلت من الباب وبينما هي تستعد للخروج والذهاب اذ رات ذبابتين او ثلاثا من الذباب قد حطت عل وجه القاضي وهو يحاول بيده صرفها عن وجهه فما كان منها الا ان نزلت على وجهه بالعصا او الدبوز الذي ناولها اياه فسقط القاضي وقد كسى الدم وجهه وغطى محياه فقام الحاضرون ومسكوها من يدها لائمين ومعاتبين وقائلين مالك ايتها البلهاء اهكذا تضربين القاضي دون تعقل او تفكير اوحياء الم تعلمي ان ضربتك قد افقدته الروح وحرمته من حق الحياة؟ فنظرت اليهم وهي مندهشة من قولهم ورد فعلهم وقالت وماذا لو ان القاضي غادر الحياة اليس لكم قضاة غيره؟ الم تسمعوا قول الحكماء(مشى قاضي وجاء قاضي وهم كلهم قواضي) ولما كانت شوشانة من بر وبلد السودان كما كان يقول التونسيون من قديم الزمان فانها قد نطقت حرف الضاد كما ننطق نحن حرف الزاي فتكون الجملة حسب نطقها (مشى كازي وجا كازي وهم كلهم كوازي) فاصل كلمة الكازي اذا هي قصة وكلام شوشانة عن القاضي والقضاة ويكون جمعها كوازي ثم وبمرور الزمن تغير معنى الكلمة فاصبح يدل على كل شيء تافه مبتذل غير محترم باعتبار ان شوشانة قد اساءت الى القاضي ولم تحترم مكانته ولا علمه ولم تقدره حق قدره... ولكم تغير (بضم التاء) بعض التصرفات الطائشة معنى بعض الكلمات فتضعها او ترفعها في قاموس كلام الناس في خضم احداث هذه الحياة الم يقل علماء اللغة ان الكلمات كالكائنات الحية؟ اوليست الكائنات الحية متقلبة الاطوارو الاحوال؟ فمن كان يقول ان كلمة القاضي ذي المقام الرفيع ستصبح كلمة كازي ذات المعنى الحقير الوضيع؟ هذا ما يقوله تاريخ اللغة العامية التونسية يا اخي المقهور لا قهرك الله واعاننا جميعا على فهم كل كلام وكل فعل غامض وكل خفي وكل مغمور..