قال وزير الداخلية بالنيابة، ووزير العدل، غازي الجريبي بأنّه اكتشف أنّ ملايين الدينارات من الميزانيّة المرصودة لوزارة الداخليّة لشراء أسلحة وعربات مدرّعة وغيرها من الوسائل والمعدّات لتحسين جاهزيّة وحماية قوّات الأمن المتصدّية للإرهاب.. بقيت جامدة ولم تصرف منذ سنة 2015 .. ممّا تسبّب في أضرار ومآسي مثل التي حدثت يوم الأحد بمهاجمة الإرهابيّين لشاحنتين خفيفتين للحرس الوطني تعمل في مناطق خطرة.. عوض أن تكون الدوريّات في مثل تلك المناطق بعربات مصفّحة..!!! وقد أذن الوزير تبعا لذلك بفتح بحث في ملابسات الموضوع وأسبابه وتحديد المسؤوليّات.. الحقيقة انّ تقصير مسؤولي الحكومة، وكذلك مسؤولي وزارتي الداخليّة والدفاع أيضا، في تسليح أعوان الأمن والحرس وجنود الجيش.. هو أمر مثير للإستغراب والعجب والدهشة.. وللتساؤل..!!!!!!!!! ولَسْتَ في حاجة إلى أن تكون خبيرا أمنيّا عظيما (مثل الخبيرة الأمنيّة العظيمة بدرة قعلول مثلا) لتلاحظ بالعين المجرّدة ذلك النقص والتقصير الفادح.. انظر مثلا إلى دوريّات الأمن المنتشرة في بعض التقاطعات أو الطرق داخل وخارج المدن.. وفي البوّابات والحواجز الأمنيّة ليلا نهارا.. وستلاحظ أنّك غالبا إذا وجدت عوني أمن فإنّ أحدهما فقط يكون مسلّحا ببندقيّة أو رشّاش.. وإذا وجدت عدّة أعوان أمن ستجد نصفهم فقط أو ما يزيد قليلا هم من يمتلكون أسلحة بأيديهم.. فإذا سألتهم عن السبب في أنّ جميعهم لا يملك سلاحا بيده.. سيجيبونك (كما أجابوني مرارا ردّا على استفسارك لهم) بأنّه لا يتوفّر العدد الكافي من الأسلحة الناريّة ومن البنادق والرشّاشات ليمكن تجهيز جميع الأعوان في الدوريّات الأمنيّة بسلاح لكلّ واحد منهم في نفس الوقت.. يعني يفترض أنّه مادام إدارة الأمن المختصّة قرّرت إنزال أعوان أمن بالسلاح في مكان ما.. فهو يكون على أساس الإعتقاد بأنّ ذلك المكان خطر وبه تهديد إرهابي.. ويمكن أن يتعرّض المكان أو أعوان الأمن فيه إلى الهجوم.. فماذا سيفعل بضعة أعوان أمن برشّاش أو اثنين في مواجهة هجوم خاطف من قبل أربعة أو خمسة إرهابيّين مثلا مسلّحين جميعهم برشّاشات.. التوازن بين الطرفين سيكون مختلاّ في هذه الحالة.. وستكون الغلبة غالبا للمهاجمين.. - أمّا على مستوى القوّة الناريّة.. فلا يجب أن تكون خبيرا أمنيّا عظيما (مثل الخبيرة الأمنيّة العظيمة بدرة قعلول مثلا) لتعرف بأنّ أغلب الإرهابيّين في تونس.. كما في كلّ العالم.. هم مسلّحين أساسا برشّاشات من نوع "كلاشينكوف" الشهيرة الروسيّة الصنع.. وذلك لكونها الأرخص ثمنا.. والأقوى فاعليّة بين جميع الأسلحة المشابهة لها.. وهي تملك قدرة ناريّة كبيرة وكثيفة جدّا وسريعة ودقيقة وطويلة المدى.. وقد تمّ تنفيذ أغلب الهجومات الإرهابيّة في تونس بواسطتها ومن بينها هجومات في جبل الشعانبي وفي متحف باردو وفي شاطئ القنطاوي بسوسة وفي بن قردان.. مقابل ذلك فإنّ أغلب أسلحة الأمن التونسي هي من نوع "الشطاير".. أو ما شابهها.. وهي أقلّ فاعليّة وقوّة ناريّة من "الكلاشينكوف" ما في ذلك شكّ.. علاوة على هذا.. فإنّه ووفقا لمصادر أمنيّة مختلفة ومتطابقة.. فإنّ كميّة الذخيرة الاحتياطيّة المتوفّرة لدى قوّات الأمن التونسيّة في الدوريّات الأمنيّة.. تقلّ عادة عن كميّة الذخيرة الوافرة التي يتسلّح بها الإرهابيّون في هجوماتهم الغادرة.. ولسائل أن يسأل كم تكلّف 10 أو 20 ألف رشّاش بذخيرتها؟؟ هل ستكلّف مثلا 10 أو 20 أو حتّى 50 مليون دينار مثلا ؟؟ ماذا يعني هذه الرقم الذي يمكن تقسيمة على سنتين أو ثلاثة في ميزانيّة دولة كاملة تحارب الإرهاب وتبلغ مصروفاتها سنويّا أكثر من 30 مليار دينار (30000 مليون دينار)..؟؟؟ الجواب هو: لا شيء طبعا..!!!! أمّا إذا تحدّثنا عن الأسلحة الأخرى التي أصبحت بحوزة الإرهابيّين.. ويحصلون عليها بسهولة من السوق السوداء.. ومن مخازن أسلحة حكوميّة منهوبة في الحروب الأهليّة في ليبيا واليمن وسوريا والعراق وغيرها.. مثل الألغام والقنابل الموقوتة والرشّاشات الثقيلة وقاذفات الصواريخ الخفيفة والمضادّات للمدرّعات مثل "الآر بي جي" الذي يتّصف بفاعليّة ودقّة كبيرة مقارنة بثمنه.. ويمكنه تفجير العربات بمنتهى السهولة.. وقادر حتّى على اختراق بعض أنواع المدرّعات.. ويمكن الحصول عليه بيسر نسبيّا من السوق السوداء للأسلحة.. فإنّ ميزان القوى يميل للإرهابيّين على حساب قوى الأمن والحرس والجيش العاديّة.. من حيث القوّة الناريّة.. ولا أتحدّث هنا عن الفرق الخاصّة وفرق النخبة في الأمن والحرس والجيش التي تتمتّع بتسليح عال.. ولكنّها تخرج فقط في عمليّات نوعيّة ومهام محدّدة.. وليست هي التي تتواجد باستمرار في الشارع وفي بؤر الإرهاب الخطرة.. ولا في العمل الأمني اليومي.. أمّا بالنسبة للمدرّعات والأسلحة القويّة المناسبة.. فلو أرادت تونس أن تحصل على العدد الكافي والكمية الوافرة منها لأمكنها ذلك بطرق مختلفة.. سواء من الميزانيّة المرصودة بملايين الدينارات منذ سنة 2015 دون أن تصرف.. والحال أنّ أبنائنا في الجيش والحرس والأمن يسقط العشرات منهم ضحّية للإرهاب الوحشي سنويّا.. أو عبر تخصيص ميزانيّة محترمة وإن كانت ليست مشطّة للشراء من أسواق السلاح العالميّة المختلفة.. لكنّ الموضوع ليس أولويّة للحكومة ولا لوزراء الداخليّة والدفاع ولا لكبار القادة فيهما على ما يبدو.. وللعلم فقط فإنّ دولا مثل الصين وتركيا وغيرها.. عرضت على بلادنا مرارا أسلحة فاعلة ولكنّها رخيصة نسبيّا وبالمقارنة.. كما عرضت حتّى هبات ومساعدات عسكريّة مجانيّة في شكل تجهيزات ومعدّات أمنيّة وعسكريّة.. لكنّ لوبي تجارة الأسلحة داخل وخارج تونس.. ولوبي المصالح الأمريكيّة والفرنسيّة والأوروبيّة.. يقف بالمرصاد لمثل تلك المحاولات والمبادرات.. ولو على حساب المصلحة العليا للوطن.. والأمن القومي.. وحتّى ولو كان الثمن هو أرواح أبنائنا..!! هذا دون الحديث عن ما يدور في الكواليس من إمكانيّة تورّط شخصيّات نافذة قريبة من العائلة الحاكمة الجديدة.. وربّما هي أصلا من بين أعضائها.. في تجارة السلاح بتونس.. وفي صفقات الأسلحة التي جرت خلال السنوات الأخيرة.. ومحاولة هؤلاء احتكار صفقات الأسلحة لفائدة الجيش والأمن لأنفسهم دون غيرهم.. أو إيقافها ريثما يجدون طريقا للفوز بتلك الصفقات..!! في الأثناء يبقى رجال الأمن والحرس والجيش في تونس لقمة سائغة للإرهابيّين بفعل نذالة أو عمالة أو فشل أو لا مبالاة أو انتهازيّة أو أطماع بعض رجال الصفقات والحكومة والقادة المتنفّذين والسماسرة..!!!