ما لفت الانتباه وتحول الى حدث في الفترة الأخيرة هو تصريح وزير الصحة الذي قال فيه كونه لا يستطيع الكشف عن تفاصيل الفساد المتعلق بقطاع الأدوية من باب التحفظ. لكن اضافة الى هذا هناك مقول آخر قد يكون أكثر أهمية من هذا لأنه بطريقة غير مباشرة أحال كون ملف الفساد في قطاع الأدوية بات من أخطر الملفات التي تواجهها الدولة وما نقصده هنا هو قوله كون الحديث عن الفساد أسهل بكثير من مقاومته. بين هذا وذاك تم التركيز وتهويل قول عماد الحمامي كون من لا يجد دواء فعليه البحث عنه في الصيدليات . لو جمعنا كل هذا فإننا نخرج بنتيجة وهي أن قطاع الأدوية بات معضلة خطيرة تهدد الأمن القومي ككل باعتبار ان من أهم ركائزه هو الأمن القومي الصحي ككل والمتعلق بالأدوية والعلاج تحديدا. السؤال هنا: لماذا هذا النقص في الأدوية والذي وصل مستوى غير مسبوق؟ الاجابة لم تعد هي المشكل فأهم سبب - دون اهمال أخرى طبعا لكنها تبقى أقل وطئا - هو تفشي الفساد في هذا القطاع بداية مما حصل في الصيدلة المركزية ثم في توزيع الدواء ونقصد تحديدا تهريبه. في السابق كان الحديث عن التهريب متعلق بنوعيات معينه مثل أدوية المشاكل الجنسية على غرار حبوب "الفياغرا" وغيرها وأيضا أدوية الأعصاب التي قد تستخدم كمخدرات لكن اليوم انتقل الأمر الى الأدوية الحياتية أي أدوية الأمراض الخطيرة مثل السرطان عافانا وعافاكم الله وأمراض القلب وهي أدوية باهظة الثمن تستورد بمبالغ ضخمة من العملة الصعبة لكنها تتبخر أو على الأقل نسبة منها تتبخر من دون أن يعرف أين ذهبت لكن في الحقيقة هي سرقت وهربت الى خارج البلاد . هذا الأمر يحصل كون شبكات الفساد تعمد الى شراء هذه الأدوية من المستوى الأول من شبكة الفساد وهم المرتبطون مؤسساتيا بتوزيعه بأثمان تعتبر بخسة كونها أدوية مدعومة من الدولة ثم يقومون بتهريبها نحو الخارج لبيعها بأثمانها الحقيقية وأكثر ليكون الربح مضاعفا ثلاث وأربع مرات وحتى أكثر . منذ 2015 تمكنت فرق الديوانة من حجز كميات كبيرة من الأدوية كانت في طريقها للتهريب وهذه القضايا بالعشرات وتم توثيقها من قبل وزارة الداخلية ووزارة العدل لكنها بقيت مؤشرا كون الظاهرة انتشرت بشكل كبير لأن التعامل هنا مع ما كشف من عمليات ولا نعلم تلك التي لم تكشف أو تمت التغطية عليها. مما راج أيضا أن مهربي الأدوية أقاموا مستودعات خاصة في مناطق حدودية مثل بن قردان لتجميع الأدوية ثم توزيعها وفق آلية معينة أي أننا بتنا أمام عصابات منظمة . من هنا نعود لتصريحات وزير الصحة كون الفساد في قطاع الأدوية يتطلب واجب التحفظ لكن علينا أن نتساءل الى متى لأنه من حق الرأي العام أن يفهم ما يحصل .