لا شك ولا جدال ان الزعيم والقائد والرئيس الناجح في مقياس الناس اجمعين هو الذي يجعل شعبه يشعر بنخوة وعزة في انتمائه الى بلده في كل ان وفي كل حين مهما تمر بهم المحن ومهما تمر بهم المصاعب ومهما تحيط بهم الأزمات والمتاعب ولا شك ان العكس صحيح فالدول التي يتربى فيها شعبها على الخوف والمذلة والمسكنة و(التلحيس والترهدين) لا يعتبر رؤساؤها وقادتها من الناجحين ولا من المفلحين ولقد طافت بعقلي هذه المعاني بعد ان شاهدت منذ ايام قليلة حوارا تلفزيا في احدى القنوات الفضائية بين رجل تركي واخر امريكي في ما يتعلق بما نشب بين بلديهما اخيرا من خلافات سياسية ومما لفت انتباهي في هذا الحوار كلام ذلك التركي الذي يلفت ويشد الأسماع ويبهرالأنظار فقد قال هذا التركي لذلك الأمريكي ان امريكا مخطئة في حساباتها وفي قراراتها تجاه تركيا اذ تظن ان تركيا ستلبي رغباتها وتنصاع لطلباتها وكانها جزيرة من جزرها او مقاطعة من مقاطعاتها وتنسى ان تركيا بلد كبير عظيم له تاريخ شاسع طويل يمتد على عشرين قرنا بالتمام والكمال منها اربعة قرون او يزيد قد كانت فيها تركيا او الامبراطورية العثمانية تحكم شطر العالم بالشمال وباليمين حين لم تكن امريكا في ذلك الحين معروفة لدى الناس وليس لها عندهم اصل ولا فصل ولا اساس ولقد كان هذا التركي الفخور بانتمائه لبلاده يتكلم بابتسامة وهدوء وثقة وافتخار يبهر العقول ويشد الأبصار كما تذكرت ايضا في خضم هذا الحوار ما كان يقوله بورقيبة رحمه وغفر له الله للتونسيين اهل هذه الديارمنذ اعوام وسنين لقد كان يقول لهم باللسان العربي المبين انكم لم تكونوا تاريخيا شيئا مذكورا بل كنتم فقراء متشردين تافهين وكانكم هباء منثور او غبار وكثيرا ما كنت اعجب من كلام بورقيبة عند قراءتي لتاريخ هذه البلاد التونسية وخاصة عندما قرات وعلمت ان تونس كانت بلدا عظيما قويا منذ عهد قرطاج الى عهد العثمانيين فكيف يقول بورقيبة ان الشعب التونسي كان من الضعفاء وكان من المتخلفين ؟ وهل جهل او نسي بورقيبة ان تونس في عهد القائد والزعيم حنبعل غزت الامبراطورية الرومانية في عقر دارها وشغلتها في ليلها وفي نهارها ؟ وهل نسي بورقيبة ان الأمير المستنصر لدين الله الحفصي بلغ شانا عظيما حتى جاءته ذات يوم المبايعة بالخلافة من جميع البلدان الاسلامية لما كانت عليه تونس من قوة سياسية واقتصادية؟ وهل نسي بورقيبة ان جامع الزيتونة قد كان لقرون عديدة معلما دينيا علميا ياتيه الناس من جميع انحاء البلدان الاسلامية؟ فهل يصح وهل يليق بعد كل هذا ان يقول بورقيبة عن شعب تونس انه هباء وغبار يا اولي العقول ويا اولي الأبصار؟ من اجل هذا كله تربى الشعب التونسي في عهد بورقيبة والى اليوم على الذل والهوان وعلى احتقار انفسهم في كل مجال وفي كل ميدان امام الغرب وامام الأمريكان ولا اظن هذه عقدة الذل النفسية التونسية ستزول في وقت لاحق قريب اذ مازال فينا من يتبع فلسفة بورقيبة المبنية على تحقير وتهميش واذلال التونسيين في كل ان وفي كل حين وختاما اعود الى الصراع التركي الأمريكي لاقول انه مهما كانت نتيجة هذا الصراع فان الأتراك سيكونون فيه وبعده لا محالة مرفوعي الراس ومحفوظي الكرامة اعزة غير اذلة ولا مدحورين ولا صاغرين ولا محطمين اولم يقل حكماؤنا منذ القديم لمن يريد ان يحقق حاجة في نفسها وان يبلغها ويصيبها (عز نفسك تصيبها انت مولاها وانت طبيبها)؟ وان امريكا ستتورط في خلافها مع تركيا في مستنقع كبير عفن او في وحلة يعبر عنها التونسيون(بوحلة المنجل في القلة) ولا شك ان ترامب ومن ورائه الأمريكان سيخسرون المنجل وسيكسرون القلة اما من كان في شك مما اقوله مريب فاني اذكره بما قاله ذلك الشاعر الحكيم الاريب (وان غدا لناظره قريب)