لم يعد خافيا على أحد أن هناك اليوم معركة واضحة حول إقالة رئيس الحكومة يوسف الشاهد وهناك دعوات ملحة ومتواصلة لإنهاء مهامه على رأس السلطة التنفيذية وهناك سباق محموم في بعض الأحزاب وخاصة في الإتحاد العام التونسي للشغل على انهاء مهمته في الأيام القادمة ما يعني أن هناك طبخة تطبخ أو طبخت لغلق هذا الملف قبل عودته من الصين أين يحضر القمة الثالثة لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي .. ولكن السؤال المحير هو لماذا يراد للحكومة ورئيسها أن يرحلا ؟ ولماذا يصر الاتحاد وبعض الأحزاب على إنهاء مهام يوسف الشاهد ؟ .. المبرارات التي قدمت منذ اجتماع وثيقة قرطاج 2 هي أن هذه الحكومة التي يرأسها الشاهد قد فشلت في الكثير من الملفات وعلى رأسها الملف الاجتماعي ويحملونه مسؤولية الأزمة التي تعيشها الصناديق الاجتماعية وما حصل في الأيام الأخيرة من تأخر في صرف جراية المتقاعدين وكذلك ما حصل في قطاع الصحة وأزمة فقدان الدواء التي كادت أن تنتهي بكارثة صحية لولا تدارك الأمر مع المزودين الخواص وإسكاتهم بمنحهم تسبقة مالية من مستحقاتهم ريثما يحصلون على الباقي في آخر السنة وأزمة قطاع النقل والأخطاء الكثيرة التي ترتكب في هذا القطاع الحساس من دون أن يتدخل ويعالج المشاكل المتراكمة أضف إلى ذلك تواصل المديونية بضفة كبيرة إلى درجة أننا أصبحنا نتحدث عن عودة وضعية الكوميسيون الأوروبي التي عرفتها تونس في القرن التاسع عشر والتي كانت مقدمة للاستعمار الفرنسي وفي كلمة من يطالب اليوم ويجهد النفس لإقالة الشاهد يركز على الملف الاجتماعي والاقتصادي من غلاء الأسعار وتواصل الاحتكار وتراجع المقدرة الشرائية للمواطن وتراجع مخزون الدولة من العملة الصعبة مع تواصل ظاهرة التهريب والتجارة الموازية أو ما يسمى بالاقتصاد التحتي الذي وصل الى حدود 60 %. ولكن في المقابل فإن الشاهد وحكومته يردون على كل هذا الكلام ويقدمون أرقاما عن تحسن الحالة الاقتصادية للبلاد كتحسن وضع الاستثمار وتراجع نسبة التوريد والتحكم في الميزان التجاري مع ارتفاع نسبة من النمو من 0.5 % لتصل في الثلاثية الأخيرة من السنة الجارية إلى حدود 2.7 %مع التحكم في ظاهرة الفقر التي حافظت على نفس نسبتها القديمة وحصول تراجع طفيف في نسبة البطالة كل هذه المؤشرات تفيد حسب الشاهد أن هناك عمل كبير قد بذل لإعادة النمو إلى نسقه العادي وإرجاع الوضع الاقتصادي إلى حالته الاعتيادية وكل هذا لا يبرر إقالته أو رحيله. ولكن بين هذا وذاك فان الإشكال الكبير هو أن كل طرف متمسك بموقفه من دون الرغبة في القيام بتقييم علمي موضوعي لأداء حكومة يوسف الشاهد مما يعطي الانطباع إلى أن المسألة في حقيقتها معركة شخصية بين الشاهد وبعد الاعضاء في الاتحاد فالشاهد على ما يبدو لم يعد يرق للبعض و لم يعد يساعد البعض الآخر ولا يخدم مصالحه خاصة إذا علمنا أن الطرف المتمسك بشدة في إقالته بعد الاتحاد هو حزب نداء تونس الذي جاء به ورشحه ليكون رئيس حكومة واليوم نجده يطالب بشراسة برحيله من دون شروط ولا مقدمات. إن الموقف الموضوعي في كل هذا الصراع السياسي على الحكم وعلى من يمسك برأس السلطة التنفيذية يفرض القيام بتقييم موضوع لعمل الحكومة ولأداء القائم عليها وإطلاع الشعب بنتائج هذا التقييم حتى يكون على بينة وحتى يكون راضيا بالقرار الذي سوف يفرضه هذا التقييم لتجنب عملية التغفيل والاستبلاه التي عومل بها الشعب لما أقالوا رئيس الحكومة الأسبق السيد الحبيب الصيد بتلك الطريقة المهينة وجعلوه يخرج من الباب الصغير بعد أن قالوا عنه بأنه كفاءة وطنية خدمت البلاد وخبرة في كبيرة في الإدارة التونسية . ولكن بعيدا عن كل ذلك فإن المأزق الكبير اليوم هو أن من يطالب برحيل الشاهد لم يقدم بديلا عنه ولم يوضح لنا كيف ستدار الدولة والبلاد بعد إسقاط الحكومة خاصة إذاا علمنا أننا على مقربة من الانتخابات التشريعية المقبلة التي لم يعد يفصلنا عنها إلا بعض الأشهر بما يجعل من بقاء هذه الحكومة له ما يبرره وحتى لو ذهبنا في فرضية الإقالة و جئنا بشخصية أخرى وتم التوافق عليها وعلى أعضاء حكومته وهي مسألة قد تستغرق الكثير من الوقت فإن من سيتولى رئاسة الحكومة لن يقدم شيئا يذكر فيما تبقى من مدة ولن يستطيع أن يقدم الإضافة أو أن يكون أفضل من الشاهد لسبب بسيط وهو أن الظروف والإطار والمناخ والوضع العام الذي يتحرك فيه يوسف الشاهد وحكومته هو نفسه وبالتالي فإن نفس المقدمات سوف تؤدي إلى نفس النتائج وهذا يعني أن من سوف يخلفه لن يقدر على تغيير الكثير في السياسة المرسومة وهي مواصلة تطبيق برنامج صندوق النقد الدولي ومواصلة تنفيذ الإملاءات والشروط حتى يتواصل الدعم الخارجي لتونس .. من سيأتي خلفا للشاهد لن يستطيع وليس بمقدوره أن يفك الارتباط مع المؤسسات المالية العالمية وسوف يجد نفسه مجبرا على تنفيذ ما اتفق عليه الشاهد بخصوص المحاور الكبرى وهي إصلاح منظومة الدعم وإصلاح الصناديق الاجتماعية وإصلاح الوظيفة العمومية بالتقليص من عدد موظفيها والتوقف عن الانتدابات فيها وعدم الزيادة في أجورهم مع المواصلة في سياسة الاقتراض في إطار برنامج اتفقت عليه الحكومة مع صندوق النقد الدولى تحت مسمى " المراجعات الدورية في اطار تسهيل الصندوق المدد " . إن السؤال اليوم هو : هل فكرت نخبتها السياسية ونخلتنا النقابية ومن يتحكم في إدارة الشأن العام في الربح والخسارة التي ستتحقق للشعب الكريم من كل هذه المعركة حول رئيس الحكومة ؟ و هل تساءلنا عن مرحلة ما بعد الشاهد كيف ستكون ملامحها وكيف ستدار البلاد ؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد معركة شخصية هدفها رحيل الشهيد وكفى .