اخترت الكتابة هذا اليوم عن المرحوم الشيخ محمد النابلي المدرس من الطبقة الاولى بالزيتونة ومدير الخلدونية ومعهد ابن شرف بالحي الزيتوني اصيل طبلبة وقد عرفته واحتككت به وتشرفت بالمتتلمذ عليه في مادة الرياضيات التي اختص بتدريسها في المرحلة المتوسطة لتلامذة الزيتونة بعد تطوير التعليم فيها وجمعه بين علوم اللغة العربية والفقه واصوله والعلوم الصحيحة في بداية خمسينات القرن الماضي. كان من أسرة مرموقة في طبلبة اشتهرت بالعلم والمعرفة وتخرج منها القاضي والطبيب وعالم الاقتصاد مصطفى كامل النابلي الذي تولى التدريس في الجامعة التونسية وتولى الوزارة وعمل مديرا وخبيرا في البنك الدولي لسنين وما زال، وترشح لرئاسة الجمهورية أخيرا وفضل الانسحاب منها من الدورة الاولى لما تأكد من حظوظه فيها لأسباب أبقاها في نفسه ولم يرد ان يبديها إلينا. اما فيما يخص الشخصية التي اخترتها للترجمة والتعريف فقد كان من حظي ان عائلتي اختارته وليا لأمري في زمن دراستي الثانوية بالزيتونة في عاصمة تونس وذلك للقرب الذي يجمعها بتك العائلة الكريمة والتي نرتبط معها بالنسب وتجمعنا بها جذور واحدة في شخص الولي الصالح سيدي عبد العزيز بن عياش جدنا الأعلى الذي كنت تحدثت عنه في حلقة من حلقات هذه السلسلة التي خصصتها لرجال طبلبة. لقد وجدت فيه وقتها النصح والتعاطف وبقي ذلك دين علي دفعني للكتابة عنه هذه الترجمة المختصرة وبما عرفته عنه. كان مدرسا مرموقا من الطبقة الاولى في الزيتونية مختصا في تدريس الرياضيات باللغة العربية مع امثاله من الاساتذة المدرسيين ومنهم محمد السويسي والبشير قوشه رحمة الله عليهما وجازاهم خيرا.وكان ذلك قبل عودة البعثات الزيتونية التي اكملت دراستها في المشرق العربي من أمثال الاساتذة الأحياء زكريا بن مصطفي ومحمود الغالي واحمد الزغل والصادق العبيدي ومن توفاهم الله وعَبَد الكريم المراق واحمد قاسم ومحمد المقنم وَعَبَد السلام الملولي محي الدين عزوز وغيرهم ممن تخصصوا في تونس مثل العروسي المطوي والبشير العريبي على سبيل الذكر. لقد تطور التعليم الزيتوني بفضل هؤلاء الذين آمنوا بالإصلاح الذي أقره شيخ الزيتونة المتميز المرحوم محمد الطاهر بن عاشور قبل تجميد نشاطه لأسباب بقيت لي مجهولة، ولكن برنامجه ذلك أستمر وبفضله تخرجنا وأمكن لنا الانخراط في الجامعة التونسية وساهمنا كل حسب تخصصه في بناء تونس الجديدة. لم يقتصر دور المعني بالكلام على التدريس بل جمع معه ادارة الخلدونية التي كان يترأس جمعيتها الشيخ محمد الفاضل بن عاشور ذلك العالم الجليل الذي درسنا التشريع الإسلامي في مدرسة الحقوق العليا وتولى الإفتاء والقضاء والتدريس، وكان من حظي تتبع الدروس التي كانت تعطى في الخلدونية واخترت اللغة الإنجليزية ولكنني لم استمر فيها ونسيتها لقلة استعمالها في تونس. اما الميدان الذي برز فيه صاحبنا بعد استقلال تونس توليه لإدارة الحي الزيتوني وتحويله من مبيت للزيتونيين الى معهد ثانوي متكامل تدرّس فيه كل المواد ويقيم فيه من لم يكن لهم مقاما بالعاصمة بمقابل لتقضى شؤونهم كلها من الاكل والمبيت ومراجعة الدروس فيه، وكنت وقتها في أواخر سنوات التعليم الثانوي والعالي قيما فيه أجمع بين الدراسة ورعاية التلامذة في أوقات المراجعة والاكل والمبيت ورأت النظام الذي كان عليه وتخرج من ذلك المعهد الذي بات يسمى بمعهد ابن شرف مخصصا لشعبة( أ) بعد إصلاح التعليم وتوحيده عدد من خيرة اطارات تونس واظن انه تحول اخيرا الى معهد للتعليم العالي. اما على المستوى المحلي وفِي طبلبة بالذات فقد تولى الإشراف على اوقاف الولي الصالح سيدي عبد العزيز بن عياش المتعددة والكثيرة وقام بإصلاحها واقتناء مبيتا خاصا بتونس العاصمة لأحفاده يقيمون فيه بدون مقابل وهو ما مكن العديد منهم من مواصلة التعليم زمن الحماية، كما خصص لكل احفاد ذلك الولي منحة شهرية بألف فرنك تصرف لهم بانتظام وكنت فيهم اذ تمتعت بها اضافة لما كانت تمدني به عائلتي في تلك الظروف الصعبة. لقد كان الشيخ محمد النابلي قامة من قامات تونس وخاصة طبلبة التي تعلم فيها في الابتدائي قبل ان ينال الدرجات العليا في الزيتونة ويدرس فيها ويتولى امامة جامع باريس لمدة والإشراف على اوقاف الزاوية العياشية لسنين وادارة الخلدونية والحي الزيتوني الذي تحول في وقته الى معهد ابن شرف للتعليم الثانوي وترك له مريدين وأحبة وكنت منهم رأيت من واجبي الترحم عليه والتذكير به لمن يريد التذكر.