الوجه الأخر لجريمة إغتيال الزميل الكبير جمال خاشقجي هو اكتشاف الرأي العام العالمي بما لا يدع مجالا للشك للأيدي الملطخة بدم الأبرياء و بالمقابل للأيدي البيضاء البريئة التي تقاوم الإرهاب وهو ليس إكتشافا في واقع الأمر بل جاء تأكيدا جديدا لحقيقة معلومة لكن مع الأسف أتاحتها عملية بشعة وراءها مأساة مروعة مهما كانت نتائج البحث فيها راح ضحيتها مثقف وطني أصيل عربي سعودي ذو قامة شماء و قلم حر ذاع صيته في العالم كصاحب فكر و اعتدال لم يعرفه العرب و الأمريكان كمعارض للنظام السعودي بل كان دائما يحرص على تقديم نفسه في الفضائيات كمثقف يتمسك بحريته و يحترم الأسرة الحاكمة في بلاده و من هنا نفهم فداحة الإغتيال الأثيم و عبثية الجريمة النكراء! حين يتحول الإغتيال الى إرهاب دولة أو في أقل الإحتمالات سوءا إرهابا تسمح به الدولة أو تتغاضى عن محاسبة مقترفيه (سوف تظهر الحقيقة و يتجلى النور و ينكشف المستور) . نعم يكتشف العالم اليوم وهو مندهش مصعوق من خلال هذه الفاجعة المزلزلة أن الحجة التي رفعها الذين حاصروا دولة قطر كيدا و بهتانا هي إدعاؤهم بأن قطر تدعم الإرهاب و تأوي الإرهابيين وفي مقدمة هذه الدول الأربعة المملكة السعودية التي علت أصواتها منذ 500 يوما بالتهم الملفقة لقطر بكونها "دولة تمارس الإرهاب" فأفاق العالم يوم 2 أكتوبر مندهشا من شدة الصدمة قائلا بصوت واحد في القارات الخمسة (يا للهول !) وهو لا يكاد يصدق أن سلطة رسمية عربية أو بعض مشتقاتها يمكن أن تقتل رجلا فاضلا كاتبا مفكرا و تقطع أوصاله في مجزرة بشرية مقززة أو لعلها أذابته في خليط كيميائي أو ربما رحلت الضحية قسرا في حقيبة دبلوماسية (كل الإحتمالات واردة ما دمنا لم نعرف الحقائق و تسلسل الأحداث !!) إستيقظ الرأي العام العالمي يوم 2 أكتوبرعلى كابوس مفزع يخجل المرء حتى أن يحكيه لزوجته و بنيه و أهله و ذويه ! فكيف و بأية لغة نقص على عيالنا و أهلنا ما شاع الى اليوم من مصائب تذكرنا بعصر المغول و التتار و بأنظمة القمع العربية في الستينات و الجرائم الإستعمارية في الجزائر و في تونس و عصر محاكم التفتيش الأسبانية !! بل يكتشف العالم اليوم أن قطر المتهمة بالإرهاب هي ضحية الإرهاب وهي التي تخطط أمنيا و علميا واقتصاديا و تربويا و دبلوماسيا لمقاومته و إجتثاثه بمشاريع حضارية عملاقة مثل التي أعلن عنها صاحب السمو الأمير على منبر الجمعية العامة مثل الشروع في إتاحة التعليم والتمدرس لعشرة ملايين من أطفال العالم محرومين بسبب بؤر التوتر و العنف والحروب و مثل إنشاء الصندوق العالمي للقضاء على الكوليرا و مثل الدعوة لإنشاء تحالف اقليمي و دولي ضد الإرهاب و بذلك تنقذ قطر بإرادة قيادتها هذه الملايين من مخاطر الإنخراط في الإرهاب ثم إن قطر هي التي أعادت إعمار قطاع غزة بعد أن دمرته طائرات الإرهاب الاسرائيلي و ساهمت في تأسيس بنيته التحتية و مستشفياته و مدارسه و مفاعلاته الكهربائية و شاركت في تشييد مساكن للعائلات الغزاوية المشردة وهي أعمال جليلة توجها صاحب السمو الشيخ حمد بكسر الحصار المضروب على غزة و أدى لها زيارة تاريخية ظلت حاضرة في ذاكرة الشعب الفلسطيني كما أن قطر هي التي أعادت إعمار جنوبلبنان إثر تحريره و بعد ما ناله من تدمير المحتلين هل هذا يسمى إرهابا أو يسمى مقاومة ميدانية للإرهاب و العدوان ؟ ثم إن المواقف القطرية الثابتة و الصادقة نحو الشعب الفلسطيني وتمسكها كما قال سمو الأمير بالثوابت الأخلاقية و المبادئ الانسانية العربية الإسلامية تؤكد أن قطر ليس لها وجهان في السياسة الخارجية بل لها دبلوماسية قيم لا دبلوماسية الحرباء وقطر لا تريد إرضاء أحد سوى الله تعالى و سوى مصالح الأمة لا تتلون مع الصفقات المشبوهة فتوصم بالإرهاب مناضلين شرفاء يدافعون عن استقلال بلادهم و كرامة شعبهم وهو حقهم الموكول لهم بميثاق الأممالمتحدة ليس فيه مقايضة و لا مساومة. الحمد لله رب العالمين أن نصر الحق كما بشر سبحانه الصابرين فاكتشف العالم برمته من هو الإرهابي ومن هو ضحية الإرهاب و من هو حامل معول التخريب و من هو الذي يؤسس سياسته على التقوى و الصلاح و السلام ثم إن الحقيقة الخالدة في القرأن المجيد هي انتصار الحق على الباطل و من تلك الآيات التي تقرر هذه الحقيقة قوله تعالى: ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق (الإسراء:56)، وقوله عز وجل: ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم (محمد:3)، فهذه الآيات تبين حقيقة مسار التاريخ، وأنه صراع بين الحق والباطل و بين الخير والشر.