تنعقد هذه الأيام في نيويرك الجمعية العامة لمنظمة الأممالمتحدة في دورتها الثالثة والسبعين بحضور صاحب السمو أمير قطر و للعبرة نسجل أنه منذ الدورة الثانية والسبعين في سبتمبر 2017 مرعام صعب اضطرت فيه الجمعية العامة الى معالجة أزمات جديدة واقتراح حلول جديدة لم تكن مطروحة منذ عام فالعلاقات الدولية مجال متحول و متغير باستمرار بل يكاد العالم يعيش الأحداث الطارئة يوميا لا سنويا بالنظر إلى تسارع المحن وتدافع المصالح و تعملق الأمم و المشاكل الأمريكية الداخلية و تعاقب أخطاء دول الحصار مما ضاعف بؤر التوتر و العنف و أبعد بصيص الأمل في سلام عادل و عودة الوعي للشعوب بأن مصيرها واحد و أمنها مشترك. في المجالس الخليجية و المحافل الدبلوماسية والندوات الستراتيجية العالمية نتعرض أنا وأنتم و كل من يعيش في إقليم الخليج إلى حرج و حيرة حين يفاجأنا صديق بطرح سؤال أصبح تقليديا وهو يلقى بصيغ مختلفة لكن بذات المضمون يوجز في ثلاث كلمات هي (خليجنا إلى أين ؟) لأننا نتجاوز اليوم حاجز 500 يوما من حصار جائر مضروب على دولة مسالمة و مستقلة و ذات سيادة و صاعدة حتى أن المتشائمين أو الواقعيين لا يرون ضوءا في أخر النفق ! أما الذين فطرهم الله على الإيمان بأن الحق لا بد أن يبز الباطل و أن الخير لا بد أن يهزم الشر فالجواب لديهم واضح وهو أن الخليج يعبر نهرا خطيرا من الأزمات نتيجة سوء التقدير ليس لدى دول بل لدى أشخاص بعينهم يفتقدون التجربة و الخبرة فقرروا في غفلة من ضمائرهم و من شعوبهم أن يعتدوا على شقيقة جارة و تواصوا بما تعلمون من تحبطات و لكن غاب عنهم ربما أن الخمسمائة يوما من الحصار كانت مشحونة بحقائق و مؤشرات لا تخطأها العين فاليوم ليس العالم كما كان يوم الخامس من يوينيه 2017 و إليكم جردا في التحولات الجيوستراتيجية الطارئة على المنطقة و على العلاقات الدولية خلال ال500 يوما بلياليها : 1) شهد الرأي العام العالمي كيف تفاقمت الإدانات الصادرة عن دول و عن منظمات أممية لممارسات دول الحصار الأربعة دون استثناء للتنديد إما بما يبلغ جرائم حرب أو بما صارت عليه وضعية حقوق الإنسان في مجتمعاتهم و ما وصل اليه القضاء من خرق للقانون و استخفاف بالقيم العالمية الإنسانية المتفق عليها بالإجماع أو بعمليات القرصنة الألكترونية المدانة فالملفات تراكمت أمام مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان في (جنيف) و حتى أمام قضاة محكمة العدل الدولية في (لاهاي) لمحاسبة المورطين 2) بالمقابل شهد الرأي العام تعاقب بيانات التقدير والإشادة بالمستوى العالي الذي حافظت عليه دولة قطر من خلال توجيهات سامية من صاحب السمو أميرها مرورا بقنوات الدبلوماسية إلى المواقف القطرية الثابتة و الجريئة من قضية العرب الأولى فلسطين في نطاق ما اعترفت به للشعب الفلسطيني منظمة الأممالمتحدة من تمسك بحل الدولتين و مشروعية المقاومة للإحتلال و تشبث قطر بوحدة مجلس التعاون و إعادة تفعيل استقرار المنطقة بينما انخرطت بعض الدبلوماسيات الأخرى في مشاريع أقل ما يقال فيها أنها مناقضة لمصالح العرب و المسلمين مهددة لأمنهم و للسلام الإقليمي بينما تسعى دولة قطر إلى لم الشمل و تضميد الجراح مما جلب لها إحترام المجتمع الدولي. 3) يلاحظ المراقبون النزهاء بأن بعض الدول الخليجية و العربية إنخرطت في تدخلات عسكرية مرتجلة و غير مأمونة العواقب في بقاع بعيدة عنها جغرافيا و تورطت في خيارات تتناقض مع سيادة الدول و مصالح الشعوب و نتجت عنها خروقات و ردود فعل أخرها العدوان الإرهابي على منصة العرض العسكري بالأحواز و الشبهات التي تحوم حول مموليها و حماتها و المحرضين عليها و كذلك التلاعب بمصير ليبيا في حين اعتمدت دولة قطر بحكمة عدم التورط في صراعات إيديولوجية لا تعنيها بل إن الدبلوماسية القطرية تأسست على تقريب الشقة بين الخصوم و المتصارعين هنا و هناك و حرصت منذ سنوات على جمعهم و تأليف قلوبهم في الدوحة و يذكر الناس كم من حرب أهلية تم إطفاء فتيلها في الدوحة و كم من تناحر طال أمده إنتهى بعناق و وفاق في الدوحة بين سودانيين و يمنيين وفلسطينيين و لبنانيين مما رسخ في أذهان العرب كعلامة مضيئة من علامات السلام والأمن و مقاومة الإرهاب و دعم خيارات الشعوب و استقلالها.