هو إبراهيم بن عبد القادر ابن إبراهيم الرياحي ولد بتستور عام 1180 ه/ 1767م تتلمذ بالجامع الأعظم بمدينة تونس لدى الفقهاء وبالخصوص لعمر المحجوب وإسماعيل التميمي صاحبي الردّ على الوهابية. وممّا يذكره المؤرخون ويضعوه في حساب مترجمنا أنّه لمّا قرّر الباي حمودة باشا الحسيني عام 1806 م توليته القضاء، امتنع صاحبنا لأنّ أستاذه التميمي ما زال على قيد الحياة عملا بالمثل الشائع: " أيفتى ومالك في المدينة؟ ". ولقد نأى الشيخ إبراهيم بنفسه إلى زاوية سيدي علي عزوز بزغوان في انتظار ما يجود عليه الزمان. كان بحسب الأستاذين محمد اليعلاوي وحمادي الساحلي اللذين حقّقا ديوان الشيخ الصادر عن دار الغرب الإسلامي ببيروت لصاحبها الحبيب اللّمسي " يتميّز بقوّة الحافظة وحدّة الذكاء وحضور البديهة ". ومن أجل ذلك استنجبه الوزير ذائع الصيت يوسف صاحب الطابع للتدريس بجامعه بالحلفاوين. يقول الدكتور أحمد الطويلي في كتابه " الضوء المبين في التعريف بأولياء تونس الصالحين": اعتنى به صاحب الطابع فأهدى له دارا مجهّزة بكامل المرافق وتكفّل بنفقات زواجه" بعد أن كان يقطن بمدرسة حوانت عاشور ثمّ مدرسة بئر الأحجار. بقي إلى جانب كلّ ذلك مدرّسا بجامع الزيتونة في عهد حمودة باشا (1782 1814م) الذي استغلّ قدرات الرجل على الإقناع والمحاججة فأوفده سنة 1804 م في مهمة سياسية بالأساس إلى فاس لدى سلطان المغرب سليمان. عندما ارتقى الباي حسين إلى دفّة الحكم (1824-1835م) عيّنه مفتيا أوّل للمذهب المالكي مع إسناده لقب رئيس أهل الشورى. ثمّ ارتقى بعد ذلك عند بداية حكم الباي أحمد الأوّل (1837-1855م) إلى خطّة الإمامة الكبرى لجامع الزيتونة. ولقد ذهب هذا الباي مذهب سلفه حمودة فأرسل الشيخ إبراهيم في سنة 1838م إلى اسطنبول لدى السلطان العثماني محمود. في سنة 1836م أدّى فريضة الحج نيابة عن الباي مصطفى (1835م-1837م) بعد أن كان حجّ من قبل في سنة 1823م. ولقد كان عند وقوفه عند قبر الرسول الأعظم يدعو بحسب مترجمه محمد السنوسي " طلبت عليك يا ربّ دوام رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بلا شكّ ولا تلبيس". ولقد نظم الرياحي شعرا غزيرا في أغراض عديدة ذكر بعضها السنوسي في " مجمع الدواوين التونسية" وتمّ جمعها بالخصوص عمر الرياحي في كتاب " تعطير النواحي بترجمة سيدي إبراهيم الرياحي " الذي تمّ نشره عام 1902م. يقول السنوسي عنه: " أمّا شعره الرائق ونظامه الفائق فأحصيت منه خمس كراريس حوت نحو الألفين من أبياته الفاخرة". ويقول محمد اليعلاوي: " في شعر الرياحي نفحات عاطفية صادقة مؤثرة خصوصا في الابتهالات إلى الله والتوسّل إلى النبي". وفي تعطير النواحي تآليف عدّة وأشهرها قصّة المولد النبوي وكانت تنشد في كلّ مولد إلى جانب الخطب الجمعية التي ألقاها الرياحي طوال مدّة اعتلائه المنبر. يقول أحمد الحمروني الذي خصّ الرياحي بدراسة صدرت عام 1996 عن دار ميديا كوم: " بلغ المنشور من شعره 2020 بيتا من البيت اليتيم إلى القصيدة ذات 85 بيتا إلى المنظومة النحوية ذات 188 بيتا موزّعة على أغراض متنوعة أهمّها التوسّل والرثاء، وكانت أكثر مراثيه في شيوخه وأصحابه وأصدقها في ابنه محمد الطيب الذي توفي سنة 1850 بوباء الكوليرا." للرياحي تآليف أخرى في مجالات التفسير والفقه ولقد أتى عليها الحمروني في هاته الدراسة وله بالخصوص إشعاع روحي في مدينة تونس وفي الآفاق بفضل ريادته لأحدى الطرق الصوفية: التجانية. ولقد سبق للرياحي أن اتصل بالحاضرة بممثل صاحب الطريقة أحمد التجاني قبل أن يلتقي بالقطب في مقرّه بمدينة فاس ولمّا عاد إلى تونس قام الرياحي بتأسيس الزاوية التي تحمل اسمه قبالة منزله بحومة نهج الباشا. وأحمد التجاني المولود سنة 1150 ه بعين ماضي في المغرب الأقصى هو عالم تجرّد للزهد وللعبادة تحوّل إلى الصحراء حيث أقام خمس سنوات ثمّ توجّه نحو مكة لأداء فريضة الحج وفي طريقه زار تونس ثمّ سوسة. وقد أفرده إبراهيم الرياحي بمؤلف اختار له من الأسماء " مبرد الصوارم والأسنّة في الردّ على من أخرج سيدي أحمد التجاني من السنّة". يقول محمد بن عثمان الحشايشي في كتابه " الهوية في العادات التونسية" كان والدي تغمّده الله أوّل من أخذ هاته الطريقة عن الشيخ سيدي إبراهيم الرياحي بركة هذا القطر وعالمه"، ويواصل : " لمريدي الطريقة أعمال خاصّة كيفيتها أنهم يجلسون قعودا ويضربون على قصاع بمطارق أو بكفوفهم وينشدون أمداحا في حق الشيخ بالكلام". ولقد وجدت هاته الطريقة طريقا لها في قلوب المسلمين في بلاد ما وراء الصحراء. توفي إبراهيم الرياحي على غرار ابنه الطيب بداء الكوليرا يوم 27 رمضان 1266 ه/ 7أوت 1850م ودفن بزاوية تعهدها أحمد باي عام 1854م ثمّ وقع تجديدها ثمّ عهد الصادق باي سنة 1878 إذ تولى الوزير خير الدين جلب عملة من الغرب لغاية زخرفة قيمها بالنقش حديدة وهو ما أهّلها أن تكون درّة من درر مدينة تونس المحروسة. يقول أحمد بن أبي الضياف في " الإتحاف " ج 7 بعدما ذكّر بتسابق الملوك على " تعظيم قدر الرياحي وإظهار فخره" : " أخلّ بوفاته للعلم كوكب ثاقب ووريت بمواراته العلوم والمناقب، وانقطع عن البلاد مزنه وعمّها الحزن" .