الزلزال المدوي الذي عصف بالعالم يوم 2 أكتوبر سوف يظل حاضرا في ذاكرة الأجيال يدرسه طلاب القانون في الجامعات و تتضمنه الكتب المدرسية و تضرب به الأمثال لسبب بسيط وهو أنه حدث جلل غير مسبوق في التاريخ الحديث بل و لن تجد له مثيلا منذ أن تشكلت العلاقات الدبلوماسية بين الدول على أساس مبادئ ثابتة لأن العالم اكتشف أن المبعوثين للتفاوض مهددون بالاعدام و السجون من قبل ملوك لا عهد لهم ففي عديد الأزمات بين الدول يفاجأ المبعوث عند وصوله للتفاوض بالقبض عليه و احتجازه رهينة أو أن الملك أمر بقتله و إرسال رأسه إلى باعثه ترهيبا! ففكرت الدول في اتفاقية مقننة تضع المبعوثين الدبلوماسيين في مأمن من الضرر و الحيف و العدوان بواسطة حصانة متفق عليها منذ سنة 1815 (تاريخ أول معاهدة وقعتها سبع دول في مدينة فيانا) أما ما حدث في قنصلية السعودية في اسطنبول يوم 2 أكتوبر فلا سابقة له على الإطلاق إلا عندما تفتش في كتب التاريخ الأسود للدكتاتوريات العاتية و الأنظمة المجنونة حين كان الملك يغضب ويتملكه حب الإنتقام فيأمر جلاديه بقطع رأس السفيرثم إرساله في كيس الى باعثه صاحب المملكة الخصمة ! لكن الذي وقع في مكتب القنصل العتيبي (مسيلمة الكذاب) هو سيناريو مشابه و تكرار لوحشية بعض المستبدين القدامى قبل أن تتنظم العلاقات الدولية على أسس الحصانة مع فارق كبير وهو أن الضحية ليس مبعوثا من ملك و لا مقاتلا في جبهة بل رجل فكر معتدل و قلم حر و ثقافة عالية يعتبر رجل القصر منذ زمن بعيد يكن احتراما معلنا للأسرة الحاكمة و لم يخرج عن عقلية المواطنة المسؤولة لكنه يتمسك بحرية فكره و شعر وهو على حق بأن بلوغ ولي العهد الجديد محمد بن سلمان ولاية العهد شكل منعرجا خطيرا في نظام الحكم السعودي بالنظر الى ما لاحظه العالم بأسره من تهور (كما نعته وزير خارجية ألمانيا حرفيا) و أحس جمال خاشقجي أن قلمه مقيد و كلماته مشبوهة و مأولة فأثر البعد عن المملكة و ممارسة حقه الطبيعي في التعبير دون أن يتطرف أو يعلن العصيان أو يدعو إلى انقلاب ! و كما توقع العالم أدت مظالم ولي العهد إلى تفكك الأسرة السعودية و إعلان بهارج العلمانية المغشوشة و تغير كامل في نظرة العالم للمملكة و الى انهيار و دمار أصاب الخليج من جراء حرب اليمن و حصار قطر و حجز رئيس وزراء لبنان و إطلاق يد الامارات للتدخل السافر و اللئيم في شؤون دول عربية و غير عربية و انعدم الأمن في المجتمع السعودي و خرست فيه ألسنة التهليل و التكبير بعد مأساة القتل و غاب العدل لأن العدل هو أساس العمران و ما عداه فهي طبائع الإستبداد كما قال عبد الرحمن الكواكبي. مقر دبلوماسي يتمتع بالحصانة المضمونة منذ سنة 1961 بفضل بنود إتفاقية فيانا للتنظيمات الدبلوماسية و العلاقات الدولية يتحول إلى مسلخ بشري و لم تعد تنطلي الأكاذيب السعودية و الألاعيب الرسمية على الرأي العام الدولي لأن الحقيقة الساطعة القوية ترسخت اليوم في وجدان كل الناس وهي أن الجريمة المروعة من المستحيل أن يقترفها فريق رسمي متعدد التخصصات دون تكليف رسمي حل أعضاؤه باسطنبول قبل ساعات و قام الفريق الثلاثي قبل الجريمة بساعات بإعداد مسرح الجريمة من قتل بالخنق الى تقطيع الجثة ثم الى ما سماه النائب العام التركي التخلص من الجثة (بالتذويب حسب أرجح الإحتمالات بالحامض الأسيدي ...!) ثم إلقاء ما تبقى من رمادها إما في بئر القنصل أو في غابة بلغراد في ضواحي اسطنبول عافانا و عافاكم الله يا قرائي الأعزاء و جملكم بالصبر و التحمل أمام هذه المشاهد المرعبة الفظيعة ! إننا نعيش الجولة الأخيرة من الظلم و للحق جولات فقد كان صرحا من أوهام العظمة فهوى و سكت المطبلون المهرجون عن الكلام المباح حين طلع الصباح فأين نعيق بعض المرتزقة المصريين و الإماراتيين و السعوديين أمام هول الكارثة و الغريب أنه لم يبق لهؤلاء إلا قناة الجزيرة حسب مبدإ الرأي و الرأي الأخر فظللنا نسمع إلى معلق عراقي مسكين اسمه الجبوري يردد منذ شهر شعار (لننتظر نتائج التحقيق !!) كما إلى بعض المغردين السعوديين يرددون (إنها مؤامرة قطرية تركية ....على بن سلمان!!) نحن اليوم على مشارف فجر جديد يهل مع الأسف بمأساة اغتيال جمال خاشقجي على الخليج فلعل حرب اليمن الطويلة تنتهي و ينتهي الحصار الجائر المضروب على قطر ثم يعود الوئام و يرجع الأمن لمنطقة الخليج العربي بعد أن يتولى السعوديون بأيديهم تغيير المنكر الطارئ حيث لا مناص من التغيير بعد ثبوت الخطيئة و حتمية القصاص.