ارتفاع صادرات تونس من زيت الزيتون    محللون.. بيان قمة الدوحة وضع الدول المطبعة أمام التزامات أخلاقية يصعب تجاهلها    همسات من قوافي الوطن...إصدار جديد للمربي توفيق الجباري    الكوتش وليد زليلة يكتب...حتى تكون العودة المدرسية رحلة آمنة لا صدمة صامتة؟    خواطر من وحى العودة المدرسية .. تخفيف البرامج والمواد واللوازم المدرسية وملاءمة الزمن المدرسي مع المحيط والبيئة    سيدي بوزيد ..أكثر من 400 مؤسسة تستقبل 105 آلاف تلميذ    وزارة الصحّة تحذّر من خطر استهلاك الأغذية المعلّبة على الصحّة العامّة..    السفن تتجمّع في المياه الإقليمية استعدادا للانطلاق: أسطول الصمود يبدأ رحلة التحدّي    طقس الليلة    بعد الاحتفاظ بمنفذ السطو على بنك ببومهل...بنوك بلا حراسة ولا كاميرات رغم السرقات ؟    النواب يحتجون    موعد معرض سوسة الدولي    عميد المحامين: ليست للهيئة حسابات سياسية    انطلاق المخطط الوطني للتكوين حول الجلطة الدماغية (AVC)    القمة العربية والإسلامية الطارئة بالدوحة: تونس تحث على توحيد الصفوف وتكثيف التعاون والتضامن العربي الإسلامي    عاجل/ السفينة التونسية "هند رجب" تغادر ميناء قمرت بإتّجاه غزّة (فيديو)    قيس سعيّد: التعليم حقّ مقدّس لا يخضع للإملاءات    وزارة التجارة: الانطلاق في تنفيذ برنامج خصوصي للمراقبة المشتركة عبر الطرقات    تونس تعزز حضورها في السوق السياحية الصينية مع تزايد إقبال السياح الصينيين على الوجهة التونسية    عاجل: تعرّف على العطل المدرسية للثلاثي الأول    وداع المدرسة: كيفاش نخليوا أولادنا يبداو نهارهم دون خوف؟    محرز الغنوشي:''ليلة تسكت فيها المكيفات''    عاجل: وزارة الداخلية توقف أبرز المضاربين وتحرر محاضر عدلية..شنيا لحكاية؟!    تونس/اليابان: جناح تونس ب"إكسبو 2025 أوساكا"يستقبل أكثر من 500 ألف زائر    عاجل: الرابطة المحترفة الأولى تعلن تغيير مواعيد المباريات...شوف كيفاش    رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم معز الناصري رئيسا للجنة الاستئناف بالاتحاد العربي لكرة القدم    إنتقالات: مهاجم جديد في طريقه لتعزيز صفوف الترجي الرياضي    كافة أسلاك التربية ينفذون الاربعاء 17 سبتمبر 2025 وقفة احتجاجية بساعتين داخل المؤسسات التربوية وأمام المندوبيات الجهوية    عاجل : وزارة التربية تعلن عن خطة جديدة بالشراكة مع وزارة الداخلية    عاجل و مهم : ابتكار طبي جديد لعلاج الكسور في 3 دقائق    في بالك تفاحة وحدة في النهار.. تقوي قلبك وتنظّم وزنك!    بطولة العالم لألعاب القوى: مروى بوزياني تبلغ نهائي سباق 3000 متر موانع    كأس إفريقيا للأمم لكرة اليد أكابر: المنتخب الوطني في تربص اعدادي بقرمبالية من 15 الى 19 سبتمبر    مهندسون تونسيون يطورون جهازا للتحليل الطبي عن بعد    شركة نقل تونس توفّر 140 حافلة و68 عربة بالشبكة الحديدية بمناسبة العودة المدرسية..    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب البحر الأبيض المتوسط قبالة السواحل المالطية    الرابطة الثانية: تعديل في برنامج مواجهات الجولة الإفتتاحية    اعتقال مديرة مكتب وزيرة إسرائيلية في فضيحة فساد ومخدرات    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك تطلب الحكومة بسحب تراخيص العلامات التجارية الداعمة للكيان الصهيوني.. #خبر_عاجل    تونس تحرز ميدالية فضية في البطولة العربية للمنتخبات لكرة الطاولة    عاجل/ وفاة عامل وإصابة آخريْن في حادث بمصنع في هذه الجهة..وهذه التفاصيل..    كفاش تتعامل العائلة مع نفسية التلميذ في أول يوم دراسة؟    البطولة الإسبانية : برشلونة يفوز على فالنسيا 6-صفر    عاجل/ الكشف عن الأسرار المظلمة.. من وراء اغتيال الناشط الأمريكي "شارلي كيرك"؟    سوسة: تسجيل 14 مخالفة خلال عملية مراقبة اقتصادية مشتركة    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    من حريق الأقصى إلى هجوم الدوحة.. تساؤلات حول جدوى القمم الإسلامية الطارئة    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    اختتام الأسبوع الأول من مهرجان سينما جات بطبرقة    تونس ضيفة شرف الدورة الثانية من مهرجان بغداد السينمائي الدولي من 15 إلى 21 سبتمبر 2025    مدنين: غدا افتتاح السنة التكوينية الجديدة بمعهد التكوين في مهن السياحة بجربة ببعث اختصاص جديد في وكالات الاسفار وفضاء للمرطبات والخبازة    ارتفاع طفيف في الحرارة يوم الأحد والبحر قليل الاضطراب    من قياس الأثر إلى صنع القرار: ورشة عمل حول تنفيذ مؤشرات الثقافة 2030 لليونسكو    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    وزارة الصحة تطلق خطة وطنية للتكفل بمرضى الجلطة الدماغية    وزارة الصحة تحذر    خطبة الجمعة .. مكانة العلم في الإسلام    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد ذياب يكتب لكم : "إنّه فعلا إنسان فاشل.."
نشر في الصريح يوم 12 - 11 - 2018

حين اضطررت لمدح أطروحة في الأدب المقارن، فهمت أن كل البنايات التي شيدتها من حولي قد انهارت فجأة. وعدت لأنظر بداخلي عن معنى الكلمة الصادقة حين نبدي رأيا:
الكلمة الصادقة هي التي تمتطي مسودتنا حين نخطها بالدم، ثم نلقيها في سلة المهملات بعد تمزيقها وبعد أن نكون قد زففناها بآخر نظرة جانبية للمتأسف لجبنه.
والكلمة الصادقة هي التي قد تشقّ طريقها إلى قلب من نحبّ فعلا، سرّا ليلا، ونطالبه ونلح بأن لا يعيدها على مسمع الغير.. لا تبح بها أبدا.... فهي سرنا.
الكلمة الصادقة النادرة في هذا الزمن الرديء هي التي تتلاشى بين الأضلع حفاظا على بعض أثر للصداقات الموهومة والواهية..
ولكم بقيت هذه الكلمات بين الحناجر.. ولكم شاهدت من يريد الإصداع بشيء صادق من عينين مغرغرتين دما ودموعا ثم نرى صاحبها يغادر قاعة المحاضرات وحسرته بداخله... ليست له الشجاعة الكافية ليقول رأيه بصدق... ليست له وليست له.. فالعنتريات مضت مع عنترة وزمنه... والصدق زال في هذه الأايام.. نحن فعلا في زمن التجارة والدعارة.. حيث تباع أعضاؤنا لنستمر على قيد الحياة وتزرع في جسد آخر ليضحي بطلا..
كم نحن تعساء بفشلنا...
وحين كتبت إلي صديقتي كلمتين صادقتين حقا تحرّك قلمي ليجيبها في السرّ والعلن:
سيدتي وصديقتي... أنت صاحبة شعر حقيقي موزون وغير مزيف وغير مستعار من هنا وهناك... وأنا يتوه على فمي التعبير.... عندما أقرأك فأنا أقرأ شعرا جميلا به صور وإبداع.. وحتى وإن كتبتُ شخصيا عشرات القصائد الموزونة والصادقة (؟) فهي لا تملك الشاعرية التي لديك..
قسوة مهنتي ودقتها العلمية في الأدب المقارن فرضت الدقة أكثر مما فرضت الشاعرية.. وربما هناك أسباب أخرى.... ولعلي بمثل محمد الحبيب السلامي لا أميل إلى الشعر... لذلك بكل تواضع أحتسي من الشعر الذي تكتبينه بصدق من صنع الأحشاء.. وأصنع لنفسي عالما جميلا بقراءتها.. كما أقرأ الأشعار القديمة الكلاسيكية... وأما قراءتي لغيرها من الأشعار، فهي بمثابة ضرورة الاطلاع على الرداءة السياسية والعهر السياسي والسياحة السياسية وسياحة القصيد قبل أن يتحول إلى منحوتة أو دمية حركتها كل الأيادي وأحيانا لوثتها فصنعت منها مسخا يجهل عن نفسه كل شيء.. وكالكلبة التي لقحها قطيع من الذكور، فلا تعرف حتى هي أصل جرائها....
ابقي كما أنت... وعلى كل أنتتعرفين جيدا دور الغربال... طال الزمان أو قصر... وها إني أقرأ عليك آخر ما كتبت عن فشل أستاذ الأدب المقارن، مخاطبك...
نظر إلى تلك البنايات الشاهقة في الضفة الأخرى من الطريق، وأعجب بهندستها الواضحة الجلية في مدينة يتكاثر فيها الغبار وتتناثر الأتربة عاليا مع كلّ هبّة ريح شتاء وصيفا.. هذه المدينة تختنق، وتخنق برائحتها الكريهة المنبعثة من قنوات تصبّ في المدينة معاكسة التيار الذي من أجله شيّدت المصبات من دم المواطن. لكن فيها كذلك من اصطحب ذاته إلى النجاح الباهر ماليا واجتماعيا ولم يفكر يوما في مغادرتها إلاّ إلى باريس ولندن وبكين للاستجمام واقتناء بعض ما لايتوفّر هنا. أعاد النظر إلى البنايات شامخة ذات أسلوب يتماشى والمنطقة، ويتناسق دون تكلّف في شكل معمار ثابت لا تزحزحه مجرّد مطر يقال عنه طوفانيا والحال أنّه ينزل بمعدّلات هي نفسها من آلاف السنين. وعادت إلى مخيّلته أشكال لولبية غريبة ونوافذ معقدة فرضتها وبلوّر وتزويق في غير محلّهما، زوجتهكميلياالفرنكوتونسية، في تصميم بيته الذي يبعد عن المدينة اثني عشرةكيلمتر.. ساعدها والدها على هذا المثال العصري جدا حسب قوله في فرضه على أستاذ الأدب المقارن بالجامعة.. وقد تكون زوجته، أم كميليا هي التي أوحت له بهذا الموقف المنافق، وقد كان يمتهن حرفة خبير في البناء بباريس.
يا أستاذ ليس لك أن تهتمّ بكلّ صغيرة وكبيرة.. الدار هي الزوجة.. لأنّ الزوجة تقضي أكثر وقت بالبيت.
حاول أن يلجأ آنذاك إلى سديد الرأي لدى المهندس المعماري، غير أنّ هذا الأخير كان من صفّ الزوجة، فعلم أنّ الأمر مدبّر مسبقا بين هؤلاء. وأخيرا حاول أن يقنع نفسه بأنّه قد يكون فعلا ممن تجاوزهم الدهر وتجاوزتهم الأحداث،ليستسلم بعد شجار دام أشهرا.
عند إتمام البيت، حاول النأي بنفسه عن أمر التدشين ذاته، لكنّه ارتطم بأصهار له يطالبونه بقراءة القرآن عند دخول عتبة البيت حتى لا تبدو علمانيته موقفا مفضوحا.. وتنازل مرة أخرى فوجد نفسه في ليلة ليلاء بمفتحات كانت من نصيب إمام المسجد الذي احتكر المصدح ليقرأ القرآن طيلة ساعتين ثم سلامية وأدعية لساعتين وانتهاء برقص على البندير حتى الفجر بعد أن تفكّكت أوصاله.
إنّه فعلا إنسان فاشل.
ليس أفشل منه من إنسان على وجه البسيطة... لقد كان تصوّر أنّ أستاذيته في الأدب المقارن وأشعاره الركيكة وبعض مواقفه التقدّمية سوف تجلب له احترام الناس وتمدح فكره وكتاباته... لكنّ الحقيقة المرّة هي أنّ جلّ الناس من حواليه قد تلاشوا وغادروا وابتعدوا عنه شيئا فشيئا.
حتى ابنته الصغرى التي كانت الخيط الواصل بينه وبين هستيريا زوجته،قد انكمشت دفعة واحدة حين تقدم لخطبتها ابن خالتها.. ولم تصغ إلى كلّ ما قلت لها: *ابعد على دمّك لا يشوهك*... وعلى العكس من ذلك تألّب الجميع ضدّ رأيي، وتخوّفي من زيجة الأقارب، وحتى طبيب الصحة العامة كان من صفّهم..فقد قال لي:
سيدنا علي ابن أبي طالب وفاطمة الزهراء، أنجبا الحسن والحسين، هل لك يا استاذ أن تدلّنا على أفضل منهما خلقا وأجمل منهما وأشجع منهما؟
عدت لأغوص بداخلي، في بيتي الخرب المنهار بكلّ تعقيداته.. وتذكرت ذاك الرجل الذي دخل دكّان الإسكافي بالمدينة العتيقة ليطلب أيبس حذاء لديه. ولما قدّم له حذاء وآخر، التمس حذاء أيبس.. وبعرضه حذاء يكاد يكون خشبيا التمس رقما أصغر من قياسه.. وبعد أن دفع المبلغ المطلوب سأل الإسكافي:
إذا كان هذا الحذاء لك شخصيا فلم يا ترى تقتني مثل هذا الحذاء بهذا المقاس؟
درست بفرنسا وعُرضت عليّ الجنسية الفرنسية وخطة بجامعة السوربون، فرفضت إيمانا مني بضرورة خدمة البلاد. وتزوجت من ابنة عائلة معروفة بالمدينة الباريسية وهي تونسية تحمل الجنسية الفرنسية، وأنجبت بنتين وولدا. تزوجوا بمن لم أر فيهم خيرا لهم. وبقيت مع من لم أتفق معها أكثر من ثلاثة أيام في حياتي.. ودفع بي عميد الكلية إلى الاستقالة من خطتي كمدير للقسم.. لخطإ مهني فادح حسب مجلس التأديب.. وأطردت من الجبهة الشعبية لأنني وقفت ضد إضراب المناجم... وأضحت حياتي جحيما، فلعلّي، عند خلع الحذاء أجد بعض الراحة...
آنذاك لحقته كميليا لتقول له:
أنت مأساة حقا... أنت عنوان الفشل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.