بورك فيك كما بورك في الزيت * أكلا ودهنا وإنارة بالبيت مقولة أو قول كريم ، لست أدري ، لكنّي ردّدته ولم يفارق ذهني طوال ثلاثة أيام ثريّة مفيدة غرفت أثناءها من العلم ما لم أكن أعلم ومن الفائدة فيض عظيم. زميل صحفيّ جامعي متخصّص في علم الإحياء ، يعمل بمجلة علمية ويشرف فيها على قسم التغذية والصحّة. هاتفني يدعوني لمرافقته كي نحضر منتدى حول زيت الزيتون وفوائده الغذائية الصحية. دعاني لأننا كثيرا ما تناقشنا موضوع التغذية والطعام وأصنافه ، فعرف موقفي المعادي لمعظم الأكلات السريعة وبعض المشروبات ، والناقد ابتعادَ الكثيرين منّا ، عن طعامنا وأطباقنا المتوسطية عامّة ، التي لو صنعت حسب أصولها، أي كما كانت تصنعها الجدّات ، ثمّ تمعّن فيها وفي مركّباتها أخصّائيّ في علم الإحياء والتغذية – مثل زميلي وصديقي – لعرف درحة الكمال الصحي الغذائي التي يميّزها. سبق لي أن قصصت عليه نادرة جرت معي أختصرها ، وهي أني كنت في دورة تكوينية في التغذية وإدارة المصائف للأطفال الطلبة ، وأوتي لنا إذاك باختصاصي من فرنسا ، ليُعرّفنا على مكوّنات التغذية السليمة. كان يوما يعدّد أنواع الخضر والبقولات وغيرها ، ونسبة الفيتامينات وغيرها فيها ، فجعلت ، وأنا أستمع إليه ، أسجل ما يلقيه من معلومات ، أذكر منها الآن أنه ذكر البقدونس والكبد ، مادتين تحتويان على مائة بالمائة من الفيتامينات. عندها تركت قلمي يستريح ، وواصلت الاستماع. لاحظ الأستاذ ذلك فسألني عن سبب توقفي ، فسألته بدوري إن هو يعرف " الكسكسي " فقال أنه سمع عنه ولم يذقه بعد ، وسأل كيف هو. أجيته واصفا مكوّناته فإذا به يقول: لست في حاجة لمزيد المذكرات." غير هذا كثير كنت أطلع عليه الزميل المختصّ ، الشغوف لمعرفة ما لم يكن يعرف. حدّثته عن أنواع " البسيسة " وعن " الزميطة" الجربية ، وعن " العصيدة " بالزيت والسكر أو العسل ، وعن "مرقة الخضرة" وعن فطور الصباح خبزا وزيتا ، وعن علاج السعال بشرب قليل من الزيت مخلوطا بقليل من دقيق القهوة (البُن) ، وعن الكثير من أكلاتنا المسماة شعبية ، بدل أن يُقال أصلية أساسية. لذا دعاني ومكّنني من حضور منتدى حول زيت الزيتون وفوائده الغذائية الصحية. كان منتدى مهما ، وأهميته لا في موضوعه فحسب ، بل في قيمة وشهرة المشاركين أمثال نوريا روسيكي ، عن وحدة التغذية البشرية بجامعة روفيرا فيرجيلي ، وخوسي رامون يورانتي رئيس كوفينات والشركة الإسبانية للتغذية الجسيّسيّة ببلنسية ، وخولياتا دي لامورينا صيدلية متخصصة في التغذية ، وآخرون بلغ عددهم عشرة أخصائيين. كانت العروض علمية ، والنقاش حولها بلسان تقني ، فلولا صديقي لما جنيت ما جنيت وهو كثير مفيد. لقد عرفت ما هو الزيت البكر الممتاز، والبكر ، والعادي ونوع رابع يستخرج من تفل الزيتون.(يمثل تفل الزيتون الخام المنتج الثانوي الصلب الناتج بعد استخلاص زيت الزيتون وتختلف كميته وتركيبه حسب طريقة العصر المتبعة (مكابس – طرد مركزي) وصنف الزيتون ودرجة نضج الثمار وبشكل عام يشكل تفل الزيتون بالمتوسط 40-45% من كمية الزيتون المعصورة ويمتلك تفل الزيتون الناتج عن معاصر الطرد المركزي خواص مشابهة لنظام المكابس عدا المحتوى الرطوبي ونسبة الزيت.) كما عرفت درجة حموضة لكلّ صنف ، وأن قلة الحموضة ترفع نوعية الزيت وتزيد في فوائده. وهذا هو بيت القصيد ، والرصيد الذي حصلت عليه من معلومات ، كثيرة هي سأحاول نقل ما أمكن منها ، مركّزا على الفوائد الصحية وطرق تناول هذا الذهب لونا وقيمة وفائدة. قد يجدرالقول بأنّ الزيت البكر الممتاز، نظرا لاستخراجه بطريقة آلية ، يحتفظ في تركيبه بعدد من المكوّنات ذات الأهمية الغذائية الكبرى والصحية الثمينة ، لا توجد في الزيوت غير البكر. هذه المكوّنات لا تستخرج بمحلّلات كيمياوية ، أو هي تضيع خلال عملية التنقية. هذه المكوّنات تصنع جزءا لا يتغيّر، كثير منه له حركية غير قابلة للتأكسد وهي أيضا مضادة للالتهاب. إن ثقافتنا الشسعبية كثيرا ما علمتنا فوائد زيت الزيتون ، خاصّة عند تناوله على الريق، أما اليوم فبالإمكان تعزيز هذه النصيحة بنتائج دراسات علمية ، تفيد بأنه غير التهابي ويساعد على تخفيض الوزن. فبالنسبة للجهاز الهضمي والكبد ، تناول زيت الزيتون على الريق ، يقلّل من الالتهاب المعديّ ، لأنه يصنع قشرة بجدار المعدة ، ويساعد على التنقل المعوي ، ويحسّن الاستيعاب الغذائي ، خاصة استيعاب الكالسيوم ، والمغنازيو ، والزنك ، والفيتامينات من مجموعة ب ، ويرفع فاعلية دور وعمل الكبد ، والمرّارة ، ولوزة المعدة. أما على مستوى الوعاء القلبي ، فهو يقلل من الكولستيرول السيئ ، ويرفع في نسبة الحسن ، علاوة على أنه يسمح بانخفاض الشحم البطني ( الجوفي ) زيادة على أن شحنته من ¨ البوليفانولس ، وهي مركبات طبيعية ذات مردود صحّي على القلب وجهازه ، فيصبح الزيت مضادا للتأكسد. يضيف أحد الخبراء بأن الزيت يساعد ويسهل تخفيض الوزن بفضل مادة تنشأ بالمعى لها أيضا مفعول ضد الالتهاب. تأكد كلّ هذا بنتائج جدّ ناجحة عبر علاج أورام بالجهاز العظمي. إن من بين الفوائد الأساسية المجرّبة المؤكدة مفعوله على صحة القلب ، وذلك بقدرته على تخفيض نسبة الكوليستيرول كلية ، أو ارتفاع نسبة الكوليستيرول ه د ل وهو المسمى الكوليستيرول الحسن . يساعد أيضا على تنظيم الضغط الشرياني ، يزيد في مراقبة " الغلوكوز" وخطر داء السكر. المهم والمهمّ جدا هو أن يجري تناوله باستمرارية تصبح عادة أو شبه عادة . إن توصيات ونصائح التغذية المتوسطية تنصح الكبار بتناول أربع ملاعق على الأقل يوميا أمّا الاكتشافات فهي لم تتوقف وهي تواصل عطاء المزيد من المنافع. فالدراسات الجديدة تشير ، زيادة على ما ذكر ، إلى أن تلك المقادير المشار إليها أو الموصى بها تشترك في انخفاض نسبة التعرض لسرطان الثدي ، ومرض الألتزهايمر ، وكسر العظام. إنّ الزيت رغم تكوُّنه من مائة بالمائة تقريبا من الدهنيات ، فهو لا يشترك في ارتفاع الوزن الجسدي ، بل عكس ذلك مضمون ، حسب الأخصائية ، إذا تواصل تناوله لمدة طويلة. نفس الآراء تقدمها خولياتا دي لا مورينا ، الصيدلية المختصة في النظام الغذائي ، التي تضيف بأن زيت الزيتون البكر الممتاز له فوائد لصحة القلب والشرايين. فمنذ عام 1954 أصدر كايس ، وبعده آندرسون وغراندي ، مزايا هذه المادة الدهنية ، خلافا لغيرها المستهلكة آنئذ مثل زيت عباد الشمس ، ومنذ ذلك الحين بدأ الحديث عن نظام ومواد التغذية المتوسطية. إن الزيت البكر الممتاز يأتي بفوائده أيا كان وقت تناوله بشرط أن يكون نيّئا. ويلح الخبير دي لا مورينا بأنه الوحيد الصالح للمحافظة على أطعمة أخرى " فهل هذا عائد غاليا لمركّباته الأخرى أكثر من الفيتامين e ؟ " هناك مثل دارج إسباني يقول عن الزيت عامة: " من الزيتونة إلى المعصرة ومن المعصرة إلى بيت المؤونة " لأن زيت الزيتون غذاء جدّ صحي وموصى به لتغطية جزء من الضروريات الغذائية الدهنية ، خلال كل مراحل الحياة: ابتداء بإدماحه في أ غذية الرضيع التكميلية ، مرورا بسني المراهقة ، وطوال الكهولة والشيخوخة. علاوة على رفعة مذاقه ومزاياه في إعداد مختلف الأكلات ، تجعل منه ملاذ طهي وطبخ يرفع نوعية نظامنا الغذائي ، فهو ، حسب الأخصائية " روسيكي " يساعد على تناول الخضروات مساهما في نظام غذائي صحي لكل الأعمار. كلّ هذه الفوائد والمزايا الكثيرة ، زادت في يقيني بأنّ في عاداتنا وثقافاتنا ، التي يحتقرها الكثيرون ويعتبرونها بدائية وعنوان الجهالة ، ليست إلا دليلا على قيمتها وأسسها " العلمية " ، سواء أكانت فعلا مبنية على معرفة ، أو هي نتيجة التجربة الذكية الفاحصة. فمن أين لجدتي وأمي مثلا ، وشبيهاتهما كثيرات في كلّ ركن بلادنا، معرفة مركبات زيت الزيتون حتى تلعقنه للرضيع ، وتشرن به لمقاومة السعال وبعض أوجاع المعدة ، وتدهنّ به شعر الرّأس ليسلم وينمو ، وغير هذا كثير لديهن ونحن عنه غافلون. خلاصة القول هو أنّ زيت الزيتون " البكر الممتاز " له من القوائد ما لا يحصى ولا يُعَد ، إذا واضب المرء على تناوله حسب مواصفات مشار بها ولمدّة معيّنة أرعون أو ستون يوما في أغلب الحالات. ولم يبق لي الآن ، وأنا غير أخصائي ، إلا نقل أهم فوائد زيت الزيتون التي حصلت عليها من محاضرات وشروح علماء ذوي اختصاص وخبرة ، شاركوا في المنتدى المشار إليه في مستهل هذا الحديث. فمن تلك الفوائد أذكر ، حسب مذكراتي : 1- تخفيض مستوى الكولستيرول السيّئ ورفع نسبة الجيّد.2- تنظيم ضغط الدم. 3- الإقلال من خطر أمراض القلب والأوعية وحتى السكتة الدماغية. 4-تعديل مستوى الإنسولين والسكر. 5- الإقلال من خطر الإصابة بمرض السكري. 6- الحماية والوقاية من أمراض السرطان. 7- تسهيل عملية الهضم واستيعاب العناصر الغذائية المحتوية على الفيتامينا التي بالدّهون. هذا موجز لما يأتيه زيت الزيتون من فوائد صحيّة إذا تناوله المرء باستمرارية طوال شهرين على الأقل وبنسبة ملعقتين يوميا قبل تناول أيّ طعام. لا غرابة في كلّ هذا إذ شجرته باركها الله وهو القائل سبحانه: شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية ، يكاد زيتها ينير ولو لم تمسسه نار ، نور على نور ، يهدي الله لنوره من يشاء وهو السميع العليم. مدريد في 22-10-2018.