كان للثورة الشعبية في تونس وفي مرحلة أولى ما أرادت ألا وهو ازاحة النظام الشمولي يوم 14 جانفي وهي لاتزال في بداية مسيرتها ولم تبلغ غايتها بعد حتى تحقق طموحات الشعب عموما والشباب خصوصا وهي في هذه الفترة الحرجة كالطفل في سنواته الأولى في امس الحاجة الى من يرعاها حتى يشتد عودها والى من يحميها حتى لاتنحرف عن المسار وان لم يحمها الشعب والشباب فلا حامي لها. وتنطلق مسيرة الثورة علي خلفية من المطالب الصادرة من كل صوب وحدب تتزامن مع اضرابات في بعض الأحيان عشوائية وفي قطاعات مختلفة ومع موجة من الاحتجاجات وسيل من الاتهامات الموجهة لبعض المسؤولين أحيانا في محلها واحيانا أخرى ربما في غير محلها وتتطلب التثبت قبل الإدانة وعمليات «تطهير» لآخرين من قبل أطراف ليست لهم الصلاحية لذلك اضف الى هذا مشهد الانتصاب الفوضوي للباعة وحركة البناء دون ترخيص... الجميع يقر بأن هذه المطالب وهذه الاضرابات وهذه المواقف مشروعة لكون اصحابها اصحاب حق وهي تعبر عن تراكمات السنوات الماضية وتكشف عن تركة العهد البائد ولكن علينا التحلي باليقظة حتى لانتخذها ذريعة لتصفية حسابات وظلم البعض وحتى لانجعل منها بالخصوص فرصة تخدم مصالح هؤلاء الذين يريدون اقامة العقبات في مسيرة الثورة لتكبو والذين لايروق لهم استقرار تونس فيستغلونها لمحاولة اعاقة سير الأمور وتعطيل نشاط المؤسسات والاخلال بالنظام بالتحريص على العصيان والاعتداء على بعض الموظفين وعلى بعض الممتلكات العامة والخاصة ليصنعوا من كل هذا مشهدا يريدونه مشوها للثورة ولتونس ويحرمون الشعب التونسي في هذه المرحلة الحاسمة من التلذذ بفرحة الانتصار على الطغيان. هذا الظرف الدقيق يدعو بكل الحاح الى التعقل والتريث والاحتكام الى العقل واعتماد الواقعية في تقديرنا للأشياء فالكل يعلم انه ليس بوسع الدولة والمؤسسات حاليا الاستجابة الى كل المطالب والى رفع كل المظالم فهي وان تستطيع الاستجابة لبعض المطالب الملحة فإنها لاتملك لاقنديل علاء الدين ولاخاتم سليمان، ان مهمتها الأساسية تكمن في تصريف الأمور حتى لاتتعطل عجلة الاقتصاد وفي ضمان السير العادي لنسق حياة المواطن ورصد النقائص وتحليل للحاجات وبخاصة ارساء الأرضية التي ستنبني عليها تونسالجديدة من ذلك الاعداد لانتخابات المؤسسات الديمقراطية التي ستنبثق منها الحكومة المقبلة والتي سيكون من واجبها ومن مسؤوليتها ومن شرعيتها الاستجابة لمطالب من صنعوا الثورة. ان الوفاء لدماء الشهداء يستوجب موقفا شجاعا من قبل كل الاطراف وكل من موقعه، الحكومة المؤقتة، والاتحاد العام التونسي للشغل والمجتمع المدني ووسائل الإعلام وشباب الثورة وكل مواطن للدعوة الى التبصر والى جعل مصلحة الثورة فوق الجميع. لقد حققت الثورة مكسبا كبيرا منذ الأيام الأولى بأن جعلت الحكومة في خدمة الشعب والأمن في خدمة المواطن والجيش كما عهدناه في خدمة الوطن والأمر كذلك يكون من الضروري ان تستعيد الدولة ومؤسساتها هيبتها ففي هيبة الدولة وفي هيبة مؤسساتها هيبة الشعب وهو السبيل الذي يحمي الثورة من كل انزلاق والمساعد على بلوغ الهدف الأسمى للثورة المتمثل في ارساء نظام ديمقراطي يضمن حق الجميع.