الذي يشد الإنتباه في الخطاب هو خاصة حثّه الشعبَ على أداء "الواجب الإنتخابي".. وبكثافة كما قال،فالمتوقع هوعزوفٌ انتخابيٌ غير مسبوق! والسيد الباجي الذي أقر في خطابه بإنخرام وإنعدام هيئة الإنتخابات والمحكمة الدستورية ، وهي من مشمولات وواجبات السلطة التي هو رأسها. يتوقع من الشعب ،الذي انهكته حكومات الفشل والوعود الواهية وصار عاجزا حتى عن قوت يومه،أن يؤدي "واجبه" الإنتخابي...و بكثافة! وعلاوة على هذا فالسيد الباجي خلال رئاسته ارتكب عدة أخطاء نذكر منها خاصة ما يسمى- قانون المصالحة- و أيضا ما يسمى - قانون الزطلة - وكذلك المحسوبية في الإسعاف بالعفو ( وهي محسوبية أثارت استنكار هيئة القضاة..! ) ثم قضية ما يسمى- الحريات الفردية - ومنها خاصة "المساواة في الإرث" وهنا وبشكل خاص أثبتَ السيد الباجي أنه لم يدرك كارثة مطب"الحداثة".فهذه الحداثة المستوردة لم تحدث بمجتمعاتنا سوى الحوادث والإنقلابات الخطيرة، هي تذكرنا بتلك الضفدعة التي حكى الأديب الفرنسي -لافنتان-" شرعت تشرب وتشرب حتى ورم بطنها ورمًا شديدا فإنفقلت وماتت"وتداعيات الحداثة المزعومة لا حصر لها (نجدها حتى في اللباس المستعمل المستورد- الفريب- الذي دمر صناعة النسيج علاوة على الأخلاق والذوق الوطني الأصيل..)وأيضا هذه "الحداثة" تسببت في انخرام أسري حيث كادت ان تضع المرأة فوق الرجل ،فهي قد اخرجت العفريت من قمقمه وصارت المرأة تطالب بالشغل تماما كالرجل( بل تهدد بحرق نفسها هي أيضا "بالبنزين"...ولست ادري هل السيد الباجي مطلع على الإحصاء الذي يقول:عدد المنحرفين الخطرين بتونس حوالي 160ألف، لكن الأغرب هو أن عدد المنحرفات الخطيرات يقارب نصف هذا العدد !! وهذا نتيجة لما يسمونه " حرية مرأة".. وللتذكير هنا أنه في مطلع الإستقلال لم يكن بالبلاد نساء سجينات .فسبحانه الذي قال [ إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم ] !!!وهل أدرك السيد الباجي وغيره من "الحداثيين" أن استيلاء المرأة على العمل هو التفسير الحقيقي لظاهرة هجرة الكفاءات وأيضا "الحرقة".. انظر مقالي:تورس- المساواة بين الشريعة والطبيعة).. ثم ومن أخطاءالسيد الباجي أيضا فرضُه، رغم المعارضات، لرئيس حكومة مجهول وعديم الخبرة ،واليوم إنقلب عليه وصار له خصمًا!.. وأيضا تنكره لأصدقاء الأمس( ومنهم جبهة الإنقاذ،حيث قال في حديث تلفزي منذ سنة ونصف " حمة الهمامي فاسق والنهضة وسطية"!) وتقاربه مع المناوئين،واليوم انقلبوا عليه وصاورا له خصومًا !! لكن بكل تأكيد للسيد الباجي دور محوري لا يمكن إنكاره في السلم الوطني ويمتد حتى على كامل المنطقة المغاربية. فإنزلاق بلادنا ،لا قدر الله، يجرّ معه كامل المنطقة الى "داعش مغاربي"،فالتنظيمات الإخوانية (أي " الإسلام الغاضب") تتميز ب"الحميّة" (حميّةُ الجاهليةِ كما جاء في القرآن الكريم! انظر الفيديو: لطفي زيتون يتوعد التونسيين بالإحتلال المصري!). لكن الآن أنتهى خطر الدواعش ولم يبق سوى فزاعة سياسوية،ولذا نقول : الآن لم يعد للسيد الباجي ولحزبه ما يقدمه للبلاد!..الآن البعبع لم يعد بعبع داعشي وإنما " ثورة جياع وبطّالين" التي لا تقل خطورة...تعددتْ الأسبابُ والفتنة واحدة!..( وهنا وبالمناسبة ننبه الى أن الإتحاد العام التونسي للشغل،وهوالذي احتضن الثورة لكنه سلمها الى "هيئة بن عاشور" لم يدرك أن النضال النقابي زمن التحجّر الدكتاتوري لا يجدي نفعا في زمن "الميوعة الديمقراطية"! ففي العهد المتصلّب حيث يقبع الدكتاتور في "برج زجاجي"ومجرد قذفه بحصوة يمكن أن يطيح به( ناهيك عن سلاح "الإضلاب العام "!) أما في عصر الميوعة الديمقراطية فسلاح الإضراب إنما هو كضربة بالسيف في الماء، مجرد هدر للطاقات لا أكثر ولا أقل !...ومن ناحية ثانية لم يدرك الإتحاد أنه بهذه الإضرابات يخسر شعبيته. فليس من المعقول ان يواصل الإتحاد افتكاك الخبزة لمنظوريه "الشغالين" بينما الشعب يعاني أساسا من انعدام الشغل ومن انعدام مورد رزق و"خبزة "!! .. اليوم البلاد( وغيرنا من الأشقاء!) في حاجة ماسة الى مراجعة فكرية عميقة لإصلاح جذري . وإنه لمن العبث مواصلة "تطبيب السرطان بمرهمٍ للجروح"، وفي هذا توجد ثلاث قضايا ملحة تستوجب المعاينة والعلاج بعيدا عن الصبيانية الأديولوجية.اجتماعية واقتصادية وسياسية ملحة : 1- اجتماعية ،والحل يكون بالقطع مع الإعتباطية التي يسمونها "حداثة" فهي مجرد استلاب ثقافي وحضاري يضر ولا ينفع .قال الشاعر الحكيم يصف تفسّخ العربَ: قلَّدوا الغربيَّ لكن في الفجورِ*وعنِ اللّبِّ إستعاضوا بالقُشورِ! 2- إقتصادية ، والحل يكون بتدخّل الدولة بفرض المنوال التعاوني والقطع مع "الداروينية الإجتماعية" ( ونشير هنا الى أن هذه "الداروينية" التي افلست البلاد وأفسدت العباد لا يدافع عنها ذيول الليبرالية فحسب وإنما أيضا الجماعات الإخوانية والوهابية،فهؤلاء المفسدون المشوشون لم يسلم من تكفيرهم لا عبد الناصر ولا فرحات حشاد ولا حتى احمد شوقي الذي قال في مدح سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام : والإشتراكيّونَ أنت إمامُهم* لولا دعاوي القومِ والغُلَواءُ...داويتَ متّئدًا وداوُوا طفرةً* وأخفُّ من بعض الدواءِ الدّاءُ !... فالشيوعية صحيح لن تولد أما الإشتراكية فلا تموت، وأكبر دليل ما يحدث الآن بفرنسا"الليبرالية"... انظر مقالي القديم : تورس- المدنية مابين الإسلام والإشتراكية) 3- سياسية ،وهنا لا حياد عن الوفاق الوطني ( لكن شتان بين الوفاق والنفاق!...فلا وفاق مع محاصصات!!...أنظر مقالي: هل يمكن ان نجعل من الأفعى علاجا "للسرطان"؟). ختاما :لقد استمعنا الى الدكتور قيس سعيد يعلن عن نيته الترشخ الى رئاسة 2019 معتبرًا ذلك من نداء الواجب.وهويعلم طبعا محدودية صلاحيات الرئيس الذي بدون حزام سياسي قوي مجرد "طرطور"، فالرئاسة تحتاج حزاما سياسيا قويا وأغلبية برلمانية فاعلة!! وهنا يجب التذكير بأنه منذ 2011مرت البلاد بتجربتين واعدتين ومن المستحيل تكرارها وهما حزب النهضة ثم النداء : ففي 2011 حصل حزب النهضة على حوالي مليون ونصف صوت،ثم النداء الذي قاربه في 2014، ولكن ،ورغم هذا التفوق النسبي،كلاهما لم ينجح حيث استمرت الإضطرابات والتعطيلات والمعارضات والمناكفات .. إذن الأغلبية النسبية لا تغني عن الأغلبية الحاسمة! ( وهنا وبالمناسبة نشير الى أن الحُزيبات التي تصدع آذاننا و تزعم القدرة على "إنقاذ البلاد" إنما تستخف بالمغفلين لكسب اصواتهم من أجل التموقع!...).. إن البلاد ما لم تتكون بها هيئة وطنية تضمن اغلبية الشعب ، فسوف ستستمر في التدحرج الى هوة بلا قرار!..فتردي الأوضاع تعود اسبابه الى عوامل سياسية مترتبة عن تشتت الإرادة نتيجة لتعدد الأحزاب.ولكن وبما أن وباء الأيديولوجيات وكذلك الزعامتية لا تسمح بأي إتحاد أو تقارب بين هذه الأحزاب( اللهم لغايات شخصية!) فعلى الشخصيات الوطنية المتميزة المبادرة (والتميز الذي نعنيه هنا هو اساسًا التميّز بالنزاهة والمِصداقية والنضالية، فالقضية في جوهرها أخلاقية أولا وأخيرا، أما "التكنوقراطية" فأكثر وزراء بن علي كانوا من "التكنوقراط" لكنهم افسدوا البلاد حتى قال عنهم بنفسه في آخر خطابه "غلطوني وتو يشوفوا"..!science sans conscience n'est que ruine de l'âme) . لقد سبق لي منذ قرابة السنتين ( - الصريح- 8 أو 9أفريل ؟) وإن أشرتُ الى بعض الشخصيات الوطنية النزيهة والمرموقة ومنهم الدكتور قيس سعيد وكذلك الصافي سعيد والمنصف وناس والإقتصادي عز الدين سعيداني ..(دون اغفال من بقي من قدماء الوطنيين والمقاومين من الرعيل الأول بشقيهم البورقيبي واليوسفي..فحضور هؤلاء يشكل دعامة قوية ! ). إن هذه الهيئة الوطنية لو تشكلت ستكون كفيلة بتجميع كل التونسيين الصادقين الجادين في جبهة واحدة بعيدا عن كل الأحزاب التي عبثت بالبلاد. إن الواجب يفرض الشروع الفوري في تكوين هذه الهيئة.ومن الأفضل يكون بناءها من القاعدة الى القمة بإشراف ومحاورات ومقترحات الشعب بما في ذلك إسم هذه الهيئة نفسها!