لإتحاد الشغل دور ورمزية لا ينازعه فيهما أي منظمة أو أي زعيم أو أي حزب مهما كان.وكل من يحاول تشويهه إنما هو لئيم لا يعترف بالجميل ومشكوك حتى في وطنيته!...فمن الذي أو صل هؤلاء أصلا الى سدة الحكم غير الإتحاد؟؟..أليس هو الذي احتضن الثورة طيلة اسابيعها الأربعة،ثم ومن بطحاء محمد علي إنطلقت الجموع الهادرة متجهة الى الدكتاتور"في عقر داره" أمام وزارة الداخلية بعيدا عن كل فئوية وحزبية: dégage! ...ألم تكن تلك هي الضربة القاضية الحقيقية التي إرتج لها كيانه وكيان زبانيته من وشاة ومستكرشين ومطبّلين( الذين قال عنهم هو بنفسه متبرّئا منهم، لكن بعد فوات الأوان: "غلّطوني وتو يشوفوا"....)؟؟ .. لكن مع الأسف الشديد الإتحاد العام التونسي للشغل بعدما احتضن الثورة سلمها على طبق من ورد الى ما يسمى "هيئة بن عاشور"، ومن هناك كان الإنحراف الذي نكب البلاد!!...لقد كان جديرا به أن يقود البلاد! لكن الآن يبدو أن الإتحاد لم يدرك أن النضال النقابي زمن التحجّر الدكتاتوري ليس هو نفسه زمن "الميوعة الديمقراطية"! ففي العهد الدكتاتوري المتميّز بالتصلب حيث يكون الدكتاتور "في برج زجاجي" بمعنى شديد الحساسية ومجرد قذفه بحصوة يمكن أن يطيح به ( ولذلك نجد الدكتاتور كثيرا ما يستعمل العيون والوشاة ويعتمد البطش ضد أبسط حركة أو حتى كلمة...ألم يقل ماو تسي تونغ: كل الرجعيين نمورٌ من ورق؟..)... كان هذا زمن التحجّر الدكتاتوري،أما في زمن "الميوعة الديمقراطية" فسلاح الإضراب إنما هو كضربة بالسيف في مستنقع آسن لا يثير غير الروائح النتنة، هومجرد هدر للطاقات لا أكثر ولا أقل !...لقد صرنا مع كل تهديد بإضراب نتوقع أن يكون الرد كما ردّ ذلك المروزي على ضيفه العراقي صاحب الفضل عليه (كتاب البخلاء للجاحظ) :والله لو خرجتَ من جلدك ما عرفتُك!.. ومن ناحية ثانية،وهي الأهم، لم يدرك الإتحاد أنه بهذه الإضرابات يخسر شعبيته بسبب التشويه والمزايدات، فقد جرب هذا خلال عديد الأزمات خاصة منها القريبة بين وزارة التربية ونقابة التعليم ( وكان من بين المناوئين وزير معروف قال بالبرلمان أنه نقابي"ولد البطحاء"..!).إن مساعي التشويه مختلفة ،فهي من كل حدب وصوب، ولكن تجمع بينها كلها صفة الرجعية والإنتهازية،هي تبحث عبر مختلف الوسائط المباشرة أو الإلكترونية تقبيح الإتحاد لزعزعة شعبيته لأنها وجدت فيه الصخرة الصلبة التي ترتد عليها كل أمواج البغي ومحاولات الإستحواذ على البلاد ( الإتحاد عند بعضهم صخرةٌ "علمانية غير مضمونة"...تماما كما قال عن الأمن والجيش!.. ولذلك خرجت أتباعه في مشاهد مخزية منادية :" الشعب.. يريد.. حل الإتحاد...وفعلا، فقد سعى منذ اواسط 2013 الى بعث إتحاد موازي، وقد تم له ذلك! )...لكن أخطر التشويهات والتحاملات هي التي تتعلل بمزاعم :"ليس من المعقول ان يواصل الإتحاد افتكاك الخبزة لمنظوريه "الشغالين" بينما الشعب يعاني أساسا من انعدام الشغل ومن انعدام مورد رزق"...إن هذا التبرير بكل صراحة قوي جدا جدا!!..فالبلاد في الحقيقة تستوجب "سياسة تقشف" وحتى التخفيض في المرتبات بدلا من الزيادة...لكن هل يعقل أن يُعتمد الشغالون كمورد أساسي للضريبة؟؟ أين بارونات التهرب وأين الأموال المسروقة والمهرّبة المحمية ب"قانون المصالحة "؟؟...(ثم ومن ناحية ثانية الإتحاد لم يقتصر دوره فقط على مطالب الزيادة في الأجور وإنما هو ايضا يناضل ضد بيع المؤسسات العمومية وكذلك ضد بيع البلاد للبنوك الإستعمارية...) إنني لم أكتب هذا من موقع الإنحياز، فلم أنخرط في أي تنظيم نقابي ولا حزبي..ولكن دفاعي عن الإتحاد إنما مترتب عن قناعتي الراسخة بأنه ركن رابع من الأركان الأساسية التي تستند عليها البلاد ( الأركان الثلاث الباقية هي: الأمن، الجيش،الشعب...لكن الشعب الآن وبكل أسف تخلى عن دوره التاريخي،فهو بين شقين لا خير في كلاهما: شق غير مكتثر"محايد"غير معني بما يجري ومقاطع حتى المشاركة الإنتخابية.وطبعا الحياد في الأزمات الكبرى خيانة!... أما الشق الثاني فهو حزبي متعصب ..وصدَق الشهيد الذي قال :من تحزب خان!...إذن نحن في كلا الحاتين لم نخرج من "الخيانة"!) ختاما أجدد التنبيه الى أن الأزمة في تونس أزمة هيكلية سياسية تتجاوز الجميع، هي نتاج لما يسمى ديمقراطية ليبرالية مزقت البلاد بالصراعات الحزبية فتمزقت الإرادة الوطنية.. من جديد أأكد على أن ليس لهذه البلاد من حل سوى إثنان لا ثالث لهما(اللهم بالجيش أو ربما بإتحاد الشغل نفسه..وهذا مستبعد جدا ) هما : 1- وفاق وطني مطلق بين جميع التيارات السياسية ، بمعنى تقسيم البرلمان بالتساوي دون إنتخابات( انظر مقالي الطويل : الصريح، ما أشبه الليلة بالبارحة ..أو في شكله المختصر: تورس،هل يمكن أن نجعل من الأفعى علاجا للسرطان؟ ) 2- أما في صورة ما إذا لم تمتثل الأحزاب لهذا الوفاق وأصرّت على الشراهة والمغالبة عبر اللعبة الإنتخبية، فإنه من واجب كل مواطن مخلص أن يقاطع جميع هذه الأحزاب ويطالب ب-هيئة وطنية- ( انظر خاتمة مقالي : الصريح، حول خطاب رئيس الجمهورية الأخير)