و الله كانت لنا أيام مع خيرة مثقفي الإمارات و إعلامييها حين كانت تطمح إلى دور فكري خليجي و عربي و كنا نستأنس بندواتها و بجلسات أتيحت لنا في جامعة الشارقة مع بعض أل القاسمي فماذا دها حكام اليوم حتى يحولوا دولتهم إلى ما سموه هم أنفسهم بعش الغراب الأسود وهو مصطلح خلية التجسس الألكتروني على النخب الخليجية كشفتها أخيرا وكالة (رويترز) للأنباء و يوظف فيها خبراء ممن كانو أعوانا في وكالة الأمن القومي الأمريكي مهمتهم التنصت على رؤساء دول مفترض أن تكون شقيقة لدولة الإمارات و التلصص على مكالمات و ايمايلات شخصيات عربية مستقلة. الغريب أن عش الغراب الأخير هذا هو الحلقة الأخيرة من سلسلة المهازل المتماسكة من الممارسات العجيبة الممنهجة تهدف الى زعزعة أمن الخليج و العالم العربي بتمويلات اماراتية نفس التمويلات التي اختارت دولة قطر مثلا أن تنفقها على نجدة الأشقاء الغزاويين وهم يعانون حصارا (أخويا) من الجيران وحصارا إسرائيليا جائرا فقدمت قطر بتوجيهات من أميرها المعونات لمواطني قطاع غزة لتوفير الكهرباء و الدفء و الدواء و رواتب الموظفين و مدارس للأطفال و مساكن للأسر الفلسطينية مع حرص دبلوماسي على دعم مواقف المظلومين و المستضعفين في القطاع وهم من خيرة الماسكين على جمر قضيتهم العادلة نفس القضية التي تسعى الإدارة الأمريكية أن تصفيها ضمن ما يسمى صفقة القرن. في حين يتولى أحد الفلسطينيين الهاربين من عدالة بلاده القيام بمهام الغراب الأسود فيمول بمبالغ إماراتية إنشاء مراكز في باريس ظاهرها أكاديمي! و باطنها مؤامراتي ضد أمن تونس و ليبيا وهما تعانيان تدخلات سافرة في شؤونهما لأن تونس نجت نسبيا مما وقعت فيه شعوب الربيع العربي و لم يتحقق فيها سيناريو مصري و لأن ليبيا تدحرجت الى غياب الدولة و فقدان الوفاق بين فصائلها فانحازت قوى الغراب الأسود إلى خليفة حفتر من أجل توتير المناخ الأمني و تغليب العسكري على السياسي في حين أدرك العالم أن دولة قطر إختارت تضميد جراح ليبيا الشقيقة كما فعلت من قبل بين الأشقاء اللبنانيين و السودانيين و الفلسطينيين وهي تسعى اليوم الى تقريب المتخالفين على الساحة الأفغانية في الدوحة و باعتراف الشريك الأمريكي من أجل إطفاء حريق أفغاني قديم ظل جمره مولعا تحت الرماد منذ الغزو السوفييتي لأفغانستان الى اليوم. يمكن القول بأن الغراب الأسود معشش في أبوظبي بينما الحمامة البيضاء بنت عشها في الدوحة فلا يتعايش طائر الشؤم الأسود مع طائر السلام الأبيض! اليوم أفاق الرأي العام العالمي على حقيقة ساطعة ناصعة حين يشهد على زيارة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد هذه الأيام الى سيول و طوكيو و بيجين لتوقيع إتفاقيات قطرية مع هؤلاء العمالقة الأسيويين منصات الصناعات المتطورة و تعد قطر المزود الثاني العالمي للصين لمادة الغاز المسال و الشريك الإقتصادي العربي الأول لكوريا الجنوبية و اليابانوقطرهي الدولة التي إنحازت لخيار الإستثمار في الإنسان بأدوات التربية و التعليم لا في قطر فحسب بل عبر القارات الخمسة بفضل مشروع صاحبة السمو الشيخة موزة الرائد الهادف إلى توفير التعليم لعشرة ملايين من أطفال العالم المحرومين منه و المهددين بالارهاب و العنف و الوباء و الجوع. في سجل أخر كانت مباراة كرة القدم التي دارت على أرض أبوظبي بين الفريق الوطني القطري و الفريق الوطني الإماراتي ضمن بطولة الأسيوي رمزية إلى حد كبير رغم البعد بالرياضة عن السياسة لأنها أكدت للعالم ما تميز به شباب قطر من سلوك حضاري أخوي و ما لاحظه الجمهور لدى بعض لاعبي الإمارات من تهور و عداء إلى جانب بعض المدارج التي ألقت بالأحذية على ضيوف الإمارات وهم يلعبون بلا مشجعين و بلا حقد! كانت الرمزية في نصر فريق الدوحة بلا عناء على فريق معزز بالاف الهاتفين المتحمسين على أرضه وهو ما رفع تلك المباراة إلى مرتبة الرمز المعبر عن لقاء عابر بين غراب و حمامة. يعجب المرء من (غراب أسود) وهو اسم عملية التلصص الذي حققت فيها وكالة (رويترز) مما يزيد الوضع المتأزم في الخليج سوادا فيحول دولة خليجية شقيقة إلى وكر لتجسس أمريكي على العرب و على الأمريكان في ذات الوقت وهو ما دعا السيدة (لوري سترود) واحدة من أولئك الذين انضمّوا إلى المشروع الى تقديم استقالتها من وكالة الأمن القومي الأمريكي بعد أن عملت مع فريقها داخل أحد القصور في أبوظبي لمساعدة الإمارات على اختراق الهواتف وأجهزة الكمبيوتر و قالت السيدة سترود: "أدركت أني أعمل مع وكالة استخبارات أجنبية تستهدف أمريكيين لقد شعرت لحظتها بأني سأكون جاسوسة من النوع السيء و خائنة لوطني" يضاف هذا الى رصيد الدبلوماسية الإماراتية من تراكم الأخطاء و سوء التقدير!