وزارة التجارة: المواد المدعّمة تتصدّر قائمة المخالفات الاقتصادية    البنك المركزي التونسي يدرج مؤسستين جديدتين ضمن قائمة المنخرطين في نظام المقاصة الالكترونية    رسميا/ روزنامة الامتحانات الوطنية..#خبر_عاجل    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    إضراب حضوري للمحامين بمحاكم تونس الكبرى    إرتفاع أسعار اللحوم البيضاء: غرفة تجّار لحوم الدواجن تعلق وتكشف..    صناعة النفط و النقل واللوجستك : تونس تنظم معرضين من 25 الى 28 جوان المقبل    المغازة العامة تتألق وتزيد رقم معاملاتها ب 7.2%    بنزيما يغادر إلى مدريد    تتصدرها قمة الإفريقي والصفاقسي.. تعيينات مباريات الجولة الأولى إياب من مرحلة التتويج للبطولة الوطنية و النقل التلفزي    عبد المجيد القوبنطيني: " ماهوش وقت نتائج في النجم الساحلي .. لأن هذا الخطر يهدد الفريق " (فيديو)    بنزرت: تنفيذ قرارات هدم وازالة 3 أكشاك بشارع الهادي شاكر    جبنيانة: الكشف عن ورشة لصنع القوارب البحرية ماالقصة ؟    فظيع/ حادث مروع ينهي حياة كهل ويتسبب في بتر ساق آخر..    صفاقس_ساقية الدائر: إخماد حريق بمصنع نجارة.    وزيرة التربية: ''المقاطعة تساوي الإقتطاع...تسالني فلوس نخلّصك تتغيّب نقصّلك''    رسميا: الشروع في صرف قروض السكن في صيغتها الجديدة ابتداء من هذا التاريخ..#خبر_عاجل    24 ألف وحدة اقتصاديّة تحدث سنويّا.. النسيج المؤسّساتي يتعزّز    الحماية المدنية: 9 قتلى و341 مصابا خلال ال 24 ساعة الماضية    3 حلول لمكافحة داء الكلب ..التفاصيل    هواة الصيد يُطالبون باسترجاع رخصة الصيد البحري الترفيهي    الحماية المدنية: 9حالة وفاة و341 إصابة خلال 24ساعة.    حادث مرور قاتل بسيدي بوزيد..    بطولة الكرة الطائرة: النادي الصفاقسي يفوز على مولدية بوسالم    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    الحبيب جغام ... وفاء للثقافة والمصدح    وفاة الممثل عبد الله الشاهد    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    النادي الإفريقي: هيكل دخيل ينطلق في المشاورات .. إستعدادا للإنتخابات    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    مفزع: أكثر من 10 آلاف شخص في عداد المفقودين تحت الأنقاض بغزة..    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    تشاجرت مع زوجها فألقت بنفسها من الطابق الرابع..وهذا ما حل بمن تدخلوا لانقاذها..!!    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    بينهم ''تيك توكر''...عصابة لاغتصاب الأطفال في دولة عربية    تونس:تفاصيل التمديد في سن التقاعد بالقطاع الخاص    البنك المركزي : نسبة الفائدة في السوق النقدية يبلغ مستوى 7.97 % خلال أفريل    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    نَذَرْتُ قَلْبِي (ذات يوم أصابته جفوةُ الزّمان فكتب)    مصطفى الفارسي أعطى القصة هوية تونسية    المهرجان الدولي للثقافة والفنون دورة شاعر الشعب محمود بيرم التونسي .. من الحلم إلى الإنجاز    حالة الطقس ليوم الخميس 02 ماي 2024    وزيرة التربية تكشف تفاصيل تسوية ملفات المعلمين النوّاب    ستيفانيا كراكسي ل"نوفا": البحر المتوسط مكان للسلام والتنمية وليس لصراع الحضارات    عاجل : سحب عصير تفاح شهير من الأسواق العالمية    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    أمطار غزيرة بالسعودية والإمارات ترفع مستوى التأهب    الشرطة تحتشد قرب محتجين مؤيدين للفلسطينيين بجامعة كاليفورنيا    تركيا ستنضم لجنوب إفريقيا في القضية ضد إسرائيل في لاهاي    مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    المرسى.. الاطاحة بمنحرفين يروّجان الأقراص المخدّرة    وزارة الشباب والرياضة تصدر بلاغ هام..    عقوبات مكتب الرابطة - ايقاف سيف غزال بمقابلتين وخطايا مالية ضد النجم الساحلي والملعب التونسي ونجم المتلوي    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    الكاف: اليوم انطلاق فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان سيكا جاز    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوفل سلامة يكتب لكم / الدكتور المنجي الكعبي : تونس حسب الاتفاقيات الثنائية لا يمكن أن تفك ارتباطها عن الاتحاد الفرنسي
نشر في الصريح يوم 05 - 03 - 2019

الشهادة التي قدمها الدكتور المنجي الكعبي في مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات في لقاء يوم السبت 2 مارس الجاري كانت مهمة للغاية وقيمتها في كونها متعددة الأبعاد والاستفادة منها حاصلة خاصة بالنسبة لمن لا يعرف هذا الرجل ولمن لم يعش مرحلة الاستقلال ولم يواكب أحداث فترة حكم الرئيس بورقيبة وهي شهادة مختلفة عن الكثير من الشهادات الأخرى التي قدمها أصحابها في مؤسسة التميمي لكونها قد جمعت بين الذاتي والموضوعي ولاعتنائها بالحديث عن مسيرة الرجل العلمية إلى جانب تناولها لجانب من التاريخ والعلاقة ببعض الفاعلين فيه مع شيء من الحديث عن المناخات التي كانت تعيشها تونس في السنوات الأولى بعد الاستقلال وهي في الأخير شهادة مفيدة لكشفها الكثير من الحقائق ودقائق الأمور التي يحتاج إليها المواطن حتى يقترب من الحقيقة ومن التاريخ الصحيح فما قاله الدكتور الكعبي في شهادته يصلح مادة للحديث عن وضع الجامعة التونسية بعد الاستقلال و موضوع البحث العلمي وقضية النقد والترجمة ومادة أخرى لفتح ملفات مهمة تخص مسألة الاستقلال الذي تحوم حولها اليوم الكثير من الشكوك بعد أن طرحت مؤسسة التميمي مسألة إعادة قراءة وكتابة التاريخ التونسي في بعض أحداثه ومطالبة بعض المثقفين نشر وثيقة الاستقلال والاتفاقيات التي أبرمتها تونس مع فرنسا الاستعمارية والتي لا تزال إلى اليوم تثير الكثير من الأسئلة والحيرة .
تناول الدكتور المنجي الكعبي في مفتتح هذه الشهادة مسيرته العلمية التي بدأت بطرده في زمن الاستعمار الفرنسي من المدارس التونسية بعد مشاركته وهو تلميذ في المرحلة الابتدائية في مظاهرة تطالب باستقلال البلاد، الأمر الذي منعه من إجراء مناظرة السيزيام مما اضطره إلى تخطي هذه العقبة بإجراء الامتحان بصفة فردية ليلتحق بعد ذلك بالفرع الزيتوني بمدينة القيروان وبعد أن تمكن من التحصيل العصري وتحصل على الشهادة العلمية كانت له محطة علمية أخرى بمعهد ابن شرف اختصاص فلسفة إثر ذلك كان الاتجاه نحو الالتحاق بالجامعة التونسية التي تعذر الدخول إليها إلا بعد أجراء مناظرة تطلبت الخضوع إلى دروس خصوصية لدى أساتذة الآداب ولكن المفاجأة أن لا أحد من الذين أجروا هذه المناظرة قد نجحوا ليتأجل الالتحاق بالجامعة التونسية وقد فهم بعد ذلك أن الأمر لا يعدو أن يكون مقصودا حتى لا يلتحق أي طالب بالجامعة مما اضطر المجموعة التي أجرت المناظرة إلى الاحتجاج أمام وزارة التربية وقد نتج عن هذه الحركة الاحتجاجية والرافضة لهذا الأسلوب في التعامل إلى توجيه جزء منهم إلى الدراسة بالعراق وجزء آخر إلى الدراسة في سوريا فكان أن التحق المنجي الكعبي بدولة العراق وبعد فترة قضاها في هذا البلد كشفت فيها عيناه على جمال مدن العراق وتعرف على الكثير من الشخصيات الفكرية والثقافية واطلع على الكتب والمخطوطات النادرة وربط علاقات متينة مع الكثير من العلماء ، قرر المغادرة نحو القاهرة وقد كانت وقتها مقصد كل الطلبة وقبلة العلم لكل راغب في المعرفة فكان أن وضعت قدماه مدينة القاهرة في سنة 1965. وفي السنة التي حصلت فيها القطيعة السياسية بين بورقيبة وجمال عبد الناصر بسبب الموقف التونسي من القضية الفلسطينية فاضطر إلى العودة إلى تونس بعد أن طلب منه ذلك ولم يبقى طويلا في تونس ليعود مرة ثانية إلى مصر عبر التراب الليبي وفي القاهرة تمكن من إتمام رسالة الماجستير غير أن الأمن المصري قد كشف أمره واعتبرته السلطة المصرية شخصا غير مرغوب فيه وأنه لا مبرر لبقائه فتم ترحيله من جديد إلى تونس .
يضيف الدكتور المنجي الكعبي : إن الغريب في الأمر أنه في كل هذه الأسفار وكل هذه التنقلات التي قمت بها يتم فيها سحب جواز سفري ويتم توجيه إتهاما لي إما بالعمل لحساب المخابرات التونسية كما حصل لي مع الأمن المصري لما كنت في القاهرة أو بمخالفة القوانين والتراتيب الجاري بها كما هو الشأن مع البوليس التونسي ونتيجة لكل ذلك تم سحب إسمي من قائمة المدرسين بالجامعة التونسية. والمسألة الثانية التي اتعبتني هي أن الحصول على المنحة الدراسية لم تكن أمرا سهلا بالمرة ويحصل ذلك بعد اتعاب كثيرة وقد بقيت لي ذكريات سيئة مع وزراء التربية الذين تداولوا على الوزارة والذين رفضوا منحي المنحة الدراسية ولم ينفرج الوضع إلا مع تولي السيد محمد مزالي مقاليد وزارة الدفاع سنة 1969 فكان تدخله حاسما في تمكيني من مواصلة دراستي الجامعية حيث يعود له الفضل في استرجاعي لجواز السفري بعد وساطة قام بها صلاح الدين بالي فكان أن عدت مرة أخرى إلى مصر وهناك تم إيقافي من جديد بتهمة الجوجسة بعد أن تساءلوا عن سبب عودتي .. وبعد أن تدبرت أمر التحويل البنكي والحصول على المال اللازم لمزاولة الدراسة من معهد الدراسات العليا بجامعة الدول العربية لم توافق السلطات المصرية على ذلك ، قررت تحويل وجهتي نحو فرنسا بعد أن تركت مخطوطا كنت قد حققته ولكني لم أتمكن من نشره وقد علمت بعد ذلك أن عميد الأدب العربي طه حسين قد نوه به ونصح بنشره وكان ذلك خلال سنة 1968.
وفي فرنسا لم تنته الأتعاب فبعد أن شاءت الأقدار أن ألتقي بالوزير أحمد بن صالح وقد كان وقتها وزيرا للتربية وجاء في زيارة إلى باريس فشكوت له متاعب الدراسة في فرنسا وضرورة حصولي على منحة دراسية فوافق على تمكيني من المطلوب وحصل ذلك بعد أيام قليلة غير أن الأمر لم يدم طويلا ليتم إعلامي بعد سنة بعدم تجديد المنحة ومطالبتي بالعودة إلى تونس وما إن عدت حتى أخذوا مني مرة أخرى جواز سفري وكنت على مقربة من مناقشة رسالة الدكتوراه ولم أتمكن من استرجاع الجواز إلا بشق الأنفس لأعود مرة أخرى إلى فرنسا وهناك ناقشت رسالة دكتوراه دولة ومعها تبدأ رحلة أخرى من المشاق والأتعاب في الجامعة التونسية ويبدأ السؤال الذي ظل يرافقني لسنوات لماذا يحصل معي كل هذا ؟ ولماذا أعامل بمثل هذه المعاملة وأنا أول طالب يحصل على الدكتوراه في مادة الآداب ؟ هل لكوني قادم من رافد زيتوني ؟ أم لأني قد زاولت دراستي بالخارج من دون أن أكون من ضمن البعثات الرسمية التي يرسلها الحزب الحاكم ؟
بعد هذه الجولة التي أخذنا فيها الدكتور المنجي الكعبي إلى جانب من مسيرته العلمية وما تعرض له من عقبات في طريق النجاح العلمي والإصرار الكبير على التفوق في زمن كان فيه الحزب والدولة مسيطران على كل شيء وفي زمن كان فيه التفوق غير ممكن من خارج منظومة الحكم ولكن المنجي الكعبي بكثير من الإصرار والتحدي والعزيمة استطاع أن يتجاوز كل العقبات الواقعية والسياسية ليصل إلى ما وصل إليه ولكنه يعترف أن كل ذلك ما كان أن يحصل له لولا دخول القدر في حياته ولولا مساعدة بعض الشخصيات التي وقفت إلى جانبه لتحول حياته نحو الأفضل وهنا لا بد من التنويه على الاقل بشخصيتين مؤثرتين في حياته الوزير محمد مزالي والوالي والمحامي الطاهر بوسمة .
بعد هذه الوقفة القصيرة مع مسيرة حياته العلمية انتقل بنا صاحب الشهادة إلى الحديث عن قضيتين مهمتين الأولى تهم مناظراته ومعاركه الفكرية والثانية اهتمامه بالتأليف والترجمة.
بعد إلتحاقه بالجامعة التونسية قسم اللغة العربية بكلية الآداب بتونس في خطة مدرس مساعد تفرغ إلى جانب التدريس إلى كتابة المقالات في النقد الأدبي فنشر الكثير من الورقات النقدية في الصحافة التونسية دخل بها في معارك فكرية مع شخصيات معروفة في ميدان الفكر والثقافة بلغت أكثر من عشرة معارك. وأولى هذه المعارك مقالات ست نشرت في جريدة الصباح في بداية السبعينات من القرن الماضي كتبها في نقد لكتاب نشره عبد القادر المهيري ( 1934 - 2016 ) وكان حينها عميد كلية الآداب التربية هو جزء من رسالة في الدكتوراه حول مخطوط قديم لسهل بن هارون عنوانه " النمر والثعلب " وهو أول كتاب يتناول مواضيع على لسان الحيوان قبل كتاب كليلة ودمنة قام المهيري بتحقيقه بعد أن وضع له مقدمة وقام بترجمته إلى الفرنسية وقد صدر ضمن منشورات الجامعة التونسية سنة 1973 غير أن مقالاتي النقدية للكتاب التي صححت من خلالها الكثير من الأخطاء قد أغضبت المهيري بعد أن حظيت بانتباه القراء والمهتمين بالشأن الأدبي فكان أن تشدد في موقفه مني وأصر على أن لا أضع قدمي في الجامعة وبقيت أستاذا مساعدا.
المعركة الثانية المهمة كانت مع الدكتور جعفر ماجد ( 1940 - 2009) الذي نشر مخطوطا في علم العروض بعنوان " صنعة الشعراء " نسبه إلى أبي سعيد السيرافي وكان يتباهي بهذا الانجاز الأدبي وقد قرّضه الدكتور الطيب المهيري وأثنى على هذا العمل من دون تدقيق ولا مراجعة فكتبت مقالا نشر بجريدة الصباح انتقدت فيه جملة من الأخطاء وقع فيها جعفر ماجد وعبد القادر المهيري أولها عدم التدقيق في إسم صاحب المخطوط الذي يعود في الأصل إلى إبي الحسين العروضي ولا إلى أبي سعيد السيرافي كما ذكر جعفر ماجد وأخطاء أخرى لم يقع تلافيها من سقطات في الكتاب وعدم التدقيق في المراجع والمصادر فما كان بعد نشر مقالي أن ثارت ثائرة كلية الآداب ضد جعفر ماجد لأنه بكتابه عن العروض قد أساء إلى الجامعة وقلل من مهنيتها ونزاهتها وأظهر أن الجامعة التونسية لا تتوفر على المنهجية العلمية حيث كان من المفروض أن يعود جعفر ماجد في تحقيقه لهذا المخطوط إلى أكثر من مرجع لمعرفة إسم صاحب المخطوط وهذا كان متيسرا حيث كان يكفي العودة إلى المكتبة الوطنية حتى يتعرف على أصل هذا المخطوط وهذا ما أوضحته في مقالي بعد الإشارة إلى وجود أكثر من 40 مخطوط بالمكتبة الوطنية يخص الكتاب.
المعركة الأدبية الثالثة كانت مع الشاذلي بو يحي ( 1918 - 1997) بسبب كتاباتي حول الأديب والنحوي محمد القزاز القيرواني ( 365 ه - 386 ه) منها كتاب عنوانه " القزاز القيرواني حياته وأثاره " وتعريفي بهذا العلم التونسي من مدينة القيروان الذي عاش خلال القرن العاشر ميلادي وتقديمه إلى الجمهور التونسي وإلى الثقافة العربية خاصة ما أوضحته على ما كان عليه المجتمع القيرواني في عهد الدولة الأغلبية من إزدهار وحياة مرفهة غنية وما بلغته الدولة من نجاح اقتصادي مكنها من أن ترسل خراجا عاليا إلى الخلافة في بغداد وما وصلت إليه القيروان من ازدهار علمي وانتشار المكتبات وتوفر المرافق الصحية والاجتماعية الباهرة وقد كانت وقتها قبلة الزوار من كل مكان وكان الرحالة منبهرين بما وصل إليه فن العمارة في القيروان في مساجدها وأسواقها ومستشفياتها وحماماتها وغير ذلك من أوجه من وصلت إليه من حضارة وثراء مادي ومعنوي.
المعركة الرابعة كانت مع الدكتور رشاد الحمزاوي ( 1934 - 1918) وكان وقتها مديرا لمعهد بورقيبة للغات الحية وقد جاء من المشرق بكتاب قال أنه قد ألفه سماه " معجم المفاهيم الحضارية والقانونية والإدارية والاجتماعية والسياسية من خلال الرائد التونسي " تناول فيه مسألة دخول بعض المفردات إلى المعجم التونسي " ونشره وقد وجدت بعد الاطلاع عليه أخطاء معجمية وأخطاء في ذكر السياق كما هو الحال عند الإشارة إلى اليهود حيث وقع في خطأ سببه أنه حينما يذكر أن اليهود قد حضروا مجلسا يسميه تارة المجلس اليهودي ومرة مجلس اليهود ، وكأن لهم أكثر من مجلس والحال أن السياق واحد في الموضعين ، والتعبير كالآتي " حضر الكجلس اليهودي إيلاه المليح " فالمعنى لا يقتضي تسمية مؤسسة بهذا الإسم وإنما مجلس تقاض حضر فيه المعني بالأمر .. " وقد كان نشر هذه المقالات منطلقا لساجالات بين وبينه في الصحافة المكتوبة انتهت بجمعها في كتاب تضمن كل تفاصيل هذه المعركة.
القضية الثانية التي جاءت في شهادة الدكتور المنجي الكعبي تهم مسألة التأليف والكتابة في الصحافة التونسية وكتابة المقالات في النقد الأدبي والتي حولها فيما بعد إلى كتب غير أن الكتابين المهمين اللذين نشرهما للدكتور الكعبي مؤخرا ولم يلقيا من الاهتمام ما يستحقان على أهميتهما وقيمتهما العلمية وراهنيتهما ضمن القضايا المطروحة اليوم بعد الثورة هما كتاب الاتفاقيات بين تونس وفرنسا الصادر سنة 2018 والثاني كتاب في تفسير القرآن وهو مخطوط للشيخ الزيتوني الصادق بالخير السياري الباجي ولكل كتاب قصة وحكاية.
أما الكتاب الأول فعنوانه " الاتفاقيات بين تونس وفرنسا الممضاة بباريس في 3 جوان 1955 في ضوء المداولات البرلمانية بمجلس النواب والشيوخ " فقصة تأليفه كان الحديث الذي ظهر بعد الثورة حول ما حوته وثيقة الاستقلال من مضمون يديم الاستعمار أو يبقي عليه ولكن بشكل جديد والأسباب التي حالت دون نشرها بالرائد الرسمي وكل التشكيك الذي رافق هذا الحديث حول استقلال البلاد في علاقة بكل الاتفاقيات المكملة لوثيقة الاستقلال والتي يقول عنها البعض بأنها أخطر من وثيقة الاستقلال . فمسألة اتفاقيات الحكم الذاتي هو موضوع حسب الدكتور المنجي الكعبي لم يأخذ حظه من الحديث بما يستحق فهذه الاتفاقية لا زالت سارية المفعول و قد أبقت العمل بكل ما اتصل بها من اتفاقيات مثل اتفاقية الحماية واتفاقية المرسى واتفاقية باردو وحتى البند التي ينص على امكانية المراجعة والتعديل لا يحيل إلى إنهاء فك الارتباط النهائي مع فرنسا وإنما التعديلات والمراجعات في اتجاه مزيد من تدعيم الحضور الفرنسي.
واهتمامي بهذا الموضوع بدأ يوم دخلت قبة مجلس نواب الشعب بفضل الطاهر بوسمة والي القيروان آنذاك الذي رشحني لهذا المنصب ، حينها اكتشفت أنه يمكن أن أفيد في مجال التشريع والتقنين بفضل تكويني الشامل وخاصة تخصصي في مجال اللغة العربية فطالبت بالحصول على الاتفاقيات السابقة للاستقلال فقيل لي أنها غير متوفرة وكل ما هو موجود هو الاتفاقيات المنشورة بالرائد الرسمي بداية من سنة 1956 .. تركت الأمر جانبا وانشغلت بأعمال المجلس ولكن الموضوع بقي يخامرني إلى أن صادف أن كنت مارا ذات يوم من بطحاء معقل الزعيم فوقعت عيني على متحف للرئيس بورقيبة فدخلت ألقي نظرة علي ما فيه فوجدت في أول الباب غرفة فارغة بها دفتر قديم ملقى فوق طاولة قلبت الدفتر فإذا بي أمام كراس كبير يحتوي على كل الاتفاقيات التي أبرمتها تونس مكتوبة بخط جميل جدا فحز في نفسي أن يبقى هذا الأثر المهم وهذا المرجع الفريد في هذا المكان فاتصلت بمدير الآثار وأعلمته بوجود هذا الدفتر في هذا المكان وطلبت منه أن ينقذه ويحفظه في مكان آخر يمكن الاستفادة منه أكثر فتم ذلك ولكن منذ ذلك التاريخ اختفى هذا الدفتر ولم نعثر له على أثر .
لم يتوقف هاجسي بخصوص الاتفاقيات المبرمة بين تونس وفرنسا إلى أن ذهبت بعد انتهاء مدة نيابتي إلى مجلس نواب الشعب من جديد وحاولت الحصول على الرائد الرسمي والمداولات لكل الاتفاقيات التي أبرمتها تونس فتم إعلامي بتعذر الاستجابة لطلبي ولكن بعد إلحاحي في الطلب تم توجيهي إلى غرفة موجود بها دفتر قديم حوى على كل الاتفاقيات ولكن نظرا لحالة أوراقها البالية منعت من تصوريها فلم أجد من حيلة إلا تصويرها من خلال الهاتف الجوال وبعد إعادة كتابتها ودراستها ومراجعتها نشرتها في هذا الكتاب الذي جاء في ألف صفحة.
ما يمكن الخروج به من هذه الاتفاقيات التي قمت بتجميعها وتحليلها أنه لا يمكن فهم تاريخ تونس المعاصر من دون الاطلاع على هذه الاتفاقيات وأن أحداث تونس والكثير من القضايا يمكن فهمها بالرجوع إلى هذه الاتفاقيات كما أن الكثير من المواضيع التي هي اليوم مدار خلاف وتقسيم للشعب يمكن أن نجد لها أجوبة واضحة في هذه الاتفاقيات ومن أهم النتائج التي يمكن أن نصل إليها بعد الاطلاع على هذه الاتفاقيات أن تونس حسب اتفاقية الاستقلال الداخلي لا يمكن لها أن تلتحق بأي منظمة عربية أو إسلامية أو أي تجمع آخر ثقافي أو ديني من دون موافقة واستشارة فرنسا وأن تونس لا يمكن لها أن تنضوي إلا تحت الاتحاد الفرنسي الذي أنشأته الجمهورية الفرنسية الرابعة ليحل محل التنظيم الاستعماري الفرنسي القديم ولتنظيم الدول التي أنهت الاستعمار الفرنسي وحصلت على استقلالها وهي منظومة غايتها الإبقاء على المستعمرات الفرنسية القديمة تحت نظام التبعية الفرنسية كما يكتشف القارئ للكتاب و للاتفاقيات بمداولاتها مدى حرص فرنسا على إنسلاخ تونس من قوميتها ودينها وإدماجها في المحيط الأوروبي.
المسألة الثانية الخطيرة في هذه الاتفاقيات وخاصة الاتفاقيتين الثقافية والاقتصادية أن الأولى اعتبرت اللغة الفرنسية ليست بلغة أجنبية وإنما لها نفس المقام والمرتبة مع اللغة العربية وأنها لغة أصلية متطوّرة عن لاتينية الفترة المسيحية بالشمال الافريقي وأما الاتفاقية الاقتصادية فقد أوجبت أن تتم كل المعاهدات التي تبرمها تونس في مجال النقل والتجارة والاقتصاد تحت رعاية فرنسا. فهل بدأنا اليوم نحقق استقلالنا الفعلي بعد أن بدأنا الحديث عن الاستقلال ومناقشة كل الاتفاقيات التي أمضيت عليها تونس مع فرنسا ؟ فهل يبدأ اليوم الاستقلال الحقيقي بعد توفرت الحرية للحديث عن الاستقلال من دون خوف ؟
الكتاب الثاني قصته بدأت مع اتصال إبنة الشيخ الصادق بالخير السياري أصيل مدينة باجة وهو أحد الشيوخ الزيتونيين كان قد كتب مخطوطا في تفسير القرآن الكريم وحاول نشره إلا أنه وجد كل الأبواب موصدة ولم يتحمس إليه أحد من الجهات الرسمية إلى أن عدل عن الفكرة والتفت إلى فلاحته وقد توفى وبقى ما كتبه عند العائلة إلى أن اتصلت بي إبنته وطلبت مني أن أنشر ما كتبه والدها فأعلمتها إني عادة لا أنشر إلا ما أكتبه ولكن لا بأس من الاطلاع على ما تركه المرحوم فقدمت لي عدة كراسات مكتوبة بخط جميل بالحبر الذي كنا نستعمله في المدارس الابتدائية فأخذت كراسا واحدا واطلعت عليه فوجدت أن الرجل قد كتب هذا التفسير بعد تأمل وروية وبعد إطلاع وعلم ولكن ميزته أنه جنس مختلف في ميدانه ويتميز بكونه يمكن اعتباره ينضوي ضمن التفسير الاصلاحي الذي لا نجد منه كثيرا بما يعني أن ما كتبته الشيخ يستحق أن نلتفت إليه ليطلع عليه المهتمون بالتفسير وعندها طلبت من العائلة أن تسلمني باقي الكراسات وكانت في حالة سيئة فقمت بالاعتناء بها وترتيبها وتنظيمها غير أني وجدت كراسا مقطوعا منه بعض الورقات تهم تفسير بعض الآيات التي على ما يبدو قد أخذها أحد المريدين للشيخ وكان ناشطا في مجال حقوق الإنسان على ما أعلمتني به العائلة و كان قد تسلم كامل المخطوط للإطلاع لكنه أعاده منقوصا وبعد أن استحال استرجاع الأوراق المنقوصة قررت أن أكمل النقص بمفردي بعد أن فهمت مقصد ونهج الشيخ في التفسير مع التنبيه إلى ذلك حتى يعلم القارئ أن بعض الآيات هي من تفسيري .
وبعد أن أكملت رقن الكتاب تحت عنوان " تسهيل التفسير " مع إكمال النقص وتحقيق وتقديم للمخطوط وبعد أن خصصت جزءا كاملا للحديث عن سيرة صاحبه قررت نشره بعد استئذان عائلة الشيخ فذهبت إلى وزارة الثقافة حتى أتبين عدد النسخ التي يمكن أن أطبعها بعد معرفة حصة وزارة الثقافة فتم إعلامي بأن الوزارة يمكن أن تقتني 400 نسخة فسرني ذلك وقررت طبع 1000 نسخة ولكن إلى اليوم لم تقتني الوزارة ولو نسخة واحدة وفي الأثناء اتصل بي بنك الزيتونة وأعلمني أن البنك يرصد أموالا للأعمال الدينية الجديدة وأنه قد علم أني بصدد نشر تفسير جديد وطلب مني أن أسلمه النسخة للإطلاع .. ومضت 3 أشهر من دون أن يرجعوا إلي المسودة الأولى التي كتبتها وبعد الحاح أعلموني بأنها عند الشيخ الحبيب السلامي المفتي الأسبق للديار التونسية وهو موجود بالسعودية ولم أتمكن من استعادتها إلا بعد عودة الحبيب السلامي وشرعت في الطبع وبعد أكثر من سنتين من نشر هذا الأخير لتفسير للقرآن، كان يشتغل عليه لأكثر من عشرة أعوام ومن باب الفضول قمت بالإطلاع على تفسيره لأجد فيه أشياء لم تعجبني منها أنه لم يذكر في مقدمة كتابه الشيخ السياري ولم يتعرض إلى تفسيره بالرغم من أنه قد اطلع عليه كما ذكر أنه لم يكتب أي تفسير بعد تفسير التحرير والتنوير للشيخ الطاهر بن عاشور والحال أنه قد اطلع على مخطوط المرحوم السياري، وقد بان لي أنه استفاد من هذا التفسير من دون أن يشر إلى ذلك فكتبت نقدا في تفسير السلامي ذكرت فيه كل مآخذي الذي قلتها في مقال مطول عنونته ب " تصحيح على الشيخ السلامي في تفسيره للدكتور المنجي الكعبي " نشر على حلقات أسبوعية بجريدة الصباح خلال شهري أفريل وماي من سنة 2016 فما كان من السيد المفتي إلا أن قابل كلامي بشتم وتهجم عنيف وإساءة لشخصي والتشكيك في شهائدي العلمية ونشر كل ذلك في مقالات ثلاث تحت عنوان " الكشف المنبي عن زيف الدكتور الكعبي " نشرت بجريدة الصباح في شهر جوان 2016.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.