محمد الصياح"طاب ثراه" (31décembre 1933-15 mars 2018) Bouhjar وبعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أبدأ بالترحم على روح المحتفى بذكراه محمد الصياح طاب ثراه،واستسمحكم سيداتي سادتي، ان اخاطبه مباشرة،لأنهبقيت حروفاسمه بقلبي، والمعاني تعجز الكمات في ذكراه، سيبقى حاضرا في ذاكرتي، أيها الفقيد العزيز نجتمع اليوم لذكراك، بكل خشوع، وقد فارقتنا منذ عام، لكن وجهك النير، وابتسامتك الخلابة،ومسيرتك المثالية في بناء تونس الحديثة، كل ذلك في حاضرنا،رسم في ذاكرتنا والتذكير به لمن لا يعرف تفاصيله، أصبح من الواجب، والبلاد في مأزق حرج سياسيا واقتصاديا وحتى أخلاقيا، ينقصها رجل دولة كمثلك، ويحصل لي الشرف اليوم ان أخاطبك من جديد، من منزلك، وقد قضيت عشرات السنين بجانبك، ودونت ما كنت تكنه لي من محبة اذ وصفتني كاتبا في 8 ديسمبر 1975في اسناد عدد حول منحة الانتاج،وانا اذ ذاك رئيس ديوانك، "السيد رجب حاجي كفاءة عليا و رجل لاعيب فيه في اداء الواجب " وفي اهدائك لي لكتابك "الفاعل والشاهد"كتبت كلمات من ذهب تقول فيها"الى سي رجب الحاجي رجل الوفاء وبعد النظر"كنت ولو بعجالة،اذكر بذلك للتاريخ، أنك من ألمع الشباب في المدرسة الصادقية،ولم يزيدك طردك منها، الا قوة في نضالك، وتعميقالخياراتك، وكان جليا ذلك في اختيارك على راس اتحاد الطلبة،فأبهرت أيضا منابرمؤتمرات الطلبة العالمية بإشراق وجهك، وبراعة كتاباتك،وفصاحة خطابك،وقدرتك على اختيار التوافق منهجا وسبيلا،فترددت الالسن بكفاءاتك، وانت من خرجي دار المعلمين العليا، متحصل على الاجازة في الادب العربي، واختارك المجاهد الاكبر وانت عائد من مؤتمر لقيادة حزبه، وكان صعودك في المسؤولية الى اعلى المناصب، وكانت اشراقاتك في كل ما تحملته، لأنك كنت نجما ساطعا، لا طموح لك غير الصالح العام، وما شهد تاريخ تونس مثلك في العمل على بلوغ اهداف الزعيم الراحل، والتفاني في المهمات التي يكلفك بها، وهي الحث على لم الشمل، والالتفاف حول فائدة تونس،كنت، طيلة حياتك، شخصية مريحة، تتفاعل مع الواقع بجدية، و بحنكة السياسي المحترف، وترمي دائما الى التغلب عن العاطفة،وهي الطريقة المثلىللتصدي لمواجهة المحن والأزمات، والخروج منها باقل الضرر، كنت رائدا لفض المشاكل بالحسنى، وبالحوار المجدي، بعيدا عن الصراعات والمغالاة التي لا تخدم مصير الأمة، تؤمن بالمثالية في السلوك، وحياتك مرآة لذلك،وطوال عشرات السنين التي رافقتك فيها، لم اسمعك يوما تخدش في معارضيك او تلوح بالانتقام من أعدائك،تطمح ان يعيشالمواطن دوما حرا في بلاده، فخورا بتاريخه، يحدوه الامل الى الأفضل، وكان جزاؤك من انقلاب السابع من نوفمبر ان اعتقلت مدة اسبوعين، ووضعت تحت الاقامة الجبرية،والحقت بك في اواخر السبعينات تهمة الخيانة العظمى، استغرق البت فيها خمسة عشر سنة، انصفتنا العدالة فيهانحن نجتمع اليوم لذكراك وكل منا حقائقه، وليس من السهل، وانا رفيق دربك من التعرف بالكفاية على نواياك، فكنت سيدا في الاشارة، وحريصا على المتابعة، رغم تجربتك الواسعة في الدولة والحزب، طيلة سبع وعشرون سنة، وهي مسيرة فذةمن نوعها في اوت 1962 مديرا مساعدا للحزب الحر الدستوري الجديد، وكلفتبادارة "لاكسين"، ثم عينت عام 1964 مديرا للحزب الاشتراكي الدستوري، وفي 1969 كاتبا للدولة للأخبار، وسفيرا لدى الاممالمتحدة في جنيف، ووزير الاشغال العامة، ووزير الشباب والرياضة ،ومدير الحزب ووزير معتمد لدى الوزير الاول، ووزير الاسكان، ووزير دولة مكلف بالتربية، اضافة الى انتخابك خمس دورات متتالية عضوا في مجلس النواب، وكنت مبجلا عند الرئيس بورقيبة، تساهم بكل ما اوتيت من عبقرية، في رسم توجهات دولة الاستقلال، وما البحيرة الا شاهد على انجازاتك، التي لا تحصى و لاتعد، وقد بعثت حزبا حداثيا متطورا،شفافا من حيث الادارة،عصريا في برمجته، يضاهي الاحزاب في البلدان المتقدمة، وجاء مؤتمر الاحزاب الافريقية من 1 الى 6 جويلية 1975 بتونس" عنوانه "النمو المخطط والطرق الافريقية نحو الاشتراكية"،وكان نجاحه كليا،تتويجا لما كنت ترمي اليه، و انت من مؤسسي الاشتراكية الافريقية، و من محرري بنودها، والساهر على الاجماع الذي حصل فيها، تلك هي ما علق في ذهني، والعالم اليوم صعب، وبلادنا اكثر، يسكنها حزن، ويغلب عليها طيش السياسيين الجدد بدون تاريخ يذكر، ويمكن اذا الاستفادة من ما كتبته،لإنّككما توصيني به دائما، انالعمل السيّاسي يتطّلّب تجاوز المصالح الذّاتيّة، والالتزام بمشروع يوحّد القوى، ويشرّك الكفاءات. هذا ما كنت تعيبهعلى النّخب في كثير من الأحيان ، التي ترجع اليها سبب فترات مختلفة من تاريخنا، إلى الصّراعات والى "حلقات المصائب التي هي أكثر خطورة من الاستعمار" كما كنت تؤكده. ورسالتك الى الرئيس الباجي قائد السبسي، عند توليه الوزارة الاولى، تقيم الدليل على أن السّاحة السيّاسية، فقدت رجلا كان بإمكانه استشراف المستقبل، حيث كان سباقا للأحداث، ورائدا من رواد التطور والرقي، في كل الميادين الّتي مارسها، ومقالكالذي ترجمته للعربية هو عصارة افكارك،ووصيتك للمنهج الذي يجب السير فيه،لدعم النظام وانقاض البلادذلك سيداتي سادتي ماجادت به ذاكرتيو لذلك لن اقول لك وداعا،لاننا سنعيد الذكرى، وصور المحبة شامخة، وحبك متجدد لا ينضب،وان الذين نحبهم لا نودعهم، لانهم في الحقيقة لم يغادروننا، ومع عودة الذكريات يعود الامل، وأقدم للعائلة جزيل الشكر والعرفان على ما حباني به طول حياته، وأعيد كتابة اهدائه "سي محمد كان رجل الوفاء وبعد النظر طول حياته"وفي خاتمة هاته اللمحة لا يفوتني الا ان اترحم على ابنك زياد وقد اختطفته المنية في عنفوان شبابه،راجيا من الله أن يرزق كل أفراد عائلته وسائر أصدقائه ومحبيه،جميل الصبر والسلوانولنتذكر جميعا قوله تعالى في صورة البقرة:" أولئك الذين أصابتهم مصيبة قالوا ان لله وان اليه راجعون"والآية"أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون" صدق الله العلي العظيم والسلام عليكم