اتضح اليوم أنه لدينا مشكلة كبرى في التواصل الإعلامي ومشكلة أخرى في إيصال المعلومة ونقلها للناس صحيحة كما جاءت ومشكلة ثالثة في كيفية التعامل مع الكم الكبير من المعلومات الوافدة على المتلقى من دون تشويهها أو إخراجها من سياقها وإطارها العام وتوظيفها من قبل بين الناس لأغراض شتى في غالبها سياسية وإيديولوجية وخطورة هذا الواقع الإعلامي الذي يأسرنا يكمن في عملية التوجيه الذي يخضع لها الجمهور المتلقي وعملية التلاعب بعقله والأخطر من ذلك هو الترويج لأخبار ومعلومات لا أساس لها من الصحة وغير موجودة أصلا وهي من تأليف أصحابها ومن نشر الخبر وبث المعلومة على نطاق واسع قد تؤدي إلى اتخاذ موقف خاطئ أو انتاج معرفة وثقافة مزيفتين ومن الأمثلة على كل هذا التلاعب الاعلامي وهذا الزيف الذي يحصل في الكثير من وسائل إعلامنا الخبر الذي تم تناقله في الآونة الأخيرة وعلى نطاق واسع في شبطة التواصل الاجتماعي " الفايس بوك" ورددته الكثير من وسائل الاعلام دون تثبت ولا اطلاع على صحة الخبر وحقيقته من مصدره. هذا الخبر يقول : " إن زياد العذاري القيادي في حركة النهضة والوزير الحالي في حكومة يوسف الشاهد هو من سيتولى رئاسة الحكومة المقبلة " هكذا ورد هذا الخبر من دون توضيح لسياقه وحقيقته. إن كل الحكاية التي شغلت الناس بعد نشر هذا الخبر بالصيغة التي ظهر عليها في وسائل الاعلام وإن أصل الموضوع الذي فرض النقاش والاختلاف حوله يعود في الأصل إلى تحليل قام به حسن الزرفوني صاحب مؤسسة " سيغما كونساي " المتخصصة في عمليات سبر الآراء في إذاعة " موزاييك أف أم " في حصة " ميدي شو " ليوم الاثنين 8 أفريل الجاري حيث عرض نتائج سبر الآراء لنوايا التصويت في الانتخابات التشريعية المقبلة التي أجرتها مؤسسته خلال شهر أفريل الجاري والتي أفرزت من خلال عينة مختارة من المستجوبين بالاعتماد على طريقة الأجوبة العفوية التي تضع المستجوب في وضعية الخلوة يوم الانتخابات احتفاظ حركة النهضة بالمرتبة الأولى بنسبة في حدود 24.5 % ثم تأتي في المرتبة الثانية حركة تحيا تونس ب 16.8% وفي المرتبة الثالثة حركة نداء تونس ب 16.3% وفي المرتبة الرابعة نجد الحزب الدستوري الحر ب 9.9 %وفي المرتبة الخامسة نجد الجبهة الشعبية ب 6.7% ويأتي في المرتبة السادسة التيار الديمقراطي ب 5.6%. في هذه الحصة قام الزرقوني بتحليل مهم لهذه النتائج التي أفرزها سبر الآراء ستة أشهر قبل إجراء الانتخابات التشريعية حيث أوضح أن حركة النهضة حافظت على نفس النسبة في نوايا التصويت وهي في حدود 24% وهي بذلك تحافظ على صدارتها للمشهد السياسي ولم تتأثر بالاتهامات التي يوجهها لها خصومها وخاصة اتهماهما بأن لديها جهازا سريا وضلوعها في الاغتيالات وتحملها المسؤولية السياسية مع اتهاماتها بفشلها في الحكم وهذا يعني أن للنهضة خزانا انتخابيا صلبا وثابتا وهو وفيّ للحركة ويلتمس لها الاعذار في أدائها السياسي نتيجة صعوبة المرحلة وعسر تحقيق نتائج سياسية أفضل في ظل واقع سياسي تعرف فيه الحركة محاصرة من كل جانب ومحاولات لتشويهها ولكن مع هذه القاعدة الانتخابية الصلبة فإن النهضة تتوفر على خزان انتخابي احتياطي يمثله المتعاطفون معها والقريبون منها من الذين صوتوا لها في سنة 2011 وكان حجمها وقتها في حدود 30 % هذا الخزان الاحتياطي تراجع عن التصويت لفائدتها في سنة 2014 وهو خزان من الممكن تستعيده في أي لحظة كما يمكن له أن يعطي أصواته لأحزاب أخرى. أما بالنسبة للأحزاب الثلاثة التي تنسب نفسها للحزب الدستوري والقاعدة التاريخية لحزب التجمع وهو منقسم وتشتت وموزع على أحزاب كثيرة فإن هذه النتائج قد أوضحت جليا أن هناك نزاعا قويا بين حركة تحيا تونس التي عرفت تقدما ملحوظا من شهر إلى آخر وحركة نداء تونس التي عرفت تراجعا ملحوظا ولكن الملفت أن هذه الأخيرة رغم ما حصل لها من تشقق وتصدع وهزات قاتلة لازالت تحافظ على ثقة جزء من الخزان الانتخابي للنداء التاريخي رغم تراجعها إلى المرتبة الثالثة بعد ان كانت تحتل المرتبة الثانية وهو ما يعطي الانطباع على قدرة هذا الحزب على الصمود والاحتفاظ بقاعدة انتخابية مهمة رغم كل ما حصل له. وبالنسبة للحزب الدستوري الحر الذي عرف تقدما في هذه النتائج بحصوله على المرتبة الرابعة وبذلك يتقدم على أحزاب مهمة كالجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي فإن الملاحظة العامة التي نخرج بها من النتيجة التي حصل عليها وهي في حدود 10% من نوايا التصويت تفيد أن هذا الحزب ينهل بالأساس من الخزان التاريخي لحزب النداء وأنه يمثل الوعاء والحاضنة للصوت الراديكالي المتطرف في حزب نداء تونس التاريخي والشق الذي مازال يحن إلى عهد بن علي ومنظومة الحكم ما قبل الثورة وهو يمثل الصوت الأعنف والأكثر جذرية في النداء التاريخي لذلك يمكن تصنيفه بالحزب الدستوري المتطرف أو بالتجمع الراديكالي الشبيه بالأحزاب اليمينية العنيفة المتطرفة فهو حزب لم يقبل بالثورة ولا بالديمقراطية التي جاءت بها الثورة ويرفض منظومة الحكم الحالية ويرفض الكل ولا يعترف بمنظومة 18 اكتوبر التي تشكلت سنة 2005 في المهجر وجمعت كل الطيف السياسي المعارض لبن علي و التي وجدناها تحكم بعد الثورة هذا الحزب برنامجه الوحيد مهاجمة الاسلاميين " الخوانجية " واحتقار الثورة وهو يعد بمنع قيام أحزاب على أساس ديني ومن خلال تحليل العينة التي تسانده يتضح أنه يستميل جزءا من أبناء الشعب وجانبا من النداء التاريخي لكونه يمثل امتدادا لبن علي ويبشر باستعادة منظومة الحكم السابقة وهو بذلك يمثل الصوت الذي يحن إلى العهد القديم والذي يصعب استعادته . مشكلة هذا الحزب أنه لا يمكن أن يتمدد أكثر وافقه الانتخابي محدود تسبيا والإمكانية الوحيدة التي يمكن بها أن يتوسع انتخابيا هي ضمن المخزون التاريخي للنداء أي أن غريمه الأصلي ليس حركة النهضة أو الجبهة الشعبية أو تحيا تونس وإنما الغريم الحقيقي هو نداء تونس وهذا يعني أن حيازته على أصوات أكثر تسمح له بالتقدم لن يكون إلا من خلال استمالة ناخبي نداء تونس الحالي وعلى حساب الخزان التاريخي للنداء أما لو حافظ النداء على وفاء ناخبيه الحاليين فإن تقدم الحزب الدستوري الحر سوف يكون صعبا ولن يتجاوز حجمه الحالي. يعتبر حسن الزرقوني أنه ما لم تحصل في المدة القادمة تغييرات في المشهد السياسي وبقى على الوضع على حاله فإن نوايا التصويت لن تتغير وسوف نجد تقدما واضحا لحركة النهضة في الانتخابات التشريعية المقبلة وبفارق مهم وعندها سوف يكون رئيس الجمهورية مجبرا على تكليف النهضة بتعيين شخصية لتقلد منصب رئيس الحكومة وعندها سوف نجد زباد العذاري رئيسا للحكومة - قالها مازحا - كما اتعتبر أن المشهد السياسي لن يتغبر في هذه الأشهر القليلة إلا بحصول تحالفات من نوع تحالف الأحزاب الثلاثة التي تدعي انتماءها للعائلة الدستورية الكبرى وهي تحيا تونس ونداء تونس والحزب الدستوري الحر حيث أنها تمثل مجتمعة حوالي 40% من أصوات الناخبين في نوايا التصويت وهذا ممكن لأن جميعها ينهل من نفس الخزان الانتخابي تقريبا فقط المشكل الوحيد في هذه الفرضية هو معرفة موقف الطيف اليساري الموجود في حركة تحيا تونس وحزب نداء تونس من التحالف مع عبير موسي ؟ هل سينسى هذا الطيف اليساري المؤثر بقوة في هاذين الحزبين ما فعله حزب التجمع الذي تنتمي إليه عبير موسي وكل سياسته في زمن الاستبداد ؟ هل سيتجاوز ما فعله النظام القديم الذي كانت تنتمي إليه موسي من افساد للحياة السياسية وإفساد آخر للبلاد ؟ وهل يقبل أن تكون عودة بن علي من جديد على يديه في صورة عبير موسي التي تمثل عودة للقديم واستنساخا لمنظومة حكم بن علي ؟ ما أردنا قوله بعد كل هذا البسط الموجز لتحليل حسن الزرقوني لنتائج سبر الآراء الأخيرة لشهر أفريل الجاري هو أن ما جاء في تحليله أهم بكثير مما نشر حول تولي زياد العذاري منصب رئيس الحكومة الذي ذكره الزرقوني في عملية استشرافية واستباقية لصورة المشهد السياسية بعد انتخابات 2019 وفي قالب مزحة تقوم على فرضية عدم حدوث طارئ قد يغير من اتجاهات الرأي العام ونواياه في التصويت خاصة وأن حركة النهضة هي الحزب الوحيد الذي حافظ على خزانه الانتخابي مقارنة مع غيره من الأحزاب.