نظم أعوان شركة نقل تونس إضرابا الأسبوع الماضي للمطالبة بإقالة الرئيس المدير العام وبعض المحيطين به بتعلة أنهم من رموز النظام النوفمبري... وانقطعوا عن العمل لأربعة أيام أو أكثر كانت نتيجتها فوضى عاشها التونسيون الذين وجدوا أنفسهم في التسلل في غياب "الكار الصفراء" _والواقع أننا لم نفهم سر اختيار الأصفر لونا للحافلات كما للتاكسيات وربما كان ذلك لحكمة لا يعلمها إلا ذوو العقل والتدبير من كبار القوم ولعلهم أرادوا دعوتنا إلى التفكر في الآخرة بما أن اللون الأصفر هو لون نعوش الموتى_ التي صبروا على تأخرها وازدحامها وتعسف "الخلاص" و"المراقب"، وسرعة السائق الذي لا يجد أي حرج في التعدي على القوانين المرورية بحرق الإشارة الحمراء والهجوم على السيارات _اسألوا زميلنا حسان الطاهري فهو ضحية الكار الصفراء كما كان سابقا ضحية المديرة البنفسجية لإحدى إذاعاتنا_ وعلى المترجلين ما دامت هناك شركة تحميه وتزور التقارير التي تصوره دائما "صاحب حق" من دون وجه حق... إن اعتصام أعوان هذه الشركة وإضرابهم وإن كان حقا نقابيا لا جدال فيه إلا أنه سلوك غير مقبول لأن السادة الأعوان يشتغلون في مؤسسة عمومية ويتعين عليهم تأمين الحد الأدنى من الخدمة فانقطاعهم جميعا عن العمل يضع المواطنين في مأزق، لأن "الكار الصفراء" هي الحل الوحيد المتاح بالنسبة إلى عدد كبير جدا من التونسيين، ولا يمكن أن ننسى مشهد تونسي قطع مسافة ساعة ونصف الساعة بالسيارة، مترجلا، ولن ننسى مشهد رجل آخر وهو يعترف على شاشة الجزيرة طبعا لأن صحافيينا الوطنيين جدا في الوطنية كانوا وقتها مضربين عن العمل، أنه لا يملك سوى 500 مليم، فكيف يتصرف في تنقله بين منوبة والشرقية في ظل إضراب "الكار الصفراء"؟؟ الإضراب هو أيضا ثقافة، وأن تضرب لا يعني أن تشل الحركة _وهي بطبعها مشلولة_... هناك أساليب آخرى للاحتجاج كوضع شارات حمراء في اليد اليمنى أو اليسرى _لن نفتي في هذا حتى نترك للمجتهدين مجالات للافتاء_ مع آداء واجبهم المهني احتراما للمهنة وللمواطن الذي يدفع من جيبه ومن أعصابه ومن وقته أيضا في ساعات الانتظار الطويل الممل مقابلا باهضا لهذه الخدمة... يحق لكل تونس اليوم أن تطالب بحقها في "التنظيف" من الأرشيف النوفمبري الذي اكتشفنا فضاعة ملفاته النتنة، ولكن التنظيف دائما يبدأ من الذات فما الفائدة من التخلص من رؤوس "الداء" وتحافظ الفروع على سلوكاتها التعسفية؟؟ فليبد أعوان شركة نقل تونس استعدادا حقيقيا لخدمة المواطن واحترامه، ولتتخلص "الكار الصفراء" أولا من عقدة "التكبر" في الطريق، فتلتزم باحترام القوانين واحترام شركائها في الطريق من سيارات ومترجلين عزل من كل قوة تضاهي ارتفاع السواق وجبروت كثير منهم، دون أن تظهر في المشهد مثل "الغول" الذي يلتهم الأخضر واليابس في الطريق... هذه السلوكات الخطيرة أولى بالاعتصام والإضراب، وأحق بالمراجعة، أما شل الحركة ووضع التونسي في التسلل فهو موقف لا يستحق احتراما أو مساندة من أي طرف، وتونس الحرة الساحرة في حاجة إلى من يرعى مصلحة أبنائها اليوم على الأقل في هذه المرحلة الاستثنائية من تاريخنا...