قبل سقوط النظام باسابيع قليلة كان النظام البائد يفاخر بتدخلات الصندوق الوطني للتضامن 26-26 فقيل انه ساهم منذ إحداثه والى غاية سنة 2010 في تحقيق عديد المكاسب والانجازات من خلال تدخلات شملت بالخصوص البنية الأساسية والمرافق الجماعية وإحداث موارد الرزق باستثمارات جملية فاقت 78 مليون دينار استفادت منها 16374 عائلة وشملت 106 مناطق. وقيل ان تلك الاستثمارات خصصت لتزويد 8889 أسرة بالنور الكهربائي وبالطاقة الشمسية و7257 عائلة بالماء الصالح للشراب فضلا عن إنجاز 7373 مسكنا وحوالي 175 كلم من المسالك الفلاحية وبناء 19 مدرسة ابتدائية و14 مركزا للصحة الأساسية إلى جانب توفير موارد رزق لأكثر من 7 آلاف منتفع بكلفة جملية ناهزت 10 ملايين و500 ألف دينار في قطاعات الفلاحة والصناعات التقليدية والمهن الصغرى. جندوبة لم تر شيئا! ولأن الكلام وحده ممكن في غياب التتبع والمراقبة والتقصي، فقد تمت الافادة ان ولاية جندوبة التي راينا خلال الايام القليلة الفارطة عددا كبيرا من متساكنيها وخاصة متساكني اريافها يشكون المذلة والشقاء والتهميش والجوع والعري، زعموا انها من بين أهم الجهات المنتفعة بتدخلات الصندوق الوطني للتضامن 26/26. كما قيل ان الاعتمادات التي تم صرفها في الجهة من قبل الصندوق منذ إحداثه فاقت 75 مليون دينار وخصصت أساسا لدعم التنمية والنهوض بالمناطق الريفية والحدودية. وقد ذهبوا الى ابعد من ذلك واعتبروا ان تلك الاعتمادات مكنت من بناء وتحسين 5036 مسكنا واحداث 19 مستوصفا و13 نواة مدرسة ابتدائية وتسييج 42 أخرى وتهيئة وتعبيد 319 كلم من المسالك والطرقات وبعث مشاريع وموارد رزق لفائدة 4715 منتفعا وتنوير 5115 مسكنا بما ساهم في الترفيع في نسبة التنوير الريفي من 35 بالمائة سنة 1987 الى 99.5 بالمائة حاليا إضافة إلى تزويد 6800 عائلة بالماء الصالح للشرب وتهيئة فضاءات ترفيهية. موارد الصندوق تقدم في شكل هبات رئاسية؟ مشاريع وهمية عديدة تحدثوا عنها وقالوا إنها ساهمت في القضاء على فك عزلة العديد من المناطق الداخلية لهذه الجهة وإدماجها في الدورة الاقتصادية للبلاد وتحسين ظروف عيش متساكنيها، حديث متكرر وطويل عن مساهمة الصندوق في النهوض بالأحياء الشعبية بالمدن الكبرى وتحسين البنية الأساسية بتركيز شبكة لصرف المياه المستعملة وتعبيد الطرقات وتنوير عمومي ومد قنوات لصرف مياه الأمطار ودعم التجهيزات الجماعية، منها قاعة للرياضات الفردية ومنطقة خضراء ومنطقة ترفيه للأطفال. وعوض أن يعتني نظام بن علي بهذه الجهات خصوصا أنها لا تنقصها لا الثروات الطبيعية ولا البشرية ويخصص لها المشاريع فإنه لم يجد لها من حل سوى "تنظيم الصدقة" لها عن طريق صندوق 26/26 المستعمل للنهب من جهة وللإشهار السياسي من جهة ثانية. فالأموال التي تجمع له في شكل أداءات غير معلنة لا أحد يراقبها. ولعلها تقدم إلى بعض الفئات من المواطنين في شكل "هبات رئاسية". اختلال تام بين الاحياء الغنية والفقيرة ولم تشهد العلاقة بين المدن والأرياف أي تحسن جوهري في عهد بن علي. فأبناء الريف وبناته محكوم على معظمهم بالبطالة. والقروض موجهة أساسا إلى دعم الفلاحين الكبار بينما الفقراء والصغار من الفلاحين يحصلون على قروض بؤس تستغلها البنوك لنهبهم. كما أن الاعتمادات المخصصة للأرياف سواء في مجال التعليم أو الصحة هي دون حاجاتهم بكثير. فأعلى نسب الأمية بالأرياف وأدنى نسب تواجد الأطباء والمصحات والمستشفيات بالأرياف ولا وجود لدور ثقافة أو قاعات سينما أو فضاءات مسرحية في أرياف تونس. وكذلك خدمات النقل والاتصال فهي شحيحة. هذا دون التحدث عن عدد العائلات التي لا يصلها الماء الصالح للشراب ولا التنوير ولا أي امتياز من الامتيازات التي قالوا ان صندوق النهب 26-26 احدثها في الارياف ..فأين ذهبت أموال الشعب خلال فترة حكم الرئيس المخلوع ؟ ولم لا يجد أبناء الريف من مخرج سوى النزوح إلى المدن أو الهجرة إلى الخارج بحثا عن لقمة العيش؟ ويمثل تعمق الاختلال بين الأحياء الغنية والأحياء الفقيرة في المدن إحدى نتائج اختيارات بن علي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومن لا يمكنه أن يلاحظ الاختلال المتفاقم بين هذين النوعين من الأحياء سواء كان ذلك في العاصمة أو في مدن تونس الأخرى؟ ويشمل هذا الاختلال كافة المجالات. فالعناية بالنظافة والتطهير والإنارة والمرافق الخاصة بالصحة والتعليم والرياضة والثقافة والأطفال لا تقارن. فأهم الاعتمادات على مستوى الحكومة والولايات والبلديات توجه إلى الأحياء الغنية على حساب الأحياء الفقيرة وهو ما زاد في تدهور ظروف سكانها الذين يعرفون أعلى نسب الأمية في المدن وكذلك الانقطاع عن الدراسة والبطالة والفقر والجريمة والمرض والهجرة إلى الخارج. ويكفي المرء أن يقارن الوضع بحي التضامن أو الملاسين أو الزهروني بالوضع بميتيال فيل أو قرطاج أو قمرت. صندوق وهمي لم يتضامن إلا مع نفسه! صندوق التضامن الوطني الوهمي الذي لم يتضامن مع أي فقير تونسي والذي تم من خلاله نهب اموال الشعب واموال المؤسسات التي كان مفروض عليها التبرع شهريا لفائدة الصندوق تم بعثه للنهب والاشهار السياسي وتلميع الصورة فقط ..ولعل أكبر دليل على ذلك هو العائلات التي شاهدنا كيف تعيش في أرياف جندوبة والقصرين وغيرها من المناطق الداخلية وكيف تفتقر الى ابسط الحاجيات الضرورية للتمكن من العيش الكريم ..جندوبة التي قيل ان الاعتمادات التي تم رصدها لها من قبل الصندوق بلغت قرابة 80 مليارا مازال سكان الارياف فيها يعيشون بلا ماء ولا كهرباء وبلا طرقات وبلا عمل بل انهم وزيادة على فقرهم هم مطالبون بالتبرع لصندوق النهب ..ارياف تعيش تحت الذل وفي الظل باعتبار انها مخفية وغير ظاهرة للعيان ولا يمكن كشفها حتى ..ارياف تتنفس الموت واموال الصندوق الذي تبرع له القاصي والداني للقضاء على الفقر في بلادنا وللنهوض بمستوى العيش الكريم اختفت ولم يعرف احد منا الى اين ذهبت ولا كيف انفقت ولا من نهبها ومن استولى عليها ..وحتى لجنة تقصي الحقائق التي تطرقت الى الموضوع افادت ان هناك ملفات عن صناديق النهب التي انشاها بن علي ولكن الى حد الان لم يقع النظر فيها ..فهل تكشف الايام القليلة القادمة عن مصير اموال الشعب التي جمعت للفقراء ولم توزع لهم ؟