وزيرة العدل تنفي تطبيق المرسوم 54 في علاقة بحرية التعبير، ودخول أي سجين في إضراب جوع وحشي    البرلمان والمجلس الوطني للجهات والاقاليم يشرعان في مناقشة ميزانية وزارة السياحة المخفضة عن مستوى العام الماضي    بطولة النخبة لكرة اليد: نتائج مباريات الجولة الرابعة عشرة    عاجل/ بشرى سارة بخصوص زيت الزيتون لهذا العام..    ارتفاع نسبة البطالة إلى 15.4 بالمائة خلال الثلاثي الثالث من سنة 2025..    الرابطة المحترفة الثانية (الجولة التاسعة): نتائج الدفعة الاولى والترتيب..    رأي: الإبراهيمية وصلتها بالمشروع التطبيعي الصهيوني    تدشين مركز تثمين التراث بشنني    في مهرجان الأردن المسرحي: مسرحية «عطيل وبعد» تحصد 3 جوائز    أخبار النادي الصفاقسي: بن علي يعود وتصعيد خطير في ملف التحكيم    صفاقس: تدشين قاعة مخصّصة للطلبة المصابين بمرض السكري بكلية الحقوق بصفاقس    المهدية ..بعد تسجيل نقص في المادّتين بالأسواق ..تخصيص كمّيات استثنائية من السكر والفارينة    مع الشروق : خيارات الشراكات الاستراتيجية    بن عروس .. .مظاهر مزرية بمحيط معهد ابن منظور    الأمطار المتساقطة في تونس أقلّ من المعدّل المعتاد    ألعاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): برونزية لمحمد أمين الزغلامي في التايكواندو    بورصة تونس تحتل المرتبة الرابعة على مستوى البورصات العربية    كاس افريقيا للامم للرقبي السباعي للسيدات بكينيا: المنتخب التونسي يلاقي اوغندا في ربع النهائي    الفن والأدب واللغة والسلطة موضوع ندوة فكرية بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة    هواتف ومواد تجميل وقطع غيار السيارات: هذا ما تحجزه الديوانة في تونس    زيادة ب41 مليون دينار في ميزانية وزارة العدل... وين بش تمشي الأموال؟    تخفيض أسعار البطاقة البرتقالية التي تحمي سيارتك في الطريق الى الجزائر وليبيا    مختصون في الصحة: المضادات الحيوية جائحة صامتة    المعهد الوطني للرصد الجوي: أكتوبر 2025 أكثر حرارة من المعدل العادي    النائبة فاطمة المسدي تدعو الحسم القضائي في ملفي الإرهاب وتوطين الأفارقة    عاجل يهمّ كل التونسيين: عودة خطّ الحافلة رقم 29    احباط تهريب كمية من الكبد الحيواني المجمّد..خبر_عاجل    قنبلة الصين الجديدة.. جيش التحرير يفاجئ العالم بسلاح غامض    خطة لاستفزاز زعيم كوريا الشمالية عبر طائرات مسيرة سرية.."باءت بالفشل"    البرازيل: رفض استئناف بولسونارو ضد حكم سجنه 27 عاماً    المجلس الجهوي لهيئة الصيادلة بالجنوب ينظم الايام الصيدلانية 28 بالجنوب بمدينة دوز من 19 الى 21 ديسمبر 2025    وراء الكواليس.. وثائق جديدة للكونغرس تفضح تواصل علاقة إبستين مع النخبة العالمية بعد إدانته    معهد الإحصاء: النشاط الإقتصادي يسجّل نموّا بنسبة 2،4 بالمائة    الكافيين...وقتاش يتحولّ التاي والقهوة لخطر على صحتك؟    مباراة ودية: تشكيلة الترجي الرياضي في مواجهة الإتحاد العسكري الليبي    بسبب التأشيرة: هؤلاء اللاعبين يتخلّفون عن مباراة تونس والبرازيل في فرنسا..#خبر_عاجل    عاجل/ وزير التجارة يكشف عن آخر الاستعدادات لشهر رمضان    تحكيم تونسي في قلب نهائي المونديال: شوفوا الاسماء الحاضرة    طقس السبت : هكّا بش تكون الاجواء    عاجل : لأول مرة ...منظمة الصحة العالمية تكشف عن أخطر الأمراض المعدية    هذا ما تقرّر ضد 4 فتيات اعتدين بالعنف على تلميذة في سيدي حسين..#خبر_عاجل    ترامب يعلن أنه سيناقش "اتفاقيات أبراهام" مع بن سلمان بالبيت الأبيض    بوعسكر يقدم لرئيس الدّولة تقريرًا بنشاط هيئة الانتخابات    عاجل: سعيّد يحمّل المسؤولين مسؤولية 'المرحلة' ويؤكّد : لا تسامح مع الإخلال بالواجب    بمشاركة "دلتا".. الجيش الأمريكي بانتظار "ساعة الصفر" لضرب فنزويلا    فرار إرهابيين من السجن: تأجيل القضية إلى ديسمبر المقبل    هيئة الانتخابات تنظم تظاهرات بالمدارس والمعاهد في الجهات لتحسيس الناشئة بأهمية المشاركة في الانتخابات    السويد: قتلى ومصابون في حادث اصطدام حافلة في ستوكهولم    توافق إفريقي بين تونس والجزائر والسنغال والكونغو حول دعم الإنتاج المشترك وحماية السيادة الثقافية    شوف وقت صلاة الجمعة اليوم في تونس    يتسللان الى منزل طالبة ويسرقان حاسوب..    عاجل: وزارة التربية تفتح مناظرة نارية...فرص محدودة    الجزائر: 22 حريق في يوم واحد    ''حُبس المطر'': بالفيديو هذا ماقله ياسر الدوسري خلال صلاة الاستسقاء    الجمعة: الحرارة في ارتفاع طفيف    كم مدتها ولمن تمنح؟.. سلطنة عمان تعلن عن إطلاق التأشيرة الثقافية    ديوان الافتاء يعلن نصاب زكاة الزيتون والتمر وسائر الثمار    عاجل : وفاة المحامي كريم الخزرنادجي داخل المحكمة بعد انتهاء الترافع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد المحسن يكتب لكم : لا حرية للوطن ولا تقدم للمجتمع بغير الديموقراطية...
نشر في الصريح يوم 08 - 05 - 2019

بين عامي 1967 و 1979 اثنا عشر عاما وعدة حروب وهزائم عربية.

بين التاريخين أيضا حروب وانتصارات غير عربية.

بين التاريخين كذلك عدة متغيرات عميقة شملت العرب وغير العرب المنتصرين والمنكسرين على السواء.

ولكن لماذا العام 1967 ولماذا العام 1979؟ ألأنهما بالنسبة لنا نحن العرب، هما على نحو ما تاريخ واحد؟ فالهزيمة العربية المدوية-وفي القلب منها كانت الهزيمة الناصرية-لم تثمر العلقم إلا في معاهدة الصلح المنفرد، بمعنى أن العدو انتظر أكثر من عشر سنوات ليجني ثمار حرب الأيام الستة.

ألا يعني ذلك على نحو آخر أنّ مقومات الهزيمة، رغم حرب تشرين الأول 1973،بقيت كما هي في الجوهر، حتى أنها حين تكرست بزيارة رئيس أكبر دولة عربية للقدس المحتلة، كانت تصرخ-تلك المقومات-بأنها الأقوى والأشمل والأعمق غورا في أرض العرب، من كافة المظاهر السطحية الأقرب إلى المظاهرات في مقدمة جنازة؟

وهل كان النموذج الناصري المهزوم عسكريا واقتصاديا واجتماعيا في العام 1967 نمطا مصريا خاصا لا يقبل التعميم العربي، وهل كانت مصر-تشرين الأول 1973 والخيمة 101 واتفاقية سيناء الثانية وزيارة العدو واتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة واشنطن-مصر مصرية، أم كانت مصر عربية شاملة، مجرد نموذج رائد في النهضة والسقوط للعرب جميعا؟

والجواب أنّ الناصرية كانت نموذجا لا حالة فردية خاصة بمصر، فغياب الديموقراطية كهمزة وصل بين التحرير والتنمية كان أسلوب كافة الأنظمة “الإصلاحية” العربية. كما أن مصر-المعاهدة، هي النموذج المكثف لكافة الأنظمة السلفية.. فالهزيمة في العام 1967 وتكريسها في العام 1979 كان انجازا عربيا شاملا تحتل فيه مصر موقع الصدارة والمسؤولية بحكم قيادتها للنموذجين الإصلاحي والسلفي معا.

عروبة الهزيمة تكاد ترادف بمعنى ما عروبة مصر، فأصل الأصول هو النمط الإقتصادي-الإجتماعي، وفرع الفروع هو زيارة “إسرائيل” وتوقيع المعاهدة. النمط الناصري الغالب على مختلف الأنظمة الوسطية، هو غياب الربط بين التحرّر الوطني والتحرر الإجتماعي، أي غياب الصيغة الديموقراطية القادرة وحدها-بمشاركة الجماهير المستفيدة من التحرر المزدوج-على صنع القرار وحماية تنفيذه.

هذا النمط تحت أسماء مستعارة، هو الذي رسّخ الهزيمة ولا يزال، في كافة النظم التي لم يحكمها عبد الناصر، بل وبعد غياب الرجل بعشر سنوات.

إنّ القبول العربي التدريجي والشامل لما كان مرفوضا من البعض وعبد الناصر بعده حي، كقرار مجلس الأمن رقم 242 قد أصبح القاسم المشترك- أو الحد الأدنى- بين العرب جميعا، الأمر الذي يعني أنّه الحد الأقصى لغالبية العرب.

مصر- السادات بدورها، ليست أكثر من “نمط”. فالإنفتاح الإقتصادي والتحالف مع أمريكا واغتيال كافة أشكال الديموقراطية ودعم الإتجاهات الثيوقراطية وضرب العلمنة، كلها عناوين رمزية لأسلوب حياة وموت الأنظمة السلفية التي ترفض علنا الصلح مع العدو، وتقبل علنا أيضا كل ما دعا إليه السادات في ذروة الحرب من مؤتمر جينيف إلى الدولة الفلسطينية يقبلون كل المقدمات ويرفضون بعض البعض من جزئيات النتائج وتفاصيل النهايات وحتى هذه لا يرفضونها سرا.

على طول المسافة بين الهزيمتين، كان النظامان -الإصلاحي والسلفي- يلتقيان في الإرتباط البنيوي أخيرا، بالسلسلة الإستعمارية لدورة رأس المال العالمي حيث القهر القومي والوطني والإجتماعي والفردي، هو المسلسل الحتمي التابع، الأمر الذي يكرّس “زحف الهزيمة الطويل” في التخلّف والدكتاتورية ونقصان السيادة الوطنية وهو أيضا الأمر، الذي تتفرّع عنه حروب القبائل والعشائر والطوائف، وتغير اتجاه البنادق إلى حروب الإخوة. كما تتفرّع عنه مذابح الفقراء على موائد الأغنياء، ومجازر الحلفاء على موائد الأجنبي يتدهور الإقتصاد ويتحلّل المجتمع وتزدهر الأمية الأبجدية والأمية الثقافية وتنقلب بعض القيم الأساسية رأسا على عقب في زمن قياسي.

حرب لبنان،حرب مصر-ليبيا،حرب الصحراء الغربية،يكفي؟ خطف على الهوية الدينية والعرقية والسياسية، من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.ومن الشمال إلى الجنوب تعذيب يفضي إلى موت.ومن قلب الكلية العسكرية في قلب العاصمة المصرية إلى الكلية الحربية في قلب حلب السورية، يستأنف المتطرفون الإرهاب الديني وحمل السلاح.والسجن العربي يضيق بسكانه من العرب، كالسجن الصهيوني تماما من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، تأتي علامة المهدي المنتظر الذي لا يأتي.ترتفع أسعار النفط في بلاد النفط،وأسعار القطن في مزارع القطن.وتغادر مياه النيل الوادي العطشان لتروي صحراء العدو، تماما كتحوّل النفط العربي الإسلامي في أنابيب أمريكا إلى قذائف إسرائيلية على جنوب لبنان.

إنّ خط الإنكسار العربي خلال تلك الفترة كان يتناقض بصورة مأساوية مع صورة العالم من حولنا .فحين كانت تلتهب حرب لبنان عام 1975، كانت فيتنام تحصل على إستقلالها من أعتى قوّة مسلّحة في التاريخ، وحين كان “أحدنا” ينحني دون خجل أو وجل للعلم الصهيوني في مطار بن غوريون، كانت الوحدة القومية بين شمال فيتنام وجنوبها قيد الإنجاز وحين كان العرب يقتتلون قبائل وعشائر وطوائف، ويحرفون اتجاه البنادق عن العدو الواحد، وحين كانوا يستنزفون دماء بعضهم البعض في المنافي ومستشفيات الأمراض العقلية وأقبية التعذيب في السجون السرية والمعتقلات العلنية، وحين كانوا يخطفون أنفسهم ويذبحون رقابهم ذبح الشاة ويلقون بها في الأنهر والصحاري والغابات، وحين كانوا يتناسلون بسرعة وحشية لتنسي الليالي ما يجري في النهار، فتصغر كسرة الخبز ويزيد عدد الذين لا يعرفون الألف من كوز الذرة، ويقل عدد المستشفيات والمدارس والبيوت، ويزيد عدد الكنائس والمساجد..حين كان يحدث كل ذلك كله كانت أنغولا تزيح عن كاهلها أركان امبراطورية دامت أربعة قرون،وكان البرتغاليون يزيحون عن كاهلهم سطوة دكتاتورية دامت أربعة عقود. وكانت اسبانيا تتخلى عن صحراء المغرب، بعد أن تخلت عن شبح فرانكو وكانت ايران بشعبها الأعزل تسقط أقوى قلعة مسلحة في الشرق الأوسط، وكانت نيكاراغوا تطيح بالدكتاتورية المتوارثة.

كان خط الإنكسار العربي يتناقض بصورة مأسوية مع بقية خطوط العرض والطول في خريطة العالم حيث يتلقى النمر الأمريكي-والقط الصهيوني بالتبعية- ضربات هائلة، بينما يقوم العرب دون غيرهم بتضميد جراح النمر الكسير والقط الهائج،بدموع أطفالهم ودماء شبابهم وماء الحياة لأجيالهم.

شهدت السنوات الإثنتي عشرة بين الهزيمتين، متغيرات حثيثة في القيم الرئيسية لمسيرة التاريخ الاجتماعي – الثقافي للعرب..فقد تراجعت الفكرة القومية تراجعا واضحا أمام تيارين: الديني والمذهبي من ناحية، والإقليمي والقطري من ناحية أخرى. كذلك تراجعت قضية التنمية أمام فكرة التحديث التكنولوجي كما برزت قضية الديموقراطية، وكأنها البديل عن”التحرير” الوطني والإجتماعي، وأحيانا أخرى بصفتها الطريق الوحيد إلى التحرير.

وربما كانت مصر-مرة أخرى وليست أخيرة-هي البلد الأكثر دويا بما جرى في حقيقة الأمر، للعرب جميعا. فالإقليمية والطائفية التي أفرزتها حرب لبنان ليست أقل من الشوفينية والإرهاب الديني في مصر وما ظهر بارزا على السطح المصري أو اللبناني كان مترادفات سرية وعلنية في كل أرض عربية.

ما أريد أن أقول؟

أردت القول أنّ الرؤيا الجديدة لهذا الجيل (جيل اليوم)، عليها أن تكون الرؤيا المضادة لجيل الهزيمة. الرؤيا التي تضع الديموقراطية في مكانها القابض على التحرير الوطني من ناحية، والتحرير الاجتماعي من الناحية الأخرى يجب أن تكون -أولا وأخيرا- الاستيعاب التاريخي المر: لا حرية للوطن ولا تقدم للمجتمع بغير الديموقراطية، وأي إنجاز هنا أو هناك في غيابها يهدم المعبد بأكمله فوق جميع الرؤوس.

إنها رؤيا “الثورة الثقافية الشاملة ” في مواجهة “الإصلاح الوسطي” و”الصمود السلفي” معا، اللذين يلتقيان في خاتمة المطاف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.