لشهر رمضان نكهة خاصة في تطاوين،وهي ما تزال تعيشه بكل تفاصيله وعاداته وتقاليده المتوارثة جيلا بعد جيل،وتحديدا في السنوات الماضية حيث باتت المدينة محطة أساسية لإقامة النشاطات الدينية والتراثية التي تشارك فيها فرقا جهوية ، في مشهد يعكس الروابط التاريخية بين بني الجهة والتي تجسدها الاثار الجنوبية التي تحتضنها تطاوين ، فضلا عن بعض العادات المشتركة والمأكولات. لا تترك تطاوين التي إزدانت بعض ساحاتها وشوارعها والأحياء الأثرية فيها على وجه الخصوص واقيمت الإحتفالات فيها في أغلب أيام رمضان،عادة رمضانية إلا وتحرص على التمسك بها، وتعيشها بتفاصيلها تجسيدا للواقع الروحاني والتراثي الذي يختزنه هذا الشهر من الإحتفالات الدينية التي ما تزال تحافظ عليها دون باقي المدن التونسية إنطلاقا من كونها مدينة جاثمة على التخوم الجنوبية تحرس حدودها بعين بصيرة وتحافظ على تراثها وهويتها بفخر واعتزاز.. وتتميز المدينة إضافة إلى ذلك بأنواع خاصة من المأكولات والحلويات والعصائر الرمضانية، فضلا عن عادات ما تزال حية ، كتبادل الطعام بين نساء المبنى أو الحي ما يجعل الموائد الرمضانية عامرة بأصناف مختلفة، وتحديدا في الأرياف التي ما يزال بعض سكانها يحافظون على تلك العادات. وتشهد أسواق المدينة القديمة حركة ناشطة من الزبائن حيث تنتشر البسطات والعربات المعدة لبيع الخضار والفواكه والحلويات الشعبية والعصائر،وهي تشهد إقبالا مضاعفا في هذا الشهر،لسببين:الاول هو بالنسبة للزائرين من خارج المدينة والذين يأتون الى الأسواق للتمتع بجولة سياحية فيها والحصول على طلبهم باسعار مقبولة،والثاني بسبب الاسعار التنافسية التي يقدمها هذا السوق وتساعد اصحاب الدخل المحدود في تأمين احتياجاتهم بما يتناسب وقدرتهم الشرائية. لكن ما يميز الأسواق في المدينة هو كثافة انتشار باعة شراب" اللاقمي" وهو عبارة عن عصير حلو مذاق يأتي تحديدا من مدينة قابس، ويكتسب شهرة كبيرة في الأوساط الشعبية على وجه الخصوص، وهو يكاد يرتبط إسمه بشهر رمضان نظرا للإقبال الكثيف على شرائه في هذا الشهر. ويمكن القول أن رمضان هذا العام كان على موعد مع إحتفالات ونشاطات مميزة،رغم الغصة في قلوب الكثيرين من الوضع الاقتصادي الذي ترزح تحت وطأته تطاوين بشكل عام.منها سهرات ومسامرات بساحة الشعب التي تتوسّط المدينة يؤثثها شعراء ونشطاء من المجتمع المدني..مثقفون..إلخ إلى جانب حملات تنظيفية لشوارع المدينة بإمضاء المجتمع المدني..أما المواطن "التطاويني" فيؤدي الصلوات الخمس في رمضان وتقبل على دور العبادة بشغف على غير الأشهر الأخرى حيث يمتلئ المساجد بالمصلين وحتى وقت متأخر من الليل صلاة التراويح. وفى هذا الشهر المبارك شهر الرحمة والمودة والإحسان والقرآن والتوبة والتسامح تجتمع الأسر "التطاوينية" في منزل العائلة طوال الشهر (اللمة)عند الإفطار لتناول أشهى المأكولات على مائدة رمضان الكريم. ومن اجل أن يحس المسلم بجوع أخيه المسلم الفقير إلا أن العملية عكسية فإن الأسر التونسية تنفق ثلاثة أضعاف ما تنفقه في الشهور الأخرى،وكميات اللحوم التي تستهلك في هذا الشهر تقدر بالملايين وليس لدى الأسرالتونسية في هذا الشهر أي نوع من المحافظة على الأكل اذ أكثر من ثلث هذه الأطعمة تكون في سلة النظافة في الشوارع في اليوم التالي (الأسرة التونسية مصرفة جدا في رمضان). ختاما أقول:يستقبل التونسيون عموما شهر رمضان المبارك دائماً باستعدادات وطقوس ذات مدلول ثقافي وحضاري منذ آلاف السنين فتطاوين مثلا ذات المساحة الشاسعة وعدد السكان الذي يصل الآن إلى ما يزيد عن 140000نسمة حباها الله بأن يكون جميع سكانها يدينون بالإسلام . على سبيل الخاتمة: رغم الآلام والأحزان،ورغم الهموم والطغيان،ورغم غياب سلطان الإسلام نفرح بقدوم شهر رمضان، شهر الخير والبركة،ونسرّ بهلاله وأيامه ولياليه..وعلينا أن نستغل كل ساعاته ودقائقه في طاعة الله،فهذا الشهر الفضيل هو فرصة عظيمة لاغتراف الأجر والثواب لما فيه من خيرات وبركات ورحمات وقربات إلى الله عز وجل.وهي أيام معدودات إما نغتنمها ونظفر أو نضيعها فنخسر والعياذ بالله.وقد اختص الله الصوم فيه لنفسه فعن الرسول -ص-قال: «قال اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي به».ومن يصوم رمضان إيمانا واحتسابا يغفر له ما تقدم من ذنوبه،أي يُغفر لمن يصومه إخلاصاً لوجه الله وابتعاداً عن محرماته وتأديةً لواجباته،لما ورد عن رسول الله -ص-«الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ،وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ،وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ،مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ»،ولقول الله عز وجل ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾. أسأل الله العلي العزيز الكريم أن تمتلئ حياتنا بالطاعات والعبادات وأن نخلص النية لله الواحد القهار في كل شيء.. وأن يتقبل أعمالنا وعبادتنا وطاعاتنا..وأن يعيده علينا بالخير واليمن والبركات..