ككل مناسبة دينية نرى التونسيين يتزاحمون على الدكاكين لاقتناء ما لذ وما طاب وما رخص وما غلا من البضائع وخاصة اللحوم والحلويات والخضر والغلال اللذيذة الشهية واننا لنعجب كل العجب ونتساءل من صميم العقل والقلب من اين وكيف ياتي التونسيون بمثل تلك الاموال الضرورية لتلبية هذه الطلبات والرضوخ لنداء هذه الشهوات الكثيرة التي تعجز عن متابعاتها وعدها الاحصائيات العلمية والرعوانية؟ اننا خلال كامل ايام العام وبعيدا عن هذه المناسبات نسمع اغلب التونسيين والتونسيات وخاصة من يسمون ومن يعتبرون انفسهم من الطبقة الضعيفة والفقيرة والمحرومة والمحتحتة والزوالية يشتكون ويتباكون من غلاء الأسعار وعسر تلبية الضرورات واذا بهم وبمجرد اقتراب هذه المناسبات يندفعون ويتسابقون الى الأسواق والى المغازات ليتنافسوا وليتهافتوا على شراء بضائعها المعروضة وكان البضائع ستنفذ في وقت قصير ولن تلبي رغبات كل الطلبات فمنذ شهر تقريبا وقبل حلول شهر رمضان راينا الناس يتهافتون على شراء مادة السكر والزبدة والفرينة ويسالون اين تتوفر هذه المعروضات وفي اي سوق وفي اي مغازة وفي اي دكان وفي اي ركن وفي اي تركينة ولما اعلن اخيرا عن بيع الموز بسعر معلوم في المغازات رينا التونسيون يتسابقون على اقتنائه وكانه مادة ضرورية من ضرورات الحياة واني لاذكر الى هذا اليوم كيف ان التونسيين عاشوا مدة طويلة في عهد بورقيبة دون توفر هذا الموز في الاسواق ولم نسمع احدا منهم يشتكي او يضرب الكف بالكف ويحك الساق بالساق ولكن اليوم قد تغير الحال ولم يعد التونسي قادرا على فراق الموز حتى ولو سافر من جله الى الكامرون ا والى الكونغو اوالى السيشال اوالى السينغال فهل مازال احد من العقلاء يصدق ان التونسيين فقراء ومساكين ومحتحتين وهو يراهم على هذا الحال من اللهفة ومن التنافس ومن التسابق ومن الصراع على شراء كل البضائع التي يتم عرضها في كل ان وفي كل حين انني اقول بصراحة ودون لف او دوران ان التونسيين يعيشون اليوم اكثر من اي وقت سابق في بحبوحة وفي رخاء وفي نعمة وهم يغالطون بعضهم بعضا عندما يدعون ويعلنون انهم قد اكتتووا وابتلوا بارتفاع الأسعار وبمصيبة الغلاء وانني لا ارى مثلا يصدق فيهم افضل من ذلك المثل الذي يقوله اخواننا المصريون اذا روا او سمعوا احدا يتكلم ويؤكد وهو في حقيقة حاله يغالط الناس ويموه عليهم ويكذب (اسمع كلامك اصدقك واشوف احوالك استعجب) وعليه فانني اجزم واقول ان التونسيون عندي وعند غيري من العقلاء سعداء في خير وفي نعمة وفي رخاء مهما سمعناهم يبكون ويشتكون ويتذمرون من الخصاصة ومن الجوع ومن الحرمان ومن الغلاء ومن مازال من القراء في شك مما اقول فليرى بعينيه مقادير وكميات وحجم بقايا الماكولات التي يرفعها المنظفون كل صباح وكل مساء من الطرقات ليضعوها في الحاويات والتي تغني بلدانا وشعوبا تشكو حقا وفعلا وصدقا من الحرمان ومن الغلاء واخيرا رحم الله من لاحظ فانذر وقال ونبه وحذر(من كان في نعمة ولم يشكر خرج منها ولم يشعر) وعلى كل حال فاني ادعو الله تعالى ان يمن علينا بالصيام المقبول الماجور وان يهدينا الى حمده وشكره وان يوفقنا جميعا الى اجتناب الكذب وترك قول الزور فهو السميع المجيب الحميد الشكور الغفور