في عطلة نهاية الأسبوع قرّر اصطحاب زوجته وابنتيه الصغيرتين إلى السوق محاولا بذلك كسر حاجز الملل الذي يصابون به عند نهاية كل أسبوع خاصّة أنّهم بعيدين جدا عن أهلهم وأقاربهم، ولأنّ الأبوين لم يتعرفا بعد على أصدقاء إذ أنّها الأشهر الأولى لخروجهم من القرية إلى المدينة حيث قرّرت الشركة التي يعمل فيها إرساله إلى المصنع الموجود في المدينة. دخلوا السوق جميعا للمرّة الأولى كون الأب هو من كان يأتي بالأغراض والحاجيّات المطلوبة للبيت، كانت البضائع المرصوفة هنا وهناك بشكل مغري تجذب أنظارهم وتطاردهم من مكان إلى آخر فهم لم يعتادوا رؤية هذا في دكاكين القرية الصغيرة.. البنتين مشدوهتين بالألعاب المعلّقة والمصفوفة بعناية على رفوف وراء الزجاج، الأمّ كانت تحاول أن تجرّ ابنتيها حين تعلقان بجانب محلات الدمى المختلفة لكنّها كانت أحيانا هي الأخرى تندهش من أحجام الألعاب التي كانت تراها فتعلق معهما ما يضطر الأب ليوقظهن من سهوهن، لقد أخبروها أنّ المدينة عالم آخر يختلف كليّا عن القرية وأنّها تحتوي على الكثير من الغرائب والعجائب ولكن لم تكن تعلم أنّ الاختلاف سيكون مداه شاسع إلى هذا الحدّ.. أمام دكّان الخضار توقف الأبوان بحثا عن شيء يحملانه معهما إلى البيت، الفاكهة المعروضة كانت شهيّة تنهمها الأعين لجمال شكلها جرّاء التفنن في رصفها وحتى أنّ هناك من الأشياء لم تكن تعرفها سوى في الكتب مثل الأناناس والكستناء والمانجو وغيرها الكثير مما تجهل اسمه، كما أنّها تعرف أنّ للمزروعات مواسم تتواجد فيها وهي ترى تقريبا كل محاصيل المواسم متواجدة في المحلات كما أنّ الأسعار خياليّة لا تسمح حتى بمجرد التفكير بشراء كل ما تشتهيه العين خاصّة وأنّ الراتب الشهري ما زال أمامه ما يقارب الأسبوع حتى يُصرف هذا إن تكرّمت الشركة على الموظفين، ومازال أمامه أيضا أجرة مواصلات لمدّة أسبوع أيضا، من ناحية أخرى البنات تتوسلنه لشراء التفاح الأحمر والموز فقد أخبرت الكبرى أختها الصغرى بأنّ صديقتها في المدرسة قالت لها أنّ طعمهما لذيذ جدا وأنّهما أيضا من الفاكهة المغذيّة لذا هي تأتي بواحدة من كل نوع يوميّا.. اقتربت الأمّ منه وسألته إن كان يمكنه أن يشتري لهما تفاحا وموزا وأنّها تريد أيضا بعضا من البطاطا والبندورة والخيار وقليلا من الليمون الحامض ونعناعا وباقة بقدونس وبعض اللوازم الأخرى، أمسك بكوع يدها بعد أن تفحّص الأسعار جيدا بعينيه، وبصوت منخفض طلب منها أن تتبعه.. توقف في مكان بعيد عن دكان الخضار، أخرج من جيبه محفظته وعدّ ما فيها من مال ثم أعادها.. بعدها أخرج ورقة وقلما، دوّن عليها المبلغ الذي يحتاجه لأجرة المواصلات في ذهابه وإيابه من العمل، عاد وأخرج المحفظة من جديد فصل المبلغ الذي يحتاجه لمواصلاته قسّم المبلغ على احتياجات الزوجة ومتطلبات البنات وقال لها سنشتري نصف كيلو من كل نوع حتى نتمكن من شراء الموز والتفاح للبنات، قالت له الزوجة ألا تقدر أن تشتري كيلو من البطاطا، قال لها لا، المال لن يبق منه ما يكفي لنصف كيلو آخر، صمتت الزوجة وتوجها إلى المحل.. وبينما هما يختاران ما يريدانه دخلت امرأة وسألت عن أسعار الخضار والفواكه فإذا بالبائع يعطيها الأسعار فتبيّن من خلال سؤال المرأة للبائع بأنّ أسعار الخضراوات والفواكه المعروضة كانت ضعف أسعار الخضراوات الموجودة في الصناديق تحت الرفوف، وأنّ هناك أنواع من التفاح أصغر من المعروض وسعره أقل أيضا، عندها أفرغا ما وضعاه في الأكياس وانتقوا من البضاعة الأقل سعرا وهكذا اشتروا أغراضهم كلها وخرجوا من الدكان فرحين.. أثناء سيرهما تذكّر الأب أنّه نسي أن يحسب من ضمن المال الذي كان معه أجرة السيارة التي ستقلّهما إلى البيت لذا قرروا العودة إلى المنزل سيرا على الأقدام ولم تنتبه البنتان لطول المسافة فقد أمضيتا الوقت وهما تتحدثان عن الموز والتفاح وطعمهما اللذيذ!.