- (وات، ريبورتاج لمنى الودرني) - صباح اليوم الأحد وسنة 2017 تلفظ أنفاسها الأخيرة، وبالإقتراب من السوق المركزية بالعاصمة، يعبر المارة بين شوارع قفرة لم يقطع سكونها إلا صوت أرجل تحث الخطى نحو إحدى مداخل السوق، لينقلب فجأة الهدوء المخيم على المكان إلى مشهد ضوضاء حامية الوطيس، سرعان ما ينقشع صداها أمام لفح الأسعار الملتهبة في الفضاء المخصص لبيع الأسماك. حيثما تولي بصرك، تعترضك لافتات أسماك معروضة قد أصابها جنون الأسعار ليبلغ ثمن "جراد البحر" 120 دينارا و"الجمبري" 90 د و"سمك السلطان إبراهيم"، (التريليا) 50 د فيكتفي المارون المتدافعون بالنظر إلى البضاعة ويمرون مرور الكرام، بعد إلقاء نظرة خاطفة على أثمانها. وفي أرجاء أخرى من المكان، تنتشر الغوغاء أكثر وتتعالي أصوات الباعة أين ازدحمت واجهات أسماك الأقفاص العائمة أو ما يعرف بمنتوج تربية الأحياء المائية، لتشهد إقبالا أكثر لشراء"الوراطة" ب 12 دينارا و"القاروص" ب15د، إذ تتناغم نسبيا أوتار الأسعار والجيوب، وفق ما همس به لموفدة (وات) أحد الواقفين في طابور الإنتظار لتلبية شهوات "راس السنة". وفي المنعطف المخصص لبيع الأجبان التي يقبل على استهلاكها المواطن بشراهة في مثل هذه المناسبة، انتصبت السلع والمعروضات ذات اليمين وذات الشمال، تفصل بينها الممرات المتراصة بسيل من المارة، حيث امتدت عبرها الدكاكين العامرة لبيع أشهى الأجبان التي أصابتها هي أيضا حمى الأسعار وبلغت حدود 90 د للكغ الواحد لأحد الأنواع الفاخرة و290 د ثمن الكلغ الواحد بالنسبة إلى "مزاود الحوت المجفف". كما ازدحمت بقية العطفات هي الأخرى باللحوم والدواجن والمخللات وما طاب ولذ من السلع والمعروضات، على غرار "البهارات" من "العولة" و"الهريسة" و"الملسوقة وما درت به العادات من نكهات و"صنع دياري". وينهمك الجميع في الشراء على إيقاع أصوات وهتافات الباعة، رغم تشكي وتذمر كل المتسوقين من غلاء الأسعار الشديد الذي أقفر الجيوب ليستأنفوا على الفور شراء ما استمال عيونهم، في تناقض صارخ بين ما يقولون وما يفعلون. وفي أرجاء أخرى من السوق، انتحى عديد الباعة المتجولين العطفات الضيقة لبيع التمور (5ر7 د للكلغ الواحد) والموز (5 دنانير) والتفاح الأحمر (8 دنانير) ... وفي الزحام المسترسل والمتصاعدة وتيرته، يتدخل أحد المتسوقين ويعبر عن دهشته من طبع المستهلك فيقول وهو يهم بالإنصراف بعد اقتناء شي من الفواكه المعروضة: "التونسي لا يكف عن التذمر من الغلاء ولا ينقطع عن الشراء بلهفة، رغم التهاب الأسعار.. ". وقد اشتكى كثير من المارة اعترضتهم موفدة (وات) داخل فضاءات السوق المركزية، من الإرتفاع الملحوظ لأسعار اللحوم والدواجن والأسماك والبقول والخضر والغلال والأجبان، مبدين أسفهم للانهيار غير المسبوق للقدرة الشرائية للمواطن إزاء ما عبروا عنه بالإرتفاع الجنوني للأسعار. وأجمع بعضهم على ضرورة ترشيد الإستهلاك اليومي للبضائع المعروضة، خاصة في غياب ما وصفوه ب"الرقابة الجدية" التي من شأنها أن تحول دون الإرتفاع المشط للاسعار وذلك عبر التصدي الناجع لظاهرة الإحتكار. يذكر أنه تم إحداث المرصد الوطني للتزويد والأسعار والذي يتولى متابعة الأسعار ورصد وضعية التزويد المتعلقة بمنتوجات الفلاحة والصيد البحري على مستوى الجملة والتفصيل ورصد التطور الشهري للأسعار عند الإستهلاك، حسب المجموعات، بالإضافة إلى تحيين المخزونات الإستراتيجية للمواد الأساسية. ويهدف المرصد الوطني للتزويد والأسعار بالخصوص إلى معالجة ومتابعة المعطيات الإحصائيّة والمعلومات التجارية المتعلقة بإنتاج وخزن وتحويل وتوزيع وآستهلاك المنتوجات قصد توفير المعطيات اللازمة، بغاية تعديل السوق من حيث الزمان والمكان وتعزيز شفافية المعاملات التجارية وفي تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أكد خالد زروق، طبيب بيطري مختص في التغذية المقارنة، انتشار بعض الأمراض الخطرة وخاصة مرض السل والإجهاض المعدي (البروسيلا) والحمى المتموجة (المالطية)، جراء استهلاك مشتقات الحليب غير المبسترة والتي تشهد إقبالا كبيرا في السوق المركزية. منى