بعد الوضعية الصعبة والحرجة التي عرفها اقتصادنا الوطني في الفترة اللاحقة للثورة، والمتزامنة مع الاضطرابات والانفلات الأمني، مما حدا بالبنك المركزي من خلال بلاغ له الى دق جرس الانذار والخطر، تأتي مؤشرات لتؤكد التحسّن في الوضع الاقتصادي، من خلال الارتفاع في نسق الصادرات، وكذلك توفر عديد النوايا الاستثمارية للمشاريع.. لكن، في خضمّ كل هذا، تبرز على الحدود التونسية الليبية، وعلى خلفية التصعيد الأمني والعسكري بهذا البلد الشقيق، إثر توجيه الضربة العسكرية من البلدان الغربية ضده، مشكلة وضعية عمالنا العائدين من ليبيا بأعداد كبيرة من ناحية، وتأثر المبادلات والتعاملات الاقتصادية مع القطر الليبي من ناحية أخرى. وحول انعكاسات الوضع الحالي بليبيا على المعاملات الاقتصادية مع بلادنا، وعلى اليد العاملة التونسية في هذا البلد، الى جانب بعض المسائل الأخرى ذات العلاقة بالشأن الاقتصادي الداخلي، كان لنا مع محمد الفريوي أستاذ التعليم العالي المختصّ في الاقتصاد والتصرّف والخبير الاقتصادي، الحوار التالي: ماهي تأثيرات وانعكاسات الوضع الحالي بليبيا على مبادلاتنا الاقتصادية مع هذا البلد الشقيق؟ الوضع الحالي السائد في ليبيا، له تأثيرات على المعاملات الاقتصادية مع بلادنا، سواء في ما يخصّ تسريح العمال الذين كانوا يعملون في ليبيا، أو في توقيف المبادلات الاقتصادية (صادراتنا ووارداتنا). وهذا يؤثر سلبا على اقتصادنا وعلى مؤسساتنا حيث وجبت العناية بهاته الناحية، وتوخي إجراءات من شأنها أن تأخذ بعين الاعتبار في هذا الظرف الاستثنائي، وتمكن المنشآت الاقتصادية من التحصيل على وفرة مالية من شأنها أن تموّل مخزون البضاعة التي تنتظر التصدير، ثم كذلك المؤسسات التي لم تتحصل على دخلها المتأتي من ليبيا، جرّاء تصديرها، والتفكير في تنويع أسواقنا وتصدير هاته السلع الى مناطق يقع التصويب إليها. وماهي تداعيات ما يجري على الاراضي الليبية، على وضعية اليد العاملة التونسية العائدة من هناك..؟ في ما يخصّ الجانب المتعلق بالعمال واليد العاملة العائدة من ليبيا، فإن ما يمكن قوله هو أن هذا الوضع، ينجرّ عنه نقص في الدخل بالنسبة للعمال المعطلين، جراء توقيفهم عن العمل، سيما وأن طاقة استيعاب الاقتصاد الوطني، لا يمكن لها توفير الشغل للعائدين، باعتبار أن عدد طالبي الشغل في بلادنا، يتطلب مزيدا من التفكير، من أجل إيجاد مشاريع جديدة تستوعبهم. ماذا عن الوضع الاقتصادي لبلادنا الآن وهل وفّرت الثورة مناخا ملائما للاستثمار؟ بالنسبة للحالة الاقتصادية في بلادنا، فقد وفّرت الثورة إطارا ملائما للاستثمار، باعتبار أن المستثمر داخلي كان أو خارجي، يسعى الى المردود التفاضلي لرأسماله الذي يتأتّى بوفرة الانتاج المتماشي والمواصفات الدولية، اعتبارا للجودة وللسعر التفاضلي واحترام الزمن وأذواق المستهلكين. والثورة وفّرت فضاء يمكن فيه المجازفة لخلق المشاريع، باعتبار الضمانات المتاحة، وكذلك عدم التدخل في شؤون المؤسسات وسلامة المعاملات المهنية والتجارية، واحترام أخلاقيات المهنة والأعمال. فالواجب على الأعوان الاقتصاديين التحلي بالعمل الجاد والنشاط الدائم والتعاون المثمر، الى جانب احترام المواثيق والإيفاء بالتعهدات وفق مناخ الأعمال القاضي باحترام القيم، بموجب الجزاء على قدر الاستحقاق. هل ثمة مؤشرات تشجع على استحثاث المؤسسات وأصحاب الأعمال على المضيّ في المشاريع؟ المتأمل للوضع الاقتصادي وللأرقام التي وردت من وزارة الصناعة والتكنولوجيا، والتي تشير الى ارتفاع نسق الصادرات، رغم ما شهدته البلاد من اضطرابات، يقف عند الملاحظة والاستنتاج، بأن هذا يُعدّ مؤشرا من شأنه أن يستحث عزائم كل الأعوان الاقتصاديين، أصحاب الأعمال والناشطين والمؤسسات المصرفية والادارة، كل من موقعه، وأن يوفر الاطار الملائم لدفع حركة التنمية. ماهي الرهانات والتحديات المطروحة في الفترة المقبلة للنهوض بالاقتصاد؟ إن الوعي المتواجد حاليا، لكسب رهان الانتقال من المجتمع السابق، الى مجتمع الانفتاح والبذل والتعاون في ظروف وفاقية، من شأنه أن يستحثّ نسق التنمية، ويوفر اطارا للبذل والكسب المشروع، وفتح آفاق التشغيل، والانتعاش الاقتصادي. ولقد أتت الثورة بمزايا تفاضلية هامة، منها راحة الضمير والوعي الشامل والكسب المشروع ونخوة الانتماء الى هذا الوطن العزيز والمساهمة في بنائه، سيما وأن الشباب قلب الأمة النابض، ودماغها المفكر وساعدها الباني، يسعى جاهدا لتجسيد قيمه والنهوض بوطنه، وهو الذي كسب المعرفة وخلق الثورة. هل إنه بالتمكن من استرجاع الأموال التي هرّبها «بن علي» وأصهاره وعائلته للخارج، يتحقق الانتعاش للاقتصاد؟ إن الإنتعاش الاقتصادي يتطلب توفير أموال أساسية، سواء من استرجاع لما هو بالخارج لملك الدولة، أو كذلك من المساعدات الأجنبية في صورة هبات أو قروض بشروط ميسّرة، لتمكين تونس من تخطي هاته المرحلة، وإشعال لهيب العمل والنشاط، والبذل لبناء مجتمع متضامن متماسك الأطراف، يوفر الضمانات اللازمة للانتفاع من كل من يأنس في نفسه القدرة والكفاءة للمساهمة الايجابية الفاعلة. ماهي الكلمة او الرسالة التي يمكن توجيهها لمختلف فئات المجتمع لتخطي الظرفين الاقتصادي والاجتماعي؟ من خلال الحالة الاقتصادية والاجتماعية بعد الذكرى 55 للاستقلال والانعتاق، يمكن القول والإقرار بأهمية ما يُعتبر عقدا اجتماعيا بين كل الأطراف، سيما ونحن نحتفل بالذكرى الأولى بعيد الاستقلال، وننعم بما وفّرته الثورة من إطار للبذل والعطاء، في ظلال الحرية، والكفّ عن التجاوزات مهما كان مأتاها والعمل وفق الأخلاقيات، واحترام القانون، ولا ننسى أن العدل أساس العمران، لذلك نسعى الى تجنّب التجاوزات اللفظية والمعنوية في حق الذات البشرية، وعدم الدخول في متاهات لا فائدة منها، سواء كان عبر المطالبات، أو بإدخال البعض من القلائل والدعوات ب: «Dégage»..