تونسيون كثر تمنوا الشفاء للرئيس يوم أدخل المستشفى.. وتونسيون كثر هنؤوه بسلامته بعد خروجه من المستشفى.. صحيح أن ضباب كثيفا حام حول خبر المرض، وصورة الشفاء، وهذا موروث بائس للدائرة الإعلامية في الرئاسة منذ زمن طويل.. والتي تعتبر صحة الرئيس سرا خطيرا من أسرار الدولة.. لكن هذا أمر أتصور أنه سيتغير بتقدم المراحل.. فنحن نتخلص من الإرث المشؤوم للإعلام الرئاسي المتخشب، المتجذر منذ قيام دولة الاستقلال.. وسنشفى منه لا محالة.. لكن ليس هذا هو المهم.. الأهم أن التونسيين الذين انشغلوا على صحة الرئيس، ثم ابتهجوا بتعافيه، كثيرهم لا يتفق مع الباحي قايد السبسي في آدائه السياسي، ووعوده التي لم تتحقق، وتحالفاته المتعثرة، وانحيازه العائلي حين "تحك الركب" كما يحلو له أن يسمي المنعرجات السياسية الخطيرة.. كثير من التونسيين الذين التفوا حول الرئيس الإنسان، رغم تحفظهم على الرئيس السياسي، أكدوا بلوغهم مستوى من الوعي الحضاري الذي نظنه أحيانا خيالا بعيدا، لا مجال لأن نطاله يوما.. لكن هذا ما يحصل فعلا.. ببعض الواقعية والغرور المباح، أقول إن تونس تثبت بمرور الأيام، رغم متاعب الداخل، ومؤامرات الخارج، أنها تبتعد عن المشهد السياسي العربي البائس. ذلك المشهد الذي يحفل برؤساء وملوك مقعدين، يمنع على شعوبهم أن يعرفوا ولو نصف خبر عن أوضاعهم الصحية.. بل إن هناك دولا يطالب الشعب فيها بالاحتفال بشفاء ولي الأمر وتزيين المحلات والشوارع، وتعليق صوره على مؤخرات السيارات، لأنه عاد مشافى معافى، بعد رحلة علاج لم يعلن عنها أبدا!.. فعندهم، الزعيم لا يمرض، إنه فقط يهزم المرض، ليطول عمره، دائما!..