الهوية في تونس هي قصة أحداثها متواصلة .. وفصولها لا تريد أن تنتهي .. وهي قصة طويلة نريد في كل مرة أن نضع لها حدا غير أن من يكتب فصولها لا يريد أن تكون لها نهاية سعيدة على غرار ما تعيشه كل شعوب الدنيا التي لها هويات واضحة وبينة ومتفق عليها ولا يوجد حولها خلاف يشق المجتمع ويقسمه ، إلا أن هوية هذا البلد وهوية هذا الشعب الذي يقال عنه أنه متجانس وموحد ولا يعرف عرقيات ولا إثنيات ولا طوائف ولا تعدد لغات ولا لهجات ولا تنوع أديان هي هوية ملتبسة ومحيرة ولا يراد لها أن تكون واضحة أو أن تكون عنصر تجميع ووحدة. هذا الشعور حصل لي وأنا أتابع ردود الفعل إزاء حدثين رياضيين وقعا في كأس الأمم الافريقية لكرة القدم الأول محلي يهم لاعبا من المنتخب التونسي والثاني عربي يهم لاعبا من المنتخب المصري . الحدث الأول هو تونسي يهم اللاعب الدولي طه ياسين الخنيسي الذي أصر على الكلام باللغة العربية والرد على أسئلة الصحفيين باللهجة التونسية في الندوة الصحفية التي عقدت بمناسبة المباراة التي ستجمع الفريق التونسي بنظيره السنغالي في الربع النهائي لكاس الأمم الإفريقية فما كان من جانب من الإعلام التونسي " المتفرنس " والمحسوب على النخبة الفرنكفونية والخادم للمشروع الفرنسي في تونس إلا أن شن حملة شعواء ضد اللاعب وتحركت الآلة الاعلامية المعادية لكل ما هو هوية عربية إسلامية والحاقدة عليهما لتوجه سهامها إلى اللاعب الدولي ناعتين إياه بشتى النعوت الجارحة جريمته الوحيدة في ذلك أنه فضل أن يتحدث إلى الصحفيين بالعربية لغته الأصلية وهي أحد مقومات هويته التونسية كما نص على ذلك دستور البلاد في فصله الأول الذي وصف الدولة التونسية وشعبها بأن دينهما الإسلام وأن العربية هي لغتهما الأولى وجريرته أنه أراد - وهو حر في ذلك - أن يخاطبهم بلهجته التونسية فهل كفر الخنيسي حتى تشن عليه هجمة شرسة ؟ وهل أتى إثما عظيما يستحق أن يكشر سدنة المعبد الفرنسي في تونس عن أنيابهم من أجله ؟ فاللاعب أراد أن يتكلم اللغة العربية لا غير كما يتكلم الروسي بروسيته والإسباني باسبانيته والايطالي بلغته اللاتينية والفرنسي بلغة موليار فهل نلوم هؤلاء اللاعبين حينما يتكلمون بلغاتهم الأصلية ؟ أما الحدث العربي والذي يهم اللاعب الدولي محمد صلاح فقد تعرض في المدة الأخيرة إلى حملة شرسة هو الآخر من جانب من الإعلام العربي وحتى المصري بسبب تصريح كان قد أفصح عنه حينما طلب منه رأيه فيمن تراه المؤهل لنيل كأس الأمم الإفريقية التي تدور وقائعها في بلاد الفراعنة بعد أن خرج الفريق المصري من السباق مبكرا فقال بأنه يتمنى أن ينتصر الفريق السنغالي بكأس الأمم الإفريقية من أجل صديقه في الفريق الأنقليزي " سايدو ماني " فما كان من هذا التصريح الذي عبر فيه محمد صلاح عن رأيه فيمن يراه جديرا بنيل الكأس إلا أن خلف له الشتم والسب واتهم بأنه معاد للعروبة واستعملت الايدولوجيا القومية والانتماء العروبي للتهجم عليه في حين لم نسمع من إعلامنا المتحسر على عدم تكلم طه ياسين الخنيسي بلغة أجنبية أخرى غير اللغة العربية أي ردة فعل تجاه تمني اللاعب المصري هزيمة المنتخب التونسي في الدور الربع النهائي وتشجيعه للفريق السنغالي لاعتبارات شخصية تهم علاقة الصداقة التي تجمعه مع اللاعب السنغالي في فريقه الانقليزي فلماذا لم نر تحركا من هذه النخبة الإعلامية التي هي سبب نكبتنا وسبب هذا الانحدار الذي نشهده في المشهد السمعي البصري عندما خير محمد صلاح الفريق السنغالي على أي فريق عربي آخر لاعتبارات لا دخل لها بالجوانب الفنية الكروية وإنما لموقف شخصي عاطفي فهل نقول أن هذا اللاعب المصري قد خان العروبة وتنكر للبعد القومي الذي يفرض علينا نحن العرب أن نتضامن مع بعضنا في كل الاوقات ؟ لقد تعمدنا الربط بين هاذين الحدثين الذين تجمع بينهما نقطة التقاء وحيدة وهي الانتماء العروبي والتآزر القومي والاشتراك في الموقف من الهوية العربية التي تقوم على جملة من العناصر من بينها الانتماء إلى جغرافيا عربية واحدة و إلى مصير عربي واحد والاشتراك في تاريخ وثقافة ومشاعر واحدة واعتبار اللغة العربية مقوم جوهري هي الجامع لهذا الشعب الكبير والموجب للتضامن واعتبار الروابط التاريخية والعمق الجغرافي والبعد التاريخ هو الذي يحتم التآزر والنصرة فيما بيننا ويبدو أن جانبا كبيرا من الإعلام العربي قد ساءه ما صدر من اللاعب المصري حينما لم يبد نصرته لأي فريق عربي ولم يعط تأييده لا للفريق الجزائري ولا للفريق التونسي والحال أن أحدها جدير بالكأس وعلى العكس من ذلك فإن جزءا من نخبتنا الإعلامية الخادمة للمشروع السياسي والثقافي والإعلامي الفرنسي في تونس والخائفة على مصالحه لا يعنيها في شيء تصريح محمد صلاح الذي مس بطريقة غير مباشرة الفريق التونسي وتعرض إلى فكرة الهوية العربية الجامعة التي نقوم على فكرة التآزر والتضامن الواحد و ركز اهتمامه مع طه ياسين الخنيسي الذي تكلم بلغته العربية ولهجته التونسية في حركة أرادها أن تكون درسا لكل المتحللين من هويتنا أنه يمكننا أن نفرض وجودنا من خلال اللغة فكما أنهم يفرضون علينا لغتهم ويجبروننا أن نجلب مترجما لفهمها فقد فرض هذا اللاعب التونسي أن يحترموا لغته ويستعينوا بمترجم إن أرادوا فهم ما قال فالسيادة والاحترام والتقدير تبدأ حينما تتكلم الشعوب لغتها والإهانة وعدم الاحترام مدخلها التخلي عن اللغة الأصلية والتكلم بلغة الآخر فكل الشعوب التي تحترم نفسها وفرضت احترام الآخرين لها هي تلك التي لا تتحدث إلا بلغتها الأصلية حتى وإن كانت لغة ميتة أو تعرف تراجعا في ترتيبها العالمي على غرار اللغة العبرية أو الروسية أو البرتغالية أو الايطالية أو الفرنسية وكل اللغات التي فقدت نسبتها إلى لغة العلم في حين أن لغتنا العربية رغم ما تعرفه من محاصرة من طرف المنتمين إليها ومحاربتها من قبل أبنائها قبل أعدائها فقد استطاعت أن تصمد وأن تكون إحدى اللغات العالية المعترف بها وان تحتل المرتبة الخامسة في العالم