في إطار الدورة 40 للمهرجان الثقافي بمنزل بورقيبة تتواصل فعاليات هذا المهرجان بتقديم مسرحية " آش مازال " لجمعية قفصة المسرحية من تأليف و اخراج و تمثيل محمد ساسي القطاري و بقية العناصر و التي حاولت، بالأسلوب الساخر الذي دأب عليه المسرح الشعبي بقفصة ، الجواب على السؤال " آش مزال " حيث كانت تدور أحداث المسرحية في مقبرة و ما يرمز له المكان أوّلا من قدسية و أيضا ما يوحي به من نهاية محتومة للجميع مهما علا أو بخس شأنه في الدنيا حيث يرقد الفقيربجانب الغني والسياسي الماكر و الخائن بجانب الوطني المخلص و الزوج الكادح من أجل عائلته بجانب الزوج المتمرد على كل القيم و الرجل الورع بجانب المتاجر بالدين الحنيف... و لكن رغم حقيقة الموت يواصل بعض الأحياء و في رحاب المقبرة الاستهتار بكل القيم و المبادئ و ما يجمع بين كل شخصيات المسرحية هو الجهل بل شعارهم الغنيمة و لا غير الغنيمة و هم في حضرة الأموات حيث تبدأ الرحلة في ايحاءات سياسية مبطنة كقول " الكلاب الكل تنبح و ما تعرف كان هب هب و الفعل يجيب به ربي " بل تجاوزت المسرحية إلى الإشارة إلى اللاعبين الدوليين الذي يحركون دماهم في العالم العربي لخلق الحروب و التشرذم و لكن دائما تطرح المسرحية السؤال "آش مازال" رغم وجود حقيقة الموت الذي لا يفرق بين الجميع و هو الوجه العادل في هذه الدنيا الملآى بالأشرار و رغم ذلك لم يتعظ الانسان و يتمادى في غيّه ، فهذه امرأة تبحث عمّن يساعدها على نشب قبر زوجها لغايات في نفسها و هذا يحاسب سياسيا لم يف بوعوده و لكن يرى أيضا و أنّ القبور تعكس الوضع الاجتماعي للميت فهذا قبر بالرخام و آخر بالتراب بل تصل المقارنة بين القبر " المضخم" و سكنى صاحبه قبل ذلك في الدنيا و تتواصل المسرحية كلّها في حرم المقبرة و تتواصل مسخرة الانسان من حارس المقبرة الذي يرى في نفسه مسؤولا كبيرا في المقبرة و يستغل وضعه للابتزاز مبررا ذلك بقوله الكلّ يبتز الكل فلماذا أنا بالذات أكون الاستثناء و تتعالى الأصوات بين نباح الكلاب و عواء الذئاب و تكشير الانسان عن الأنياب ليستغل الكلّ الكّل و لينهش الكلّ الكلّ و ليخون الكلّ الكلّ رغم جنائزية المكان الذي هو في النهاية يتحتّم على الجميع احترامه و لكن يتواصل التقاتل بين الكلّ و الوطن يتوسل و يبكي و لا مجيب لإنقاذه رغم الدعوة الصريحة للمسرحية لترك الجزئيات و التركيز على الوطن حتى لا يضيع منّا و بيننا و لكن تتواصل " ملحمة " الفساد و فكر الغنيمة و لا اعتبار للموت و المقبرة و الحساب الذي ينتظر الجميع و من كان كانت أهميّو السؤال " آش مازال " بعد كل هذا؟ الجمهور المنزلي تفاعل كثيرا مع العرض عموما حيث الضحكة و النكتة و لكن أيضا حيث البكاء و العويل لما آلت إليه أوضاعنا و أخلاقنا و قيمنا المحتوى فالنّص يعالج موضوعا بالأهمية بمكان كذلك أداء الممثلين و اتقانهم لأدوارهم بكل اقتدار بلهجة قفصية أصيلة ساهم في بعث الرسائل للمتلقي عموما فضلا الاخراج المتقن و هي فرصة لنشدّ أوّلا على أيادي الهيئة المديرة للمهرجان في اختياراتها و التوفيق بين ما هو فرجوي و ثقافي في البرمجة لهذه الدورة- كما كنا أشرنا إلى ذلك في ورقة سابقة – و ثانيا نقول شكرا لكل عناصر فرقة قفصة على هذه المسرحية الهادفة و أيضا لثبوتها على مدرسة المسرح الشعبي الذي مازال له أحباءه و متتبعيه رغم ما عرفه ميدان المسرح للأسف من تهريج و البحث عن الربح السريع و المتاجرة بالفن الرابع عموما. مواكبة الأمين الشابي