بعد الحديث عن الشقوق التي أصابت النداء ثمّ تطوّرتْ الأمور حتّى صار الحديث على انتهاء النداء وذهب بعضهم للدعوة لقراءة الفاتحة عليه.بعد كلّ هذا جاء المؤتمر الأخير وظنّ الجميع أنّ النداء سيبعثُ من جديد لكن وبقدرة قادر صار النداءنداءين بعد أن كان حزب واحد وانتصب أحدهما في المنستير والآخر في الحمّامات. وكأنّ القائمين عليه عملوا بقاعدة من لا يتقدّم يتأخّر أم هم يرون في ذلك مسايرة لسنّة النشوء التطوّر وأخيرا ظهرتْ أصواتٌ من المتسبّبين فعلا في تشقٌّقِ هذا الحزب ومهندسي انهياره تدعوا إلى "نداء تاريخيّ" أي إرجاع النداء إلى ما كان عليه يوم أن تصدّر الانتخابات التشريعيّة وفاز بالرئاسيّة وبالرجوع إلى ما كان عليه النداء يوم تزعّم الانتخابات وبين ما هو عليه اليوم نجد البون شاسع أمّا عن أسباب هذا التقهقر المريع فلا يمكن الإحاطة بأسبابه بمجرّد مقال في جريدة يوميّة بل قد يصلح أن يكون موضوعا لبَحْث أكاديمي قد يستفيد منه طلبة العلوم السياسيّة والأجيال المقبلة من الشباب الذين سيمارسون السياسة في نطاق التداول بين الأجيال سنّة الله في خلقه.لكن ما لا يدرك جلّه لا يترك كلّه لذلك سأحاول أن أختصر الأسباب التي أدت بالنداء إلى هذا المصير الذي لا يحسد عليه قبل أن أُبْرِز العلاقة بين الذين يَجْرون اليوم وراء بناء النداء التاريخي والراعي وقلّة السمن. فمَنْ من التونسييّن المتابع للشأن العام لا يعرف ماعاناه الباجي قائد السبسي إبّان تكوين هذه الحركة وقبل وبعد انتخابات 2014؟ فقد عانى من الرموز الذين جمعهم حول هذا الحزب وخاصة من الذين يتفاخرون بأنّهم من المؤسّسين فقد كانوا شاهرين سيوفهم يتنمّرون في كلّ المناسبات على الباجي إمّا لإقصاء رافد(الدساتر) ودعم رافد آخر(اليسار) هو أقرب لهم اديولوجيّا أو لإقصاء من يخشون مزاحمتهم يوم أن تطيب الثمرة ثمرة الحكم وقد عرف الباحي كيف يتفادى كلّ هذه المؤامرات ليصل بسفينة النداء إلى برّ الأمان ومن بين الدسائس التي كانت خطرا كبيرا يهدّد وجود الحزب هو ترشّح ابنه على رأس قائمة لمجلس النوّاب ولتفادي هذا الوضع أقصى الباجي ابنه حافظ من التشريعيّة حفاظا على وحدة الحزب في ذلك الظرف الحرج. ثمّ وبعد الانتخابات وتحمّله مسؤوليّة الرئاسة وحيث أنّه أعرف الناس بالمحيط السياسي للنداء الذي هو عبارة عن علبه من العقارب والأفاعي التي لا يردعها رادع لتستفرد بالحزب وتحقّق طموحاته الجارفة وحيث أنّ الباجي لا تنقصه الحنكة والتجربة التي اكتسبها من المساهمة في الحياة السياسيّة سنينا طوال لم تكن تخلو من الدسائس والتجاذبات التي كانت أعمق وأخطر على الوطن من ما ظهر في النداء في تلك الفترة لذلك قبل أن يغادر النداء فكّر في تحصين هذا الحزب الذي لا ينكر أحد أنّه باعثه الحقيقي فلم يجد غير ابنه ليأتمنه على هذا المولود اليافع من المكشّرين بأنيابهم إذ في تقديره أنّه الوحيد الذي قد لا يخون الأمانة ويواصل الرسالة وكانت هذه نقطة البداية للهجومات التي تَتَالتْ إذ عَرِف الطامعون في الاستحواذ على الحزب أنّ الباجي قد خلّف فيه "مصمار جحا" يصعب اقتلاعه وبدأتْ "السكّانات" من أشباه القيادات أمثل العكرمي الذي اِبْتَلَى به الباجي التونسييّن ...وكان أبرزهم بدون منازع وأكثرهم تسرّعا وأوّل من هوى بمِعْوله على النداء ومزّقه هو "مرزوق" الذي رغم المكانة التي كان يُحْضَى بها عند "السبسي" رئيسا للحزب ورئيسا للجمهوريّة وما تبوّأه من مناصب بفضل السبسي نذكر منها رئيس الديوان الرئاسي فإنّ طموحاته السياسيّة كانت ترى أن لا تحقيق لهذه "المَطامِع "إلّا عن طريق الحزب حتّى يكون خير خلف لخير سلف خاصة وأنّ منصب الرئاسة بقي شاغرا و أنّ مؤسّسه العجوز الذي وصل لرئاسة الدولة فسوف لن يسمح له سنّة بالرجوع إلى الحزب لتسيّره لذلك ترك مرزوق الديوان الرئاسي والتحق بالحزب لكن صدم بوجود حافظ(الحافظ للحزب ) وحيث أنّه لم يستطع أن ينافسه منافسة الندّ للندّ في الميدان وبعد جملة من التهم التي أرْذَلُها الحديث عن التوريث في ظلّ دستور لا يسمح بذلك .فقد خيّر أن ينسحب من النداء وقاده طموحه لتكوين أوّل حزب من الندائييّن المنشقين ف"مرزوق" وأمثاله من الذين حاربوا النداء من الخارج بدون أن يطردهم أحد قادهم طموحهم المفرط لِتَفْتِيتِ هذه التجربة التي أرجعتْ التوازن للساحة السياسيّة واليوم نجده في الواجهة مع المتباكين على النداء التاريخي و الباحثين عن إحيائه بعد أن ساهموا في القضاء عليه فقد عاودهم الحنين للمناصب واتّضح لهم أن لا سبيل لذلك إلّا من خلال إحياء هذه العِظام بعد أن صارتْ رميما وهنا تأتي قصّة الراعي التي تقولُ: أنّ راعيا كان له كوخا يأوي إليه بعد رَعْيّ شِياهه وقد علّق في سقفه قُلّة يَخْتَزِن فيها السمن التي يستخرجه من لبن شِيَاهه وفي يوم من الأيام بينما كان مُسْتَلْقَى في كوخه لأخذ قليل من الراحة نظر إلى القلّة وقال :عند اِمْتِلاَءِ هذه القلّة بالسمن سأبيعها في السوق وأشتري بثمنها خِرافا أخرى ثمّ أعيد الكرّة مرّات حتّى يصير لي قطيع كبير أبيع البعض منه وأشتري مسكنا وأتزوّج وأرزق بابن أدخله للمدرسة ليتعلّم حتى لا يعاني ما أعانيه من هذه المهنة وإن هو يتمرّد ولا يجتهد في الدراسة فإنّي سأضربه بهذه العصا هكذا...فضرب القلّة التي تكسرتْ وسال السمن الذي كانت تحتويه..هذا ما فعله مرزوق لتحقيق أحلامهم الشخصيّة و كذلك كلّ الذين تنكّروا للنداء ولم يحاولوا صلاحه من الداخل فقد "كسّروا الجرّط إإ إصلاحه من الداخل فقد "كسّروا الجرّة "جرّة أحلام كلّ التونسييّن- الذين ساندوا النداء و ربطوا خلاص تونس بتواجده على الساحة أقوى مّما كان عليه- فعلوا ذلك لتحقيق أحلامهم الشخصيّة التي سيطرتْ عليهم بعد أن غادر الباجي النداء .فبعد أن حطّموا النداء بكلّ الوسائل جاؤوا اليوم وكأنّ شيء لم يكن يبحثون عن النداء التاريخي متناسين أنّ مصير النداء كان كمصير سمن الراعي الذي اختلط بالتراب ولم يعد يساوى شيء وأقول للباحثين عن النداء التاريخي ابحثوا عنه في الدكاكين -لأشباه أحزاب- التي فتحْتُمُوها بأسماء مختلفة و بشتات من منخرطي النداء الذين تلاعبتم بهم فجاءت أحزاب بلا طعم ولا رائحة الله همّ رائحة الغدر والإخلال بالوعود و التنكّر للجميل فأنتم كمن يقتل القتيل ويمشي في جنازته أو كالجاهل الذي يفعل بنفسه ما لا يفعله العدوّ بعدوّه وحالتكم اليوم ينطبق عليها قوله تعالى :" ...يخربون بيوتهم بأيديهم وأيد المؤمنين فاعتبروا يا أولى الأبصار". فإن أنتم تبحثون -حقيقة - عن التوبة والمغفرة عن ما أصابكم من تيه أضرّ بكم و ما سوف يُعمّق جراح تونس بعد انتخابات 2019 عليكم أن تضعوا اليد في اليد مع كلّ المخلصين لهذا الوطن القادرين على تغيّر الموازنات السياسيّة وخاصة مكوّن الرافد الدستوري التجمّعي الذي كان وقودا لدفع النداء إلى كلّ الانتصارات وكان جزاؤهم التهميش والتنكّر إلى أن اِنْتَشَلَ الصادقين منهم حزبُ أبائهم وأجدادهم الحزب الدستوري الجديد الذي هو في حاجة لدعمكم لمواصلة الرسالة التي ستحمي تونس من أخطر ما تصاب به الأمم :تحريف الدين واستغلاله للمسك برقاب الشعوب وهو "الخونجة" التي أين دخلتْ لم تخلّف إلّا خراب الأوطان وتَكْبِيل الأفكار و يقول تعالى في صورة البقرة الآية 12 :" ألا إنّهم هم المفسدون لكنّهم لا يشعرون"صدق الله العظيم