لقد عشنا منذ ايام قليلة حملة اعلامية كبيرة تدعونا الى متابعة تلك المناظرات التلفزية التي تدور اول مرة في تونس بين المرشحين للانتخابات الرئاسية ولا شك ان اغلب التونسيين ان لم نقل كلهم قد انتظروا بفارغ الصبر هذا الحدث العظيم الذي ينتظرون منه لقاء حواريا ساخنا بين المتناظرين ليظهر كل منهم للتونسيين صواب واسباب مخالفته ومعارضته لبقية المترشحين ولكنني اظن ظنا يشبه اليقين ان كثيرا من التونسيين قد خاب ظنهم في الحصول على النتيجة التي انتظروها من تلك المناظرة الأولى ولعلهم قد تذكروا ذلك المثل العربي القديم الذي يقول قولا واضحا مبينا (قد سمعنا جعجعة ولكننا لم نر طحينا) اذ كانت تلك المناظرة اشبه شيء بلقاء عادي من تلكم اللقاءات التي يجريها الصحافيون في برامجهم العادية اليومية مع مختلف الوجوه السياسية التونسية بل ان تلك اللقاءات والحوارات العادية كانت اكثر اثارة واكثر تشويقا واكثر حماس مما رايناه ومما سمعناه في تلك المناظرة الأولى التي خلت بكل صراحة من اي نوع من التشويق ومن الحرارة ومن الحماس بل ازيد فاقول ان المشاركين في تلك المناظرة الأولى كانوا اشباحا وكانوا صورا مشوهة لشخصياتهم العادية اليومية التي ميزتهم سياسيا لدى جميع الفئات الاجتماعية والتي جعلتهم يقدمون ويجرؤون على الترشح لهذه الانتخابات الرئاسية ولمزيد من التفصيل والبيان والايضاح والاستدلال او التدليل فاني سابدي هذه الملاحظات الشاملة العابرة في المترشحين الذين رايناهم وسمعناهم في تلك المناظرة...وسهرنا معهم وفي حضرتهم سهرة مملة مقلقة شاحبة باردة فاترة... فالشيخ عبد الفتاح مورو الذي عرف بين التونسيين بطرافته وبتميز نوعية خطاباته وبجمال لغته الجامعة بين العربية والدارجة التونسية قد ترك فجاة هذا الأسلوب واختار ان يناظر مناظريه وان يخاطب مناصريه بلغة عربية صافية بحتة تشبه لغة دروس الفقه الجامدة المعقدة التي يتابعها المختصون والتي يقلق ويضجر من سماعها الناس العاديون قفضاع بذلك تاثيره المعروف على السامعين وعليه فقد تنقص تلك المناظرة من وزنه ومن حجمه لدى الناخبين فينصرفون عنه مقدمين عليه احد المرشحين الاخرين اما عن عبير موسي فقد كانت في تلك المناظرة تتكلم وهي شبه تلميذة او طالبة صغيرة امام استاذها تلقي سريعا ما حفظته وما تعلمته منه بين يديه ولعلها قد نسيت في خضم ذلك الموقف الصعب المهيب وهي تقف للمناظرة السياسية مع شخصيات مشهورة عريقة تفوقها سنا وخبرة بعد ان تعودت ان تتكلم بين انصارها وحدها كمثل الطير الذي يغني وجناحه يرد عليه اقول لعلهاه قد نسيت في خضم كل هذه الاعتبارات والحيثيات انها تخاطب شعبا باكمله يريد ان يتصورها في منصب رئيسة ذات شخصية قوية ولا يريد ان يراها ابدا في موضع ومقام تلميذة او طالبة مازالت لم تفارق شخصيتها الفتية الغضة الطرية اما عن عبيد البريكي فانني ارى انه مازال متاثرا بتاريخه النقابي الطويل وما تمرس عليه من اسلوب النقابيين في الخطاب المعروف والذي يعتمد التركيز فقط على نقاط محددة مطلبية دون الانتباه الى جمال أساليب الخطاب التي يراها ثانوية شكلية فلم يستطع من اجل ذلك ان يتوخى اي اسلوب من فنون الخطابة المطلوبة للفوز في مثل هذه المناظرات واثبت للتونسيين انه لا يملك فنيات وسائل التعبير والتاثير فكانت اجاباته خافتة باهتة ولم تكن حماسية مؤثرة راسخة نافذة لا في قليل ولا في كثير اما عن محمد عبو فان اجاباته والحق يقال كانت كعادته وديدنه في جمل سريعة مقتضبة متلاصقة وكانها ضربات مطرقة على مسامير حادة طارقة ليس فيها شيء من جمال ومن حلاوة التعبيربل انها جمل وكلمات تشبه الغمغمة والتمتمة لا تترك ابدا فرصة للسامعين حتى يفهموها الفهم الضروري المتين او يتاملون فيها التامل الواجب المبين اما عن سي ناجي جلول فاسلوب خطابه اقرب شيء الى حوارات المقاهي والجلسات الخاصة التي تعتمد استعراض المعلومات وتكديس الأخبار والملاحظات التي تصلح لملء فراغات اوقات الجالسين في المقاهي وفي الأماكن العمومية كالمنتزهات وكالبساتين ولكنها لا تصلح ابدا لمخاطبة شعب مختلف المشارب والمطالب يبحث عن خطاب عميق رصين محدد يمكن حفظه وترداد ابرز كلماته في كل ان وفي كل حين اما عن المهدي جمعة فانني ارى ان اسلوب ونوع خطابه يصلح وينفع في ادارة الشركات وتنفيذ وتطبيق القوانين و القرارات اكثر من نفعه وصلاحه في ان يقود شعبا وامة باكملها وعجرها وبجرها فخطابه كما هو معلوم منذ ان كان رئيسا للحكومة في وقت سابق هادئ وخافت وبارد زيادة عن اللزوم لا يصلح ولا ينفع في سياسة شعب يبحث عن خطاب حماسي حار حاسم قد ينفع ويجدي في مجابهة الكثير من المفاسد والكثير من المظالم... هذه ابرز الملاحظات العابرة التي ارتسمت في ذهني بعد ان شاهت تلك المناظرة ومهما تكن نسبة الرضا عنها او نسبة مناقشتها لدى المترشحين ولدى القراء فانني اقول لهم في كل الأحوال ان يوم الانتخاب قريب وستحكم لي او علي نتائجه واسراره فيعلم الجميع حينئذ انا مخطئ ام انا مصيب وفي انتظار ذلك ابتغي واريد فقط ان اذكر هؤلاء المترشحين للرئاسة وغيرهم من القراء بما قاله اهل الحكمة والموعظة الذين تميزوا وبرزوا بين غيرهم من بقية الناس(الي يحسب وحدو يفضلو) و(الماء كثيرا ما يكذب الغطاس)