إن كان ما صرح به الناطق الرسمي للمحكمة الابتدائية بتونس في وسائل الاعلام المرئية صحيحا، فان ذلك يشكل في رأيي انحراف بالقضاء وانتهاء لدوره الأساسي الذي بدونه خراب الأوطان كما قرره العلامة عبد الرحمان بن خلدون عليه رحمة الله. يذكرني ذلك بمحنة الامام مالك رضي الله عنه الذي تم الطواف به على ظهر حمار بالمدينة المنورة لما قضى ببطلان طلاق المكره ولم يتراجع ان كنت لا تعلمون. كنت أتوقع كل شيء الا اتهام بعض المحامين الذين عال صبرهم فاعتصموا بمكتب وكيل الجمهورية متمسكين بوجوب البت في امر لا يهمني مهما كان هو. لذلك أردت بهذه الكلمة التذكير بواجبنا جميعا نحو القضاء الذي يجب ان يبقي محايدا وخطا احمر لا يجوز لاحد المس منه او التطاول عليه. قلت القضاء ولم اقل القضاة لأنهم لم يكونوا دائما مستقلين وكانوا تحت اكراه السلطة في العقود السابقة، ولكنهم الان باتوا مسؤولين فعليا عن شؤونهم ولم يعد للسلطة التنفيذية عليهم سلطانا، فكان عليهم ان يقيموا الدليل على انهم اهل لذلك ولا سلطان عليهم في قضائهم الا العدل الذي هو أساس العمران وبدونه لا يمكن لأي بلد في الدنيا يريد الحرية والعدل والمساواة ان يزدهر او يعيش مثلما باتت عليه بلاد الله الديموقراطية. اعرف ان موقفي هذا سيثير بعض المحامين ولي في تلك المهنة العظيمة اربعين عاما، ستكتمل في بداية سنة 2020 إن قدر الله لي أن أعيش. تأسفت لذلك كثيرا وتمنيت على الزملاء ان لا يقعوا في ذلك الخطأ القاتل ويدخلون في خلاف مع القضاء بكل مكوناته، لأنه يبقى الملجأ الاخير للجميع مهما كانت النواقص، أو يكفوا عن الاستشهاد بمقولة رئيس وزراء بريطانيا العظمى ترشيل زمن الحرب العالمية الثانية وقد اطمأن لكسبها لما بلغه ان القضاء ما زال قائما عندما كانت لندن تسقط ركاما. انه رأيي بكل صدق وصراحة ولكل من يريد ان ينتقدني لو ارادكامل الحرية، لأني مازلت مرسما بجدول المحامين المباشرين لدى محكمة التعقيب وأتشرف بذلك. واقول للزملاء الأفاضل أنكم بذلك تعملون على أضعاف السلطة القضائية التي ما زالت تسعى للاستقلال ونحن منها، وكان علينا احترامها مهما كانت الاسباب والنواقص التي يجب تلافيها، واذكرهم كما اذكر نفسي بان المحاماة مهمة نبيلة تعمل على إظهار الحق وليسوا هم بطرف مباشر في الخصومة مهما كانت الاسباب التي تغضب او ترضي، لأن العدل وحدة لا تتجزأ. واختم كلامي بقوله تعالى في سورة النساء: هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) تونس في 21 سبتمبر 2019