من الشعارات التي ترددت باستمرار في الحملة الانتخابية للأستاذ قيس سعيد شعار " من أجل التأسيس الجديد " وشعار " من أجل استئناف استحقاقات الثورة وشعار " الانتصار لخط الثورة " وهي شعارات تعمل على دفع مسار التغيير الحقيقي الذي كان من المفروض أن يحصل بعد سقوط النظام القديم وتسير عليه الثورة منذ البداية وهي شعارات تريد تصحيح المسار الثوري الذي عرف طوال الثمان سنوات الماضية انتكاسة والتفافا عليه والحياد به عن مساره الحقيقي. فما يطرحه قيس سعيد هو فكر جديد ورؤية مختلفة إنه يطرح استعادة الوعي بأن البلاد قد حصلت بها ثورة ولكنها لم تكتمل وقامت بها ثورة تتعرض لمحاولات افشالها فحالة الوعي التي حققها قيس سعيد في صفوف الكثير من الشباب ولدى الكثير من المواطنين تقول بأن الوقت ما زال ممكنا لاستئناف الثورة نحو تحقيق أهدافها الكبيرى : شغل ، حرية ، كرامة وطنية. فمضمون مشروع قيس سعيد الذي يطرحه اليوم ويستهوي الكثير من الناس وخاصة فئة الشباب يعتبر أن المعركة الحقيقية هي معركة ضد الفقر والبطالة وتراجع منظومة الخدمات العمومية وتخلي الدولة عن أدوارها الحقيقية في دعم الفئات الفقيرة وتحسين حال الجهات المهمشة وتحسين حال الشعب .. المعركة الحقيقية التي يطرحها قيس سعيد هي معركة من أجل محاربة منظومة الفساد التي طبعت معها منظومة الحكم الحالية وتساهلت معها وتراخت عن محاسبتها في أهدار المال العام ومعركة ضد لوبيات الفساد وشبكات المال والأعمال التي تحتكر التجارة والاقتصاد ولا تدفع للدولة ما عليها من ضرائب وأداءات محمولة على أصحابها . ما يطرحه قيس سعيد هو معركة مصيرية من أجل استعادة الكرامة الوطنية التي تتجسد في استعادة السيادة الوطنية على ثروات البلاد التي يتم نهبها من طرف قوى خارجية بناء على اتفاقيات هي اليوم عبء على الدولة وتمثل تواصلا للاستعمار القديم وإدامة الارتباط مع المستعمر الفرنسي الذي كبل البلاد باكراهات تضمنتها وثيقة الاستقلال والاتفاقيات الست المكملة لها وخاصة الاتفاقية الثقافية والاقتصادية .. ما يطرحه قيس سعيد هو فك الارتباط السياسي والتاريخي مع المستعمر الفرنسي نتيجته استعادة الدولة لحقيقة استقلالها و لقرارها السياسي والسيادي الذي بقي إلى اليوم مرتهن لدى دوائر القرار لبلدان ما وراء البحار . لكن السؤال الذي يفرضه مشروع قيس سعيد من أجل التأسيس الجديد وبناء دولة وطنية عادلة والانتصار لخط الثورة هو إلى أين سيذهب قيس سعيد بعملية استعادة وهج الثورة وتدارك اللحظة الثورية لمواصلة سير القطار حتى لا يتوقف نهائيا ؟ وإلى أين سيذهب قيس سعيد بالثورة الثانية التي يبشر بها ؟ فهل يعني الانتصار لخط الثورة أن نعود إلى اللحظة الثورية الأولى في الأيام الأولى لسقوط نظام بن علي والتي كان وقتها من المفروض أن نلقي بالقديم ونقيم مكانه الجديد ونهدم الموجود ونعيد البناء فالثورة في جوهرها هي هدم للنظام القديم وإحلال محله نظام حكم بديل ؟ أم نعني بالانتصار إلى خط الثورة الابقاء على الدولة وهياكلها والالتفات إلى تحقيق مضامين الثورة في شعاراتها الكبرى المرتبطة بتحقيق العدالة الاجتماعية في المقام الاول ؟ أم أن الانتصار لخط الثورة يعني الهدم لكامل منظومة الحكم وهدم " للسيستام " القائم إذ بدون إزاحة للنسق القائم لا يمكن للثورة أن تنتصر و تحقق أهدافها ؟ ولكن هل فعلا أن لعملية الهدم وإعادة البناء كلفة باهظة وذهاب نحو المجهول ؟ اليوم قيس سعيد يرفع شعار التأسيس الجديد والبناء من جديد واستعادة وهج الثورة والانتصار لخط الثورة ويردد باستمرار أن التغيير الحقيقي لا تكفي معه بعض الاصلاحات والجرعات الاجتماعية التي يمكن أن تسكت الناس لحين ولكنها لا تحل المشكل برمته إنه يطرح التغيير الجذري والقطع مع "السيستام " وكل شبكة الفساد وكل اللوبيات المرتبطة بمنظومة الحكم . اليوم من الواضح أن الكثير من الناس خائفون من خطاب قيس سعيد وهناك خوف من التغيير الراديكالي وخوف من المستقبل و خوف من التغيير السريع والمفاجئ وخوف من خسارة كل شيء .. خسارة مقومات الدولة التونسية وكل الجهد الذي بذلته أجيال كثيرة لبناء دولة عصرية .. اليوم الخوف من أن يحصل للبلاد ما حصل لدولة كوبا في ظل حكم فيدال كاسترو بعد الاطاحة بالديكتاتور باتيستا في ستينات القرن الماضي من عزلة دولية ومحاصرة قوية من طرف قوى مناهضة للتغيير وانكماش الدولة على نفسها بعد قطع علاقاتها الخارجية بتحريض من أعداء الثورة.