هل كنّا نتوقّع من قيس سعيّد عند ظهوره على الوطنيّة واحد أكثر من أنّه سينفي الأمور الخطيرة التي تنسب إليه وهو المرشّح للدور الثاني للرئاسيّة فإن نحن سنحْكم على قيس سعيّد من خلال ما قاله في حواره في الوطنيّة يوم الخميس 26 سبتمبر عندها يكون العَيْب فينا لا في قيس سعيّد فمن العادي جدّا أن يحاول سعيّد التخلّص ممّا نسب إليه بالحجّة والدليل القاطع من أمور خطيرة تهدّد كيان الدولة وذلك بمواصلة الهروب إلى الأمام بالتكذيب و التضليل والمغالطة وإنكار ما نسب إليه من صفحات من الجيوش" السبرليّة" المحرّضة على من ينتقد سعيّد وهي صفحات لها من الحرفيّة العاليّة ما يجعل ارتباطها بجهات مختصّة لا ريب فيه وإجابته بأن لا علم له بها هو إدّعاء حتّى إن صحّ فلا يغيّر شيء إذ مع الوسائل الحديثة للاتّصال صار ما نقوله اليوم مُثْبت بالصوت والصورة و يعتبر إنكاره من باب "سارق وفي يده شمعة" فهذه صفحات ساندته في حملته والقائمين عليها هم من داعِمِيه الذين لا يخفى على أحد انتسابهم إليه وهي شبكات خطيرة ومحكمة التنظيم فمن الطبيعي أن لا يعترف بأنّها تابعة له لأنّ الموضوع خطير جدّا فهل كنّا نتوقّع منه غير إنكارها والتبرّؤ منها؟ - إنّ حزامه الانتخابي المكون من المتطرّفين والتكفيريّن لا غبار عليه وفقد شاهدناه في الفيديوهات مع أقطاب التطرّف من حزب التحرير إلى مخلوف إلى روابط الثورة و من لفّ لفّهم من المرتدين لأقمصة كتب عليها شعار "داعش" كما أنّ مئات الشبكات المستعملة من المتطرّفين والمناصرة له تدلّ على أنّ ورائه مكينة رهيبة مختصّة في ميدان الانتخابات خلافا لما يدّعيه من أنّ الشبان المهمّش قد تطوّع لتأثيث حملته والوقوف تلقائيّا وبدون مقابل إلى جانبه. - من الواضح أن ليس له برنامج وأنّ ما يبشّر به هي لجان شعبيّة بأسلوب جديد وقد ذكر في حواره كثيرا من مصطلحات الكتاب الأخضر المبشّر بحكم الجماهير .ومن خلال حواره اتّضح أنّه مطّلع على خصوصيات عمل اللجان الشعبيّة فهي المنطلق لبرنامجه مع تغيّرات يقتضيها الظرف الذي لا يسمح ونحن على أبواب انتخابات أن يقول كلّ شيء وسوف نعرف الحقيقة المُرّة بعد أن تأخذ كلّ يد أختها. - باقتراب موعد الانتخاب تراجع عن كثير من المواقف التي تتعلّق بالحقوق الفرديّة وخاصة بحقوق المرأة وقد ظهر من تلعثمه أنّ الأفكار الحقيقيّة التي عمل على إخفائها ما زالت مسيطرة عليه وأنّ ما قاله هو ديباجة لاصطياد الناخبين وإرضاء المرأة واستمالتها بعد أن علم بغضب النساء من مواقفه منهنّ. - عندما تستمع إليه تشعر أنّه عادي جدّا فهو يلوك بأسلوب مملّ بعض القواعد القانونيّة التي درّسها لسنين والتي تعتبر زاده الوحيد وهذا غير كاف ولا يؤهّله إطلاق لمهمّة رئاسة الجمهوريّة التي تتطلّب إلماما الشامل بكلّ ما يهمّ شؤون الوطن والمواطن. - بعد أن اطمأنّ على خزانه الانتخابي الذي أوصله للدور الثاني والذي يواصل التهرّب من الكشف عنه وبعد أن انضمتْ إليه النهضة ومخلوف والمرايحي وكلّ المتشدّدين سمح لنفسه بأن يغيّر مواقفه وأن يتقرّب من ما بقيّ من الطيف الانتخابي وذلك لأغراض انتخابيّة فقط أمّا مواقفه الحقيقيّة فستظهر بعد الدور الثاني . -أقول للذين انبروا في الحكم لقيس سعيّد أو عليه لا تتسرّعوا لا تطلقوا الأحكام إلّا بعد المقارنة بين ما قاله في هذا الحوار وما سبق أن قاله في مناسبات أخرى وخاصة حواره في الجزيرة الذي هو أقرب لأفكار سعيّد وجماعته منه لهذا الحوار المفبرك على مقاس الدور الثاني للانتخابات الرئاسيّة والذي جاء باهتا وغير عميق إذ التسطيح هو المخرج المناسب لمن يريد التحيّل على الناخبين. - جوابه عن موقفه من سجن نبيل القروي يدلّ على دهاء ساخر وتضليل للمستمع والمشاهد فعوض أن يعبّر عن رغبته في التنافس مع هذا الذي وضعه صندوق الانتخاب معه وجها لوجه يجيب :"هل تريدون أن أذهب لدائرة الاتّهام وأطلب الإفراج عنه"في من تَسْتَبْلِهُ يا هذا بجوابك الفضّ ؟ فهذا الجواب هو الذي يظهر قيس سعيّد على حقيقته فهو قاس جدّا ويحسن المماطلة تصوّر أنّه عندما يكون في الحكم و يطلب منه أي كان خدمة ما عوض أن يحاول إبداء رأيه وطمأنة الطالب يجيبه هل تريدني أن أطلب من البلديّة أو وزارة كذا..أو الجهة الفلانيّة أن تلبيّ طلبك... ما قاله خطير جدّا ويبرز نفسيته وقدرته على العبث والتلاعب إذ في الأصل الجواب المقبول والأخلاقي لمرشّح لرئاسة الجمهوريّة لا يكون إلّا "أنا مع كلّ المطالبين بإطلاق سراحه وتمكينه من القيام بحملته وأطالب بمواجهته" هذا ما كان مطلوب منه فلم يكن مطلوب منه التدخّل لا في القضاء ولا لدى دائرة الاتّهام أمّا جوابه فلا يليق بمن سيحكم الناس غدا.فهم جواب شعبوي تعتيمي لم يمكّن المشاهد من موقف واضح من قيس سعيّد في هذا الموضوع الحارق فهل تناسى أم هو لا يعرف أنّ بقاء منافسه في السجن وعدم السماح له بالقيام بحملته سيشوّه الانتخابات الرئاسيّة فتُنْعت بالغير نزيهة وغير شفّافة أي أنّها لم تحقّق تكافأ الفرص وتمسّ من مصداقيّة وصوله لقرطاج؟ أم أنّ قصر قرطاج هو هدفه و لو مرّ له على جثّة منافسه؟ . -هنالك دليل قاطع على توجّهاته في السياسة الخارجيّة والتي يواصل إخفائها لكن ومن حسن حظّ الشعب التونسي أنّها من حين لآخر تطفو على السطح إذ الحيلة في ترك الحيل فعلى ماذا يدلّ قوله :"أفْضَلُ من المعاهدات العلاقات مع الأمم والشعوب " فالدولة القائمة بالنسبة له ليس مطالبة بعقد اتّفاقات مع الدول الأخر حسب النظام العالمي الذي ينظّم العلاقة بين الدوّل بل بالنسبة له نَتْرك للشعب التحكّم في علاقاتنا مع الدوّل الأخرى بدون اتّفاقيات ممضاة من الدولة فأين الضمانات وكيف سندافع على مصالحنا ونحن دولة محدودة الإمكانات بشريّا ودفاعيّا واقتصاديّ؟فكيف سنحمي مصالحنا إذا لم نحتمي بالقوانين الدوليّة و تكون علاقتنا مثل ما يقال "تحت الحيط"أليس من الضروري ربط هذا الموقف بما يدعو إليه من حكم محلّي أي لجان شعبيّة وحتّى لا يمرّ هذا الموقف مرّ الكرام أذكّر أنّه قال عند إجابة عن برنامجه هو(البرنامج) موجد في "أمّ العرايس".فهل من تفسير لهذا الكلام ؟ - أرجعوا إلى ما قاله حول موضوعين حارقين بالنسبة للتونسيّن موضوع ليبيا وسوريا فستجدون أنّه لم يقل شيئا فلم يعبّر عن أي موقف واضح فجوابه عبارة على عُموميات لا تلزمه في شيء أليس هذا أمر مريب من مؤهّل لرئاسة الجمهوريّة خاصة أنّه مُسَاندٌ من الذين لهم مصالح في إسقاط النظام السوري وفي تغليب شقّ على آخر في ما يقع في ليبيا؟ -هنالك إجابات تدعو للحيرة ولا نجد لها تفسير ولا ندر هل هو يَسْتَبْلِهُ المواطن أم هو جاد في ما يقوله فما معنى أن يجيب عن شُبُهات علاقاته مع الخارج أنّ ليس له جواز سفر منذ2014 ؟ فهل عدم السفر للخارج يمنعه من العلاقات مع الخارج والبلاد تعجّ بالسفارات والمخابرات الفاتحة ذراعيها وآذانها لمن هو في حاجة إليها من التونسيّن؟ ألا تعْرف يا من تطمح في رئاسة تونس أنّ قبل 2011 كان لما تسمّى بالمعارضة خيوط متينة مع القوى الخارجيّة عن طريق السفارات والمنظّمات الإقليميّة المشبوهة ؟فبماذا تريدنا أن نفسّر جوابك هذا أبقصر النظر أم بالمغالطة المفضوحة؟ -إنّ محيط سعيّد السياسي يجمع بين المتناقضات وفيه العجب العجاب فهو يجمع بين "الرضائين" وبين ريكوبا ودخيج من ناحيّة و مخلوف والجوّادي من ناحيّة أخرى ومتناقضات أخرى يطول تعدادها فكيف ستكون المعركة في قصر قرطاج غدا ومن سيفوز فيها لتوجيه سفينة تونس ؟ ولمن يستغرب من وقوع معركة غدا في القصر نقول له أنّ المعركة قد بدأتْ من اليوم عندما حاول البعض من الشباب إخراج رضا لِينِين من مقرّ حملة قيس سعّد وهؤلاء لا يمكن إلّا أن يكونوا من الطرف اليميني المتطرّف إذن ألا نتوقّع أنّ " البُونِيَا والخَنِيفْرِي" سَتَرْكَحْ في قصر قرطاج وأنّ قيس سعيّد سيكون الحكم الذي يعجز على وضع حدّ لهذا "القَعْبَاجِي".؟ -أمّا حديثه على الصيغة التي يقترحها على رجال الأعمال للمصالحة وهي استثمار الأموال المشبوهة في الجهات فمن المؤسف أن نقول له ما قالته الأغنيّة "لكن توّ خلط موخّر " فمعرفته بهذا الموضوع مجمّدة عند ما قام به المرحوم أستاذ القانون المرحوم "عبد الفتّاح عمر"فكيف لمرشّح لرئاسة الجمهوريّة أن تجاوزته الأحداث في أمر معلوم للجميع ويجعل منه عنصرا من وعوده حتى لا نقول شيء آخر؟ فالواقع مخالف لما برمج له وبذلك يكون أحد أهمّ عناصر برنامجه الذي وعد به شباب المناطق المحرومة قد سقط في الماء "ومن المرسي بدينا نقذف" - باختصار شديد لا يهمّنا اليوم أسلوبه ولا أفكاره التي يسردها مثلما يعرض التلميذ لوحته في الكتّاب فالذي يهمّنا هي مشاريعه التي إلى الآن هي غير واضحة وهلاميّة وتسيطر عليها الإنشائيّة فأين الأرقام وأين المخطّط الزمني للإنجازات الملموسة وأين ما يدلّ على معرفته بالواقع الاقتصادي والاجتماعي فلا رقم على البطالة ولا رقم على عجز الميزانيّة و لا رقم عن نسبة النموّ و لا رقم على الصادرات والواردات واختلال الميزان التجاري.ما سمعناه منه يعتبّر سؤال بجواب "و كلام بكلام " وقد أصَابَ المشاهد في مرحلة من مراحل الحوار المَلَل من ما اعتراه من "روتينيّة" ورتابة تصوّر أيّها المواطن أنّك ستستمع لهذه اللغة وهذا الخطاب الفجّ لمدّة خمس سنوات؟ - أيّها المواطن هل لك تفسير عن سبب عدم تقديم العزاء بالحضور في موكب دفن شهيد المؤسّسة الأمنيّة المرحوم الرائد الهويملي؟ إن ليس لك جواب فها أنّ سعيّد فيجب بأنّ السبب هو هروب من التصوير والدعاية سبحان الله ليته سكت حتّى لا نقول ربّ عذر أقبح من ذنب. -وفي الأخير ليكن في علمك-أيها المواطن- أنّ سعيّد يحبّ اللغة الدارجة وليس هنالك حاجة تعجبه أكثر من حكايات العروي التي كانت باللغة الدارجة الجميلة وأنّه يتكلّم الدارجة كما يتكلّمها الجميع ويمكن أن "تعمل"معه التلفزة حوار باللغة الدارجة هذه اللغة فيها بعض الألفاظ الجميلة جدّا .أقف عند بعض الألفاظ الجميلة جدّا معنى ذلك أنّ بقيّة ألفاظها غير جميلة ثمّ لا يكفي أن تكون معجب بالعروي يا سي سعيّد بل كان عليك أن تخاطب الناس بلغة العروي لأنّها هي اللّغة التي تبلّغ الرسالة لعامة الناس وحيث أنّنا في ميدان السياسي فإنّ الاستشهاد بلغة بورقيبة التي كان يستوعبها الشعب كان أولى بك لكن أعذرك لأنّك خائف من محيطك الانتخابي فبورقيبة يجب أن لا يذكر وإذ اقتضتْ الضرورة ذكره فيجب أن لا يكون ذكره إلّا بسوء وقد صدر عنك هذا في كثير من المناسبات أذكّرك فقط بحكاية الغراب والثعلب . إذن إذا كنت معجب بالدارجة فلماذا ترطن يوميّا بالغة العربيّة على شعب أغلبه لا يفهمها هل هي "ماعُون" الخدمة لأنّ المهمّ بالنسبة لك أن تبهر الشعب لا أن تفهمه إنّ كلامك بالعربيّة القحّة يذكّرني في طرفة وقعت منذ ما يزيد عن أربعين سنة كقد درستُ في دولة عربيّة وبينما كنت في الفصل أشرح بيتا من الشعر عن طريق الكلمة مستعينا بالسبورة لأقرّب الصورة لأذهان التلاميذ إذ بتلميذ يرفع إصبعه ويقول لي:" بربّي يا شيخ عَاوِدْها" فقلت له حسنا يبدو أنّك بدأتَ تفهم " فأجابني :"لا يا شيخ لكن شرحك أعجبني" .وهذا هو حال الشعب التونسي مع ما يقوله سعيّد فهو لا يفهم ما يقوله له لكن يعجبه كلامه.والخلاصة هي لأنّ سعيّد معجب باللغة الدارجة الجميلة فهو يخاطب الناس بالعربيّة نعم هذا هو المنطق التي يريد أن يقنع به التونسّن وفي الختام أذكّر أنّ إطلالات سعيّد التواصليّة وما يزعمه من مواقف هي من باب :" الغاية تبرّر الوسيلة " هذا ما قرّر قيس سعيّد انتهاجه في علاقته بالشعب كلام هلامي وأفكار حمّالة لأوجه كثيرة و هذا سيتواصل إلى يوم الاقتراع و بعده "يعمل ربّي دليل" قال الشاعر الشعبي : لا يَعْجبك نوّار دفْلة في الواد عامل ضَلايِلْ ولا يعْجِبك زِين طفلة حتّى تَشُوفْ الفعَايِلْ و مغزى هذا البيت هو أن لا تغترّر بالمظاهر وبالكلام المعسول إذ ما تخفيه المظاهر والكلام هو الذي يجب على المواطن التفتيش عنه حتّى لا يبقى ملوما محسورا.