من الأخطاء الشنيعة والفظيعة والتي يبدو لي أننا سنندم عليها في المستقبل هو هذا الخطأ الشائع الآن والذي يتمثل في أننا وضعنا كل التجمعيين في «شكارة وحدة» وأخذنا نطاردهم جميعا تحت شعار «الشكارة والبحر» بينما الواقع يقول دائما أن التعميم في الأحكام والتقييم يؤدي دائما الى الظلم.. والظلم لا أحد يحبّه وترفضه الأديان والأخلاق والقوانين ثم انه مؤذن بالخراب كما يقول ابن خلدون.. وكان الأستاذ أحمد زكي طيّب الله ثراه الذي كانوا يلقبونه بالأديب العالم والعالم الأديب وأول رئيس تحرير لمجلة «العربي» الكويتية يسمي الأحكام التي تضع الناس في «شكارة» واحدة بالأحكام الكاسحة التي تخالف المنطق.. والحق.. والعقل.. والقانون.. وكل ماهو صواب.. إننا نظلم الناس عندما نصف كل تجمعي بأوصاف مذلّة.. أو معيبة.. أو مهينة.. فليس كل تجمعي على صورة سيئة وباهتة وقبيحة فهناك من بين التجمعيين من هم شرفاء.. وأنقياء.. وأوفياء.. وأصفياء يستحقون التقدير والاحترام.. وأنا أعرف منهم العشرات بل المئات الذين كانوا يعبّرون في المجالس الخاصة عن استيائهم من كثير من التصرفات والأفعال ولم يكونوا من الموافقين على العديد من المعالجات والمواقف والبرامج والأساليب ولكنهم كانوا مثل الشعب كله لا يملكون ارادتهم.. ولم يكن بوسعهم إلا أن يظهروا ولاءهم ولكن على مضض.. وكانوا باختصار شديد غير أحرار.. وقد سبق أن نبهت الى أن التاريخ السيء ينبغي أن لا يعيد نفسه في تونس.. لقد عانى الناس في عهد بورقيبة من تهمة كانت جاهزة ورائجة لكل من يراد تحطيمه والانتقام منه وحرقه وهي تهمة (اليوسفية).. إذ بمجرد أن تذهب فيه (استفيد) تزعم أنه يوسفي حتى تشتعل فيه وفي عائلته واصدقائه وناسه النار بصورة من الصور!!! وضحايا «اليوسفية» كانوا بالآلاف.. وقد تعذبوا.. وأهينوا.. وجاعوا هم وعائلاتهم.. أما في عهد بن علي فقد وقع استبدال تهمة قديمة بتهمة جديدة وهي كذلك كانت جاهزة.. وحاضرة.. ومتاحة.. إنها تهمة «الإخوانجية» التي حلّت محلّ تهمة «اليوسفية».. التي كان يتم إلصاقها بكل من يُراد التخلص منه لسبب من الأسباب.. وقد عانى الآلاف من هذه التهمة المعاناة التي لا يعلمها إلا الله.. وهي معاناة تتراوح بين السجن والتشريد.. مرورا بالبطالة والتجويع والتنكيل والمراقبة والقهر.. ولذلك لا أظن بل لا أعتقد أن التونسيين اليوم بعد الثورة المباركة وبعد أن أصبحوا مثالا يحتذى في العالم لا يحققون التعايش بين بعضهم البعض.. ولا يسمحون لمن هو تجمّعي بأن يعيش معهم وبينهم وفوق أرض تونس التسامح.. والتصالح.. والمحبة.. إن الثورة معناها أن نحقق خطوات الى الأمام لا أن نعود إلى زمن الاتهامات المرسلة.. وزمن القهر.. وزمن «أنت لست معي إذن فأنت ضدّي».. علينا أن نحمي أنفسنا وثورتنا وبلادنا من الوقوع في خطأ استبدال تهمة بتهمة فنعود من حيث لا نشعر الى دائرة الاختناق التي أفسدت على الأغلبية الغالبة من الشعب التونسي الحياة.. وحرمتهم.. من الحرية والكرامة.. إن التاريخ السيء أعاد نفسه مرة.. ولا يمكن أن يتكرر مرّة أخرى..