أكتب ذلك وأنا حزين مما جرى ووقع لطبلبة التي ولدت وتربيت فيها صغيرا ومثلتها ذات مرة في البرلمان، ولم تقدر هذه الايام ان تصعد ولا بواحد أو واحدة بعدما تجاوز عدد سكانها الخمسين الفا وباتت من أول المناطق بالساحل في الفلاحة والصناعة والأعمال والصيد البحري وتربية الأسماك. لقد فوجئت ولم أتوقع ذلك لأن كل المؤشرات والدلالات كانت تشير لغير ذلك لولا عودة إطاراتها للشقاق والانقسام لأبسط الأشياء. كان آخر مرة رايتها فيها منسجمة ومتعاونة وانتهى منها الكره والشقاق لأبسط الأسباب، وذلك لما زرتها بمناسبة ترشح أحد أبنائها مصطفى كمال النابلي للرئاسة سنة 2014وكيف كان الاستقبال. وتذكرت ذلك اللقاء الجماهيري الذي انتظم له يومها ومآدبه العشاء التي أقيمت على شرفه بفنادق راق ما بالمهدية، وحضرها أكثر من خمسين من إطاراتها ودعائم نهضتها وكانوا اخوانا ليلتها، ولم يظهر عليهم الا الود والاحسان. قال لي أحدهم انهم اجتمعوا كلهم ليلتها ولأول مرة في فضاء واحد، ولم يجمعهم قبلها أحد بسبب العداوات والكره المتبقي في البعض منهم، ونسوه ليلتها اكراما لي للمترشح، فكانت بحق ليلة ليلاء بقيت عالقة في ذاكرتي التي عادت لي هذه الايام لما رأيت ما حصل من تشتت في الاصوات تم منحها بدون رؤية أو تروي وبلا سبب يذكر، فكانت القاضية بحرمانها من ممثل بمجلس النواب وقد افتقدته وكان يمكن تجنب ذلك لو تم التبصر واعمال الرأي. وبالاطلاع على نتائج التصويت الخاص بمعتمدية طبلبة وحدها نرى الافراط في تشتت الاصوات على اغلب القائمات المترشحة بدائرة المنستير، وبعضها لأحزاب نالت منها عددا مهما من الاصوات بدون ان تشمل من طبلبة مرشحا واحد في المراتب الاولى لتكون له أوفر الفرص للنجاح في زحمة تعدد القائمات. كما لاحظت مساندة أحزاب متحيله وبدون برامج تذكر غير اثارة الفتنة والبغضاء، بعدما تجاوزت تونس ذلك، ولقد ضاعت تلكم الاصوات التي منحتها لهم طبلبة في الهواء وذهبت سدى بدون سبب مقنع. أما كان لها إسنادها لقائمة واحدة من القائمات التي تزعمها أحد إبناء طبلبة أو على الأقل للقائمة التي اعتبرت طبلبة في ترتيبها ابن من أبنائها ولو في رتبة ثانية أو ثالثة حتى تضمن له النجاح، ولكن كل ذلك لم يقع وخسرنا الرهان بدون سبب مقنع. وللتذكير كنت مجربا في سابق الأزمان وفِي خريف 1979 بالذات لما قرر النظام القائم وقتها التفتح على المتحزبين في حدود ضيقة وكانت وقتها مهمة جدا لو كنت تعلم. كنت رشحت في تلك الدورة من طرف الحزب الحاكم على قائمة دائرة المنستير التي تركبت من عشرة افراد ليختار منهم الناخبون خمسة. كان فيهم من الوزراء المباشرين محمد مزالي وَعَبَد العزيز بن ضياء والمنجى الكعلي من الوزراء السابقين، وعمر بالخيرية مدير صحيفة لا براس ومحسن نويرة وال سابق وشقيق الوزير الاول وقتها وكاتب هذه الدردشة، وكنت وقتها وال للولاة مدير الشؤون الجهوية بوزارة الداخلية بعدما عملت كمعتمد ووال سابق لسنوات عدة بالكاف وقفصة والقيروان. أما الاربعة الآخرون فكانوا من ابرز الإطارات الجهوية والمحلية تم إدراجهم لإتمام النصاب، وكانوا على غاية من التفهم والانضباط. كان ترتيبي في تلك القائمة بموجب القرعة العاشر والأخير وقد تم استثناء الوزراء من ذلك الإجراء من باب التقدير وقبلنا به لأننا كنا نعترف بالفضل لأهل الفضل ونتقيد بالانضباط المعهود عادة، والمهم انني وقتها وبفضل اطارات طبلبة وحكمائها اجتمعنا وأجمعنا على توحيد صفنا وقررنا مقايضة أصوات الناخبين عندنا بأصوات المعتمدات البارزة ومنها المنستير والمكنين وقصر هلال وجمال وتبادلنا الأصوات المحتملة والممكنة بيننا بالقدر المستطاع وقتها، وبذلك كان ترتيبي الثالث في النجاح مباشرة بعد مزالي وابن ضياء عليهما رحمة الله. واتذكر انه تم إسقاط المنجى الكعلي لأنه كان وقتها في فترة اعادة التأهيل بعدما استقال من الحكومة قبل احداث الخميس الأسود الذي انتهى بضرب اتحاد الشغل وترويضه بإيداع قادته بالسجن الى حين. لذلك قدرت انه لو حصل مثل ذلك التفاهم هذه المرة بطبلبة ومقايضة مراكز القوة في المعتمديات المهمة بولاية المنستير لفازت براحة بمقعد يمثلها في مجلس نواب الشعب. ولكن ذلك لم يقع وربما مستقبلا سيكون درسا لنا. لذلك عنونت هذا الدردشة بطبلبة التي لم اعد اعرفها. ولان طبلبة التي ولدت وتربيت فيها وأحببتها ما زلت أهيم بها، لقد كنت دائما نصيرا لها في كل المواقف والمحن مرت بها ويعز عليَّ عدم تواجدها في البرلمان، لان ذلك لا يتماشى مع تاريخها النضالي وحجمها الاقتصادي والديمغرافي، وكل ذلك معروف لدي الكبار من ابنائها الأحياء الذين كان لهم الفضل في نهضتها والاخذ بيد اَهلها لما افتقدت للسند فوجدته منا جميعا بدون حساب. فطبلبة التي اعطت 8 شهداء من الرجال والنساء في معركة التحرير الفاصلةبمجرد إعلانها من الزعيم الحبيب بورقيبة رئيس حزبها الأوحد بعدما يئس من المماطلة والتسويف الذي تعودت عليه فرنسا التي كانت محكومة بمصالح المعمرين في بلادنا. فكانت معركة 23 جانفي 1952 المسلحة الاولى في تغيير الأسلوب في الكفاح وبما كان في متناول اليد من سلاح وما كان يسمى (بالعصبان) المصنوع بدائي رجالها من مادة الديناميت في شكل قذائف يستعملها الصيادون عادة خلسة في صيد السمك في الخفاء وقد زال ذلك وانتهى الآن والحمد لله. لقد اعترضت به يومها الرجال حامية من العساكر الفرنسيين ارادت المرور من البلدة وصدتها، فرجعت على أعقابها خاسرة وسجل ذلك في تاريخ الحركة الوطنية واذيع الخبر وقتها في اذاعة لندن وما زال الكبار يتذكروه بفخر واعتزاز. انها طبلبة التي كان يختارها بورقيبة ايّام الكفاح للراحة والاستجمام في سانية من سوانيها المغروسة بشجر البرتقال، وقد انقرض منها وشاح بعد ملوحة مياه الابار. انها القرية الفلاحية التي اشتهرت بالباكرات وما زالت قدوة ومثالا يحتذى في ذلك الانتاج الذي انتشر في كامل تراب الجمهورية وفِي المناطق الصحراوية خاصة التي تكثر فيها المياه الدافئة. طبلبة التي لم ينسها بورقيبة أبدا وأذن بجلب المياه لها من نبهانة بولاية القيروان، بعدما بنيً به سد وتم جلب مياهه من بعد نحو 160 كلم لينتفع به الساحل كله وما زال ينتفع والحمد لله. طبلبة التي كان بحارتها يطلبون مرفأ صغير للإيواء قواربها من العواصف الهوجاء، فأذنت حكومة محمد مزالي بفضل محمد الصياح الذي كان وقتها وزيرا للأشغال العامة والإسكان، ببناء ميناء كان السبب في انطلاقها وباتت من أكبر المنتجين في ميدان الصيد البحري بالساحل حتى أصبح ذلك الميناء لا يفي بالحاجة وهو الان بصدد التوسعة. طبلبة التي كان شبابها مضطرا لمواصلة تعليمه الثانوي خارجها، فبات بها خمسة معاهدة ثانوية وتكميلية في عدة اختصاصات. وتحتاج الان لمعهد للتعليم العالي لكثرة المتخرجين منها وتحسين البنية الاساسية فيها. طبلبة التي باتت فيها صناعة تحويلية وأساسية وغيرها، ودورة مالية جلبت كل البنوك المنتصبة لتفتح بها فروعا لها. طبلبة التي كانت مركز علم وتحفيظ القران والتففه في الدين بفضل مقامي سيدي عياش وسيدي علي شبيل صاحبني الاوقاف المخصصة للمساكين والغرباء وطلبة العلم مطلقا الذين كانوا يقصدونها من داخل الايالة ومن البلدان الشقيقة المجاورة للاستقرار والسكنى بمبيتينملحقين بالمقامين المذكورين، واليوم بات الأول بسيدي عياش يستعمل للندوات الثقافية ومقرا لبعض الجمعيات المدنية والثاني بسيدي علي شبيل بصدد الترميم ليصلح لما يصلح. لقد تعبت من التعداد. ولكن الذي حصل فيها هذه الايام أجبرني على تذكير شبابها وأهل الحل والعقد فيها لتدارك ما فات والعمل على ازالة الخلافات والكره والبغضاء، وتلك مهمة العقلاء فيها الذين كان عليهم تدارك ذلك والاتفاق على مرشح واحد تتوفر فيه الصفات الحسنة حتى لا تتكرر المأساة. اقول ذلك ليعلم القاري الكريم من طبلبة ومن خارجها، انني مستاء ممن ساهم في ذلك ومما عددته سابقا، راجيا تدارك ما يمكن تداركه وبما أمكن،وذلك بتفهم إطاراتهاواردتهملتتطور وتتقدم ولا تتراجع لأسباب لا تقنع أبدا، والى مناسبة اخرى قادمة علني اكتب لكم المزيد عنها المزيد وبالفصيل ان لزم والسلام. تونس في 10اكتوبر 2019