في رده على ما قاله أستاذ القانون الدستوري والمحلل السياسي جوهر بن مبارك في برنامج حواري على قناة " التاسعة " ليلة الثلاثاء 15 أكتوبر الجاري حول موضوع ماذا حصل في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية ؟ وتفسير كيف ولماذا اختار جانب كبير من الناخبين التونسيين المرشح قيس سعيد ؟ حيث ذكر أن قاعدة الفرز في هذا الدور من الانتخابات كانت واضحة وأن الناخب وجد أمامه شخصيتان واحدة تمثل العفاف والطهرية والاستقامة و الدفاع عن الحقوق وشخصية ثانية ترمز إلى الفساد ومتعلق بها شبهات فساد وتبييض أموال وتهرب ضريبي والناخب قد اختار الاستقامة ونظافة اليد على الفساد والاستقواء بالمال ، في رده على هذه المقاربة التي يتبناها جوهر بن مبارك والتي يفسر بها الفوز الساحق الذي تحصل عليه الأستاذ قيس سعيد على حساب نبيل القروي ذكر الطاهر بن حسين اليساري المعروف والمالك السابق لقناة الحوار التونسي والمعارض الشرس لحكومة الترويكا بأنه من غير اللائق أن نصف أي إنسان بالفساد طالما لا نملك أدلة إدانته وفي غياب حكم قضائي يجرمه واعتبر أنه لو يصدق كلام جوهر بن مبارك بأن منافس قيس سعيد فاسد فهذا يعني أن كل من صوت لنبيل القروي فاسدون وهذا حيف في حق أكثر من مليون تونسي وتونسية أعطوا أصواتهم لفائدة نبيل القروي. ولما أصر جوهر بن مبارك على موقفه واعتبر أن المعركة الانتخابية كانت معركة قيم ومبادئ وأفكار ومعركة بين من هو مع الفساد وبين من هو ضد الفساد ، قال الطاهر بن حسين أتريدون أن تعرفوا لماذا انتصر الشباب لقيس سعيد ؟ ولماذا انتفضت الصناديق ضد الطبقة السياسية وعاقبت الكثير من الأحزاب وهزمت منظومة الحكم التي تسلمت مهمة إدارة الدولة لقد حصل كل ذلك لأن الشباب الذي قام بالثورة تيقن أن من ائتمنه على مواصلة مسارها قد التف عليها وانحرف بها. وأضاف : إني أقر بأن ثورة الصناديق التي قادها هذه المرة الشباب قد حصلت لأن المرحوم الباجي قائد السبسي والمحيطين به لم يكون مؤمنين بالثورة ولم يكون يوما مؤمنين بأن البلاد قد حصلها بها ثورة .. لقد كان الباجي والمحيطون به مؤمنين بأن ما حصل بعد سقوط نظام بن علي هو أن البلاد قد سقطت وبأن الدولة قد انهارت وأنه عليه انتشالها بكل الوسائل والطرق. ربما تكون هذه الشهادة التي أدلى بها الطاهر بن حسين عن موقف المرحوم الباجي قائد السبسي من الثورة وعن رؤية كل الطبقة السياسية التي كانت محيطة به وتسنده من ثورة 17 ديسمبر 2010 و 14 جانفي 2011 قد جاءت في سياق الدفاع عن رئيس حزب قلب تونس وفي سياق مساندة نبيل القروي و في سياق التقليل من فوز قيس سعيد ومحاولة منه لتفسير أن ما قام به الشباب في هذه الانتخابات كان بسبب خيبة الأمل التي منوا بها بعد أن وقفوا على أن الباجي قائد السبسي ومن كان يدور في فلكه لم يكون يوما مؤمنين بالثورة ولكن الأمر الخطير الذي لم يقرأ له الطاهر بن حسين حسابا لما قال ما قال هو أن هذه الشهادة التي أدلى بها هي على درجة من الخطورة والأهمية لأنها تأتي من رجل كان أحد المؤسسين والفاعلين في بناء حزب نداء تونس وأحد المؤثرين في اعتصام الرحيل الذي اضطر حكومة الترويكا أن تترك الحكم قبل انتهاء عهدتها وأن تخرج من غير باب الانتخابات الذي جاءا منه وأحد العارفين بالمطبخ الداخلي لحزب الرئيس الباجي بما يجعل من شهادته هذه مهمة للغاية في كتابة تاريخ تونس المعاصر وكتابة أحداث الثورة التونسية والتأريخ للحظاتها الراهنة ومن خلال الشاهدين عليها و الفاعلين فيها زمن حضورهم وليس بعد مماتهم فالطاهر بن حسين بهذه الشهادة على عدم إيمان الرئيس الباجي بالثورة يمنح للمؤرخين وثيقة مهمة لتفسير وفهم حقيقة الثورة التونسية وفهم ما حصل لها من ردة والتفاف وفشل .. وبهذه الشهادة نفهم الكثير من الوقائع و الأحداث التي أثرت بقوة حتى يتعثر المسار الثوري ويتراجع الانتقال الديمقراطي ونفهم لماذا انتصرت لفترة الدولة العميقة والثورة المضادة وقوى الجذب إلى الوراء وفهم لماذا فشلت العدالة الانتقالية وكيف فشلت المصالحة الوطنية التي عول عليها الكثير من الناس لطي صفحة الماضي من دون توريث الأحقاد للأجيال القادمة وفهم كيف عاد رموز النظام القديم ومن أعاد منظومة الحكم القديمة للمشهد السياسي. بهذه الشهادة الحية فقد أفصح الطاهر بن حسين عن حقيقة من الحجم الثقيل لها وزنها في الكتابة التاريخية المعاصرة التي أصبحت تكتب لحظة وقوع الحدث وبحضور من كان فاعلا فيه وقيمتها تكمن في أنه قد كشف عن حقيقة علاقة المرحوم الباجي بالثورة التونسية و الدور الذي لعبه وقام به هو و من كان في محيطه السياسي من أجل إفشال الثورة وغلق قوسها وطي صفحتها وجعل الناس تكره الثورة وتكفر بمن قام بها وبمن قادها فبهذه الشهادة التي نحسب أنها مهمة للمؤرخين حتى يكتبوا تاريخا للثورة بقدر كبير من الوضوح ويكتبوا سردية التونسيين الذين قاموا بثورة ولكنها كانت ثورة مغدورة و ثورة غير مكتملة بسبب أن من ائتمن عليها قد غدر بها و وأفشلها لأنه لم يكن يوما ثوريا ولا مؤمنا بالثورة ولا مؤمنا بأن البلاد قد حصلت بها ثورة ..