لقد غضب وقد ابتأس وقد أسف وقد حزن بعض التونسيين والحمد لله انهم قلة قليلة من الذين يصطادون كعادتهم في الماء العكر والذين كثيرا ما نراهم ونسمعهم يخلطون الأمور ويعجزون لمنطقهم المعوج وقلوبهم المريضة عن التفريق بين الخير والشر وبين ضوء الشمس ونور القمر وبين حلاوة الحلو ومرارة المر... قلت لقد غضبوا وحزنوا وابتأسوا واسفوا لما جاءهم نبا وخبر إقالة او استقالة وزيرين من وزراء الحكومة الحالية واعتبروا ذلك خسارة من الخسائر الوطنية وخطا من اخطاء رئيس الجمهورية ولعل المضحك في الأمر ان كل هؤلاء الآسفين والمبتئسين وبلغة وتعبير الشباب الدارجة (النبارين) كانوا سابقا من اشد الغاضبين والمنتقدين والناقمين على حكومة يوسف الشاهد منذ شهور وكانوا يدعون الى اقالتها وتنحيتها فيما يقولونه من كلام وفيما يكتبونه من سطور فلما اقيل هذين الوزيرين هاجوا وماجوا وودعوهما ونعوا زمانهما بالمديح وربما بالدموع وبالصياح والنواح ولو استطاعوا لكان التوديع بالقبل ورمي الزهور من المساء الى الصباح في موكب كبير يشهده العامة ويصفق له الجمهور واصبح عندهم هذان الوزيران بين عشية وضحاها كما يقول عامة التونسيين بمختصر وبموجز الجمل(فيهم السكر وفيهم العسل) ولا شك عندي ان هؤلاء الغاضبين والرافضين و(النبارين) في هذه الاستقالة اوهذه الاقالة لم يمروا في تعليمهم و ثقافتهم التى ظهرت في كثير من الأحيان للابصار و للعيان ضعيفة عجيفة مليئة بسقط المتاع وربما بالحثالة بتلك المقولة التي انتهز هذه الفرصة للترحم على من قالهاوهي ان(كل دولة يخدمها رجالها) وسواء عندي اكان هذان الوزيران قد استقالا بمحض ارادتهما او اقيلا بارادة وسلطة من هو فوقهما فلاشك ان المنطق يقول وينبئ انهما ليسا من ذوي المؤهلات الضرورية الثورية التي يعشقها ويرفعها رئيس الجمهورية الحالية والتي تجعلهم عنده اليوم نافعين في هذه المرحلة السياسية الحالية وهي مرحلة اكدت الانخابات الرئاسية والبرلمانية واجمع جميع العقلاء النزهاء انها مرحلة عادت فيها مبادئ ثورة الربيع والياسمين الشعبية كاول ايامها وعهدها الى تبوا مكان الصدارة في تفكير ومواقف الطليعة والقمة التي ستحكم مستقبلا وستسطر غدا سياسة هذه البلاد وانني لاتذكر في هذا المجال تلك الجملة التي كان يرددها بورقيبة كلما راى امامه ان الحال قد تغيرعنده الى احس حال(عاد الدر الى معدنه)...فما على هذين الوزيرين الذين كانا قد حصلا على مناصب سياسية في فترة سابقة ثم عزلا واقيلا منها ثم عادا اليها في فترة لاحقة وما على انصارهما ومحبيهما ايضا الا ان ينتظروا وان يصبروا فلعل حالا اخر وريحا اخرى قد تهب على البلاد التونسية ولربما تنتكس الثورة مرة اخرى لا قدر الله من جديد ويعود فيها الى الوزارة من استقال او من اقيل او لم نر ان الباجي قائد السبسي رحمه الله وغفر له ما قدمت يداه قد عاد الى عالم السياسة يوما من بعيد وقد حاز منصب الرئاسة وهو قد تخطى سن الثمانين ؟ اولم نر بعده الرئيس الحالي قيس سعيد يحكم اليوم ويولي ويعزل ولم يكن وراءه ولا امامه يوما حزب تقليدي معروف قوي نافذ متسلط عتيد؟ وعلى كل حال ومهما كانت التعليقات ومهما كثرت التحاليل والأقوال ومهما اكثر الغاضبون من اللوم ومن (التنبير) ومن السؤال فاننا نظن ان هؤلاء المتاسفين وهؤلاء الغاضيبن على ذهاب ريح وذهاب زمان هذين الوزيرين المعزولين يوافقوننا انهما لم يكونا وهما في منصب الوزارة ماسكين السماء فوق رؤوس التونسيين حتى لا تسقط علينا او تطيح فقد كان وزراء عديدون قبلهما وسيكون بعدهما وزرا ء اخرين وان الحياة في بلادنا ستسمر مهما تولى وزارة الخارجية ووزارة الدفاع فيها وغيرهما من الوزارات الأخرى وزراء من النوع الجيد او من النوع الردئ ومن النوع المليح او من النوع القبيح...