كلنا نترقب بفارغ الصبر، طرح خارطة طريق، تفتح من جديد ابواب الامل لشباب افنى عمره في البحث عن المعاش، وسئم السياسة ومدبريها، لانهم فشلوا، بكل الموازين،في انقاض البلاد، والمرور بها الى شاطئ الامان، وعبثوا أيضا باستدراج الناخب، والتمويه عليه، بحل مشاكله المطروحة منذ الثورة، وكان كل ذلك سراب في بحر من الاوهام، ظهرت عواقبه بكل وضوح، في السنوات الاخيرة التي كانت مواصلة لنظام انقلابي بائس، غايته الثروة لأزلامه،وتوالت الوزارات ومساعديهم بالمئات،بعد الثورة حتى نفذ ادخار الدولة، و جفت شرايينها، وبما ان بلادنا اصبحت بلاد العجائب والغرائب، كل شيء اصبح فيها ممكن، وقابل للتجربة،ففقدت دولة القانون اصولها، واندثر الحلم لمزاياها، اذ تعطل بعثها، وتدهورت ارجاؤها، واستولى على آفاقها عصابات بدون مرجع، وبدون رأفة على بلاد اصبحت مخبرا لكل النوايا الداخلية والخارجية، وكل التجارب التي تعرقل اشعاعها، وتكون حجرة عثرة في مسيرتها، و في تقدمها الى الافضل،وفي تصور طموحها الى المزيد من الرقي والتقدم،اتت جحافل من الخارج تمول من الحلال والحرام بدون رقيب يذكر،لإنجاز اجندات غير مشروعة،و لأدل على ذلك من الاخبار التي تأتينا بهاصحيفة اسبوعية، تذكر فيها بتمويلات من الخارجلفائدة جمعيات،على الرغم من وجود هيأة دستورية دورهاملاحقة الفساد والرشوة لقد اطنبنا،منذ الثورة، في توافقنا، وأشدنا كثيرا بجهود الرباعي الراعي للحوار الوطني، لكن اين نحن من تلك الاهداف التي ترمي الى الغيرة على الوطن، والإحساس بمسؤولية حمايته، من كل مخاطر العنف والفوضى؟ اين المنظمات الراعية للحوار ومتابعتهالتجربتها في معالجة الأزمات بإدارة الحوار الوطني من جديد؟منيمكّن اليوم من تقريب وجهات النظر ودعم أسس الوحدة الوطنية؟من يجرأ بتسريع نسق الأعمال التأسيسية الخاصة التي اتى بها دستور الجمهورية الثانية؟ هذا الدستور الذي،مع الاسف الشديد،لم يجسّم فعلا طموحات شباب تونس و شعبها في "نظام جمهوري ديمقراطي تشاركي السيادة فيه للشعب"، بل اصبح من مشاكل النهوض بالأمة، ووجب حينئذ اعادة النظر في نواقصه، وجعله يتماشى مع الواقع،وان توصّلنا بعد عناء الى انتخابات رئاسية وتشريعية افرزت، في واقع الامر، احزاب فائزة بدون مرجعية،وجلها بدون برنامج ملموس،واغلبها بدون قياديين اكفاء،فالسؤال الذي يطرح نفسه اذا، كيف يمكن فيهذا الخضم الغير واضح، والضباب المكثف في القرارات،والتذبذب المتواصل في الافكار، والخلاف العميق بين مكوني الاحزاب والجمعيات، وازدياد الجفوة بين الرفقاء، وتعكر الاجواء بين المبوبين على قيادة البلاد، كلهم في مسرح فوضى خلاقة للازمات، كيف يمكنللمجلس النيابي اذا الشروع في القيام بمهامّه، من خلال التشريع،ومراقبة العمل الحكومي، وإرساء التواصل مع المواطنين خاصة من طرف نوّاب الشعب، الذين هم اليوم مطالبون بالإنصات إلى مشاغلهم، ورفع مطالبهم إلى الجهات المعنية، والتدخّل لديها للاستجابة لها، والطلب بتسويتها،والسؤال المطروح ايضا كيف يمكن تفادي البطء الحاصل الذي سيشهده لامحالة عمل المجلس في المجال التشريعي؟هل اعتماد التوافق كمبدأ في تجاوز الإشكالات قبل اللجوء إلى الجلسة العامة للمصادقة على مشاريع القوانين،كما كان ذلك في الدورة الاخيرة، لازال ساري المفعول؟ هلكل ما يتطلّب الكثير من التروّي، والمزيد من التشاور لتقريب وجهات النظر،لانّ أغلب مشاريع القوانين تتطلّب، إلى جانب توسيع الاستشارة لدى أهل الاختصاص، تكثيف التشاور داخل المجلس بين مختلف الكتل البرلمانية،هل هي الطريقة التي سيقع اتباعها؟هل حصة مساءلة الوزراء ستتواصل كعادتها بعدم الحضور او الغيابات العشوائية؟ما هو الرد على "تولي السوق والدلال" في تكوين هذه الحكومة و هذا التمشي خطير في حد ذاته اذ ينبا بان بقايا "عروشية" بدأت تتحرك في الساحة وفي المناسبات،و ان تفتح جروح قديمة في المجتمع ليس هو في صالح الوحدة المنشودة، و كذلك التحريض على الانتهازية، وازدياد الضغينة، لمن له اغراض، "بونتوات"، يحاول تصفيتها بطريقة او بأخرى، و خاصة في المواسم الانتخابية، كل ذلك يفقد القدرة على خلق راي عام، و وجود رغبة في التوفيق بين الآراء، التي تبنى بها المستقبل، ليس بشكل ظرفي فقط،اما المسرحيات المتتالية، وجب وضع حد لها في اقرب الآجال،وكلنا نضيق ذرعا بغلاء المعيشة وقلة الرواتب وانعدام الامن وقلة فرص العمل و...و...الخ، وليتصرف كل منا الى عمله ويجد ويجتهد، و يترك الاحزمة السياسية المتفككة، تبحث على كرسي الحكم ومنافعه، والا من الرصانة الرجوع الى الشعب ليقول كلمته الفصل، وقد نفذ صبره، وتحمل ما لا يطاق في مستوى عيشه وامنه،وحتى اللغة التي يخاطب بها اصبحت من الازدواجية بمكان، حتى فقدت الكلمات مرجعيتها وادلتها، والمعطيات الجديدة التي يتداولها العالم، اصبحت ان الدخل الفردي تحدده الكفاءة،وقيمة العمل المنجز، و ان الدولة تخلت عن دور المستثمر الاول، والمنظم الرئيسي لكل النشاط الاقتصادي،وذلك تحت ضغط الدول القويةماليا واقتصاديا، ونظرا الى ان البنك الدولي والمنظمات المالية العالمية الاخرى المانحة، ممولة اساسا من هذه البلدان الغنية، فرضت على الدول المقترضةان تغير سياستهامهما تكن تركيبة حكمها، وفق متطلبات هذا التوجه الجديد، والذييراعي ايضا، ان يكون المقترض قادرا على سداد ديونه،لذا يشترط عليه صرف الاموال التي تسلم اليه بشفافية و طريقة رشيدة،ذلك هو المخطط الذي يتحكم في مصيرنا، وكفانا التمويه و وجب مجابهة الصعوبات بكل شفافية واخلاص لهذا الوطن، وليس لمسؤول بمفرده امكانية حلها مهما كانت مؤهلاته، بل البحث، وهو طريق الصواب، عن فريق قليل العدد، متعدد الاختصاصات، له من الخبرة والتجربة، ومن المستوى العلمي والاخلاقي ما يجابه الازمات المتتالية منذ الثورة وبذلك تنقشع الغيوم وتحل الطمأنينة.