قُدّر لي في ربيع سنة 2012 أن أخرج في زيارة عمل إلى عاصمة من عواصم بعض بلادنا العربية بالخليج، لم أكن متحمّسا جدّا للسفر لأنني أعرف تلك الأصقاع جيّدا منذ زمن بعيد وماتت عندي الرغبة في السّفر ومشاقّه أنا الذي تعبَتْ من السّفر الطويل حقائبي، ولكنّني فوجئت بالقفزة العمرانية التي عرفتها هذه العاصمة في ظرف وجيز، فقد هُيِّءَ إليّ أنّي في نيويورك بناطحات سحابها وهي المدينة التي كان أعلى مبنى فيها فندق لا يتجاوز العشرة طوابق!! وسواء قيل في شأن هؤلاء الرّجال الذين بنوا هذه المدينة أنهم نصبوا بأموالهم أبراجا من الزجاج في الصحراء يسهل على أيّ معتد تهشيمها بسرعة البرق أم لم يقل، فإنك لا تملك إلاّ أن تنحني احتراما للرجال الذين لم ينتهبوا المال العام كلّه بل بنوا بنصيب وافر منه بلادهم على نحو مشرّف جدّا.. وقد لقينا من الحفاوة والترحاب وكرم الضيافة ما تضيق العبارة عن وصفه..وكان أن رُتّبت لنا زيارات الى بعض المعالم والأسواق بل وحتى زيارات ترفيهيّة الى بعض الجزر ببحر الخليج العربي .. وكان من ضمن ذلك زيارة المتحف الإسلامي بالمدينة وهو متحف في منتهى الجمال يحيط به الماء من كل جانب ويتكوّن من عدّة طوابق تأخذك اليها مصاعد زجاجيّة وسلالم متحرّكة فلا تشعر بأي ضيق في التنقل بين طوابقه..وكان دليلنا في المتحف حسناء هنديّة رقيقة القسمات،مليحة، ممشوقة القوام مرسلة الشعر كأنما نسيت قطعةٌ من الليل أن ترحل عن رأسها وعينيها عند الفجر، لا يعيبها إلا عدم إتقانها للغة العربيّة وعدم إجادتها لغير الانقليزية لغة خطاب، وأخذت تتجوّل بنا في أقسام المتحف شارحة واصفة مثمّنة لأنفس معروضاته، ومضت لتتوقّف عند هذه الصفحة (المنشورة مع الخبر) من القرآن الكريم والمكتوبة بماء الذهب على ما يبدو أنّه الورق الأزرق النادر، ومضت تتحدّث عن هذه التحفة النّادرة التي اقتناها بعض الوجهاء لفائدة المتحف..ولم أتمالك نفسي والله. فقد صرخت فيها: أتفخرين عليّ بثوب أبي؟؟ هذه صفحة من المصحف الأزرق الذي سرقت بعض صفحاته من تونس ولا نعرف أين اختفت؟؟ .. كان النقاش على أشدّه وقتها في تونس حول سرقة صفحات انتزعت من المصحف الأزرق وكتبت مقالات ومقالات تتهم هذا أو ذاك بسرقة صفحات من هذا المصحف النفيس الذي يعود تاريخه الى القرن الرابع ه. وإثر عودتي الى تونس أبلغت الوزير آنذاك بالحادثة فأكّد لي أنه سيعلم الجهات المعنيّة للنظر والمتابعة ولكنّ شيئا من ذلك لم يحدث أبدا. وقُدّر لي أن عدت الى هذا البلد مرّات وقصدت المتحف المذكور مرّات ولم أعثر للصفحتين المذكورتين على أثر بعد ذلك مطلقا فقد تمّ حجبهما وإخفاؤهما عمدا.. والله غالب على أمره.