في تعليقه على الاستنكار الشعبي الذي لاقته المشاركة التونسية في دورة كأس " فيد " للمنتخبات الأولى للسيدات للتنس والتي تجري فعالياتها في العاصمة الفلندية هيلسنكي بداية من 5 فيفري الجاري والتي جمعت الفريق التونسي بقيادة اللاعبة أنس جابر مع الفريق الإسرائيلي قال البطل الأولمبي في السباحة أسامة الملولي " إن الصراع العربي الاسرائيلي ليس له مكان في الرياضة. " لقد اخترنا هذا الموقف الرياضي من قضية التطبيع مع الكيان الصهيوني لنبدأ به الحديث عن الجرح الفلسطيني في هذا الظرف الخطير الذي تمر به القضية الفلسطينية في ظل ما يعرف اليوم بصفقة القرن أو بخطة الرئيس الامريكي دونالد ترامب لإحلال السلام في الشرق الأوسط وإيجاد صيغة عادلة لحل الصراع العربي الاسرائيلي تقوم حسب تصوره على اعتبار أن معظم الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 مع جميع المستوطنات التي أقامتها أرضا عبرية تابعة للكيان الغاصب مع الإبقاء على مدينة القدس تحت السيادة الإسرائيلية وترك للفلسطينيين مدينة غزة فقط ليقيموا فوقها دولتهم من دون أن يكون لهم الحق في تكوين جيش يحميهم ومنح الجانب الفلسطيني مدة أربع سنوات كمهلة للدخول في مفاوضات مع الإسرائيليين لتطبيق هذه الخطة مع تخصيص ميزانية للاستثمار وإعادة الإعمار. إن الخطير اليوم هو هذا المنعطف الذي بدأت تعرفه القضية الفلسطينية منذ سنوات من طرف النخب العربية وهذا التحول في الموقف الشعبي من مناصرة القضية وتراجع منسوب التعاطف مع ما تتعرض له فلسطين أرضا وشعبا من انتهاكات مستمرة على أيدي المحتل الإسرائيلي فاليوم لم يعد التطبيع والاعتراف الضمني وغير المعلن بالكيان الصهيوني مقتصر فقط على الحكومات والسياسيين العرب لاعتبارات عديدة يطول شرحها واليوم لم يعد التطبيع مع الكيان الاسرائيلي منحصر في الموقف الرسمي للدول وإنما التطبيع قد انزاح في هذا الزمن الرديء إلى الشعوب وإلى الكثير من أبناء الأمة العربية الذين بدؤوا يصرخون علانية بأن القضية الفلسطينية ليست اليوم قضيتهم وبأنه لم يعودوا مستعدين للتضامن مع الفلسطينيين ولا متعاطفين مع ما يحصل لهم على يد الآلة الحربية اليهودية وبأن القضية الفلسطينية هي قضية فلسطينية إسرائيلية فقط وما على الفلسطينيين إلا أن يحلوها بأنفسهم. إن الخطير اليوم في ما نشاهده من ردة فعل سلبية غير معهودة من قبل الشعوب العربية التي خفت تضامنها وتآزرها مع الشعب الفلسطيني وبدأنا نسمع من يتحدث على أن قضيته الأم والرئيسية هي مشاكله الداخلية وأن الجرح الفلسطيني لم يعد من بين أوليات اهتمامه وبدأنا نسمع خطابا جديدا يستنجد بإكراهات الداخلية للشعوب العربية لتبرير عدم الاهتمام بما يدور في الأرض السليبة وخطابا آخر يعتبر أن ما يعيشه الشعب العربي ومنهم الشعب التونسي من فقر وبطالة ومشاكل سياسية واقتصادية كثيرة تغنيه عن الالتفات إلى العمق العربي والتنديد بما يحصل في مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم . إن الخطير اليوم في هذا الوعي المقلوب أو في هذا الوعي الناقص الذي يحفه ضباب كثيف يحجب عن أصحابه الرؤيا في كيفية التعامل مع الأمور وهو وعي يزيد من ضعف القضية ومن والوهن العربي الذي كان سببا في تواصل المأساة على اعتبار وأن قوة القضية الفلسطينية وبقاءها إلى اليوم حاضرة وحية في وجدان وقلوب الناس كان بفضل وعي وثقافة وإرادة المواطن العربي الذي لم يكن متجانسا مع قيادته السياسية التي كانت دوما راضخة للاملاءات الأمريكية في التعامل مع الإسرائيليين وبقي هو وفيا للانتماء العربي ومواصلا لنصرة القضية المركزية للأمة الإسلامية . اليوم معاول الهزيمة كثيرة ومن أخطرها ما يحصل من انعطاف خطير للقضية الفلسطينية من طرف الشعوب العربية وعلى أيدي أبنائها فما يحصل اليوم في الوطن العربي من برود شعبي وعدم اكتراث لما يحدث من ترتيب لمستقبل الفلسطينيين هو أمر خطير للغاية فإذا كان الوطن العربي بالأمس القريب يهتز هزا عنيفا وتخرج شعوبه في مظاهرات ضخمة واحتجاجات كبيرة ضد كل عدوان يحصل في فلسطينالمحتلة في حركة تضامنية من " نواق الشط الى جاكرتا " تخيف الغاصب وتقلق المتحالفين معه وتسند الحكومات العربية الضعيفة وتعطي دفعا قويا للنضال الفلسطيني كي يستمر في طريق المقاومة والنضال حتى استرجاع الحق المغتصب فإن ردة الفعل العربية اليوم باتت باهتة وتحرك الشعوب العربية لم يعد يسمع له دويا وتلاشى الحماس المعهود ولم نعد نرى ذلك الاندفاع العفوي تجاه كل حدث يتعلق بالقضية الفلسطينية فباستثناء الشعب التونسي الذي مازال لديه شيء من الحماسة وبقى له قليل من التضامن ولو أنه هو الآخر قد تراجع كثيرا فإن باقي الشعوب العربية لم يعد يعنيها ما يحصل في فلسطين وحتى الشعب المصري الذي كان خروجه في الماضي في مسيرات حاشدة تهز العالم لم نعد تسمع له صوتا مطلقا بما يوحي أنه هو الآخر لم يعد معنيا بما يحصل على حدوده التاريخية مع فلسطين. قد تكون أسباب هذا التراجع في التضامن مع الفلسطينيين كثيرة ومفهومة عند أصحابها وقد تكون مبررات هذا التراجع في المساندة معقولة إلا أن كل ذلك لا يمكن أن يبرر التخلي بالكلية عن نصرة اخواننا في الأرض المقدسة ولا يمكن أن نفهم هذا السلوك السلبي والضعيف في التعاطي مع ما يحاك للقضية الفلسطينية من خطط ومؤامرات وبرامج هي كلها ليست في صالح العرب والمسلمين . إن الخطير اليوم هو أن ينتقل التطبيع مع الكيان الاسرائيلي إلى الشعوب بعد الحكومات وأن يصبح الاعتراف بالكيان الغاصب واقعا وحقيقة يجب أن نتعامل معه وأن نقبل به فاليوم قد أصبح لدينا جانب من الشعب يقول لك بأن الفن والثقافة والرياضة ومجال الشباب والحركات النسوية لا علاقة لهم بما يدور في عالم السياسية وبأن مقاطعة التعامل مع اسرائيل مجالها الدبلوماسية والخارجية أن المجالات الأخرى من اقتصاد وتبادل للخبرات العلمية وإجراء المباريات الرياضية فهي لا تدخل في مفهوم التطبيع المحجور. اليوم علينا أن نعترف بأن الآخر قد استطاع أن يكسر حاجز الصمود العربي في مقاومة التطبيع وأن يضعف جبهة الممانعة تجاه كل تعامل مع الكيان الاسرائيلي واستطاع أن يهزمنا في عقر دارنا ومن دون سلاح ولا رشاش وإنما قد هزمنا بفعل أبنائنا وبفضل جيل جديد ينقصه الوعي الكامل بخطورة ما يفعل ويفتقد لمعنى ومفهوم الانتماء إلى أمة عربية وإسلامية واحدة وإلى مصير وتاريخ عربي واحد يفرض على الجميع واجب التضامن والتآزر في المحن التي تحل بها . علينا أن نعترف أن الكيان الصهيوني قد ربح معركة الإعلام واستطاع أن يشق صف الوحدة العربية وأن يضعف من معنى الانتماء و التضامن مع الفلسطينيين ليخرج علينا اليوم مثل أسامة الملولي وكثير مثل أسامة الملولي من يقول لنا بأن الرياضة لا علاقة لها بما يحدث من صراع بين العرب والإسرائيليين لقد كان مثل هذا الكلام في الخمسينات من القرن الماضي جريمة كبرى يعاقب عليها صاحبها وخيانة عظمى يحاكم بسببها كل من طبع ثقافيا أو إعلاميا أو رياضيا أو فنينا مع الكيان الصهيوني أما اليوم فإن جيل الحاضر يقول لنا نحن الحالمين والذين لا تزال تحكمنا مشاعر السياسة الرومانسية بأن التطبيع مع الإسرائيليين هو اليوم حاصل في مجال العلاقات الاقتصادية وفي مجال السياسة وهو أمر واقع ومعلوم لدى الجميع وبأن مناصرة القضية لا تكون بالخروج في الشوارع والصراخ عاليا " تسقط إسرائيل " لنعود بعد ذلك إلي منازلنا من دون أن يتحقق للقضية شيء أو بالامتناع عن إجراء منافسة رياضية مع لاعب أو فريق إسرائيلي لا يقدم ولا يؤخر في شيء من الواقع العربي وإنما المناصرة الحقيقية إن كنا جادين في التضامن مع الفلسطينيين لا تكون إلا من خلال القوة فما سلب بالقوة لا يؤخذ إلا بالقوة والقوة أنواع كثيرة منها العسكرية ومنها الاعلامية ومنها التجارية الاقتصادية ومنها المالية والعلمية الثقافية وكل هذا مع الأسف لا يملكه العرب و تحتكره اسرائيل فعن أي نصرة تتحدثون ؟