اليوم كما يقول العرب هو يوم الإمتحان و فيه يكرم المرء أو يهان حين فوجأت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرون ذات يوم من أيام مارس 2020 الراهن بتفشي وباء الكورونا في أنحاء العالم بأسره وهي ذات العضوية في الاتحاد الاوروبي الذي بدأ في التكوين من ستة دول في عام 1957 فيما يسمى السوق الأوروبية المشتركة تحمس لها أنذاك الرئيس الجنرال ديغول كمشروع تجاري لتيسير التجميع التجاري فقط دون وحدة سياسية لم يكن يؤمن بها لا هو و لا ألمانيا و لا بريطانيا ما عدا فقراء الجنوب وهم إيطاليا و اسبانيا و البرتغال و اليونان.. ويتكون الاتحاد الآن من 28 دولة 19 جمهورية وستة دول ملكية ودولة واحدة يحكمها دوق وهي اللكسمبورغ. وتعتبر كرواتيا آخر الدول المنضمة للاتحاد في الأول من يوليو عام 2013.هذه الدول الثمانية و العشرون أفاقت من سبات التنسيق الروتيني و مؤتمرات بروكسل عاصمتها الإتحادية و كانت تعاني من تفاقم البيروقراطيا الثقيلة أفاقت على كابوس خطير و هول مداهم انطلق من مرقده البعيد في مدينة يوهان الصينية ليبث الرعب و يحصد الأرواح و يضطر الرؤساء و الملوك و حكوماتهم الى إتخاذ الإجراءات الفورية السريعة فحدث تخبط سياسي و اقتصادي و صحي و أمني غير مسبوق في تاريخ الإتحاد الى درجة أن فرنسا لم تلغ انتخاباتها البلدية و أتمتها في عز الكورونا ثم ندمت حكومتها و مات في هذه الانتخابات بالعدوى خلق كثير! بل لم تعرف هذه الشعوب المرفهة مثل هذا الزلزال منذ الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وعلى إثر الأزمة المالية لعام 2008 خين أفلست أغلب مصارف أوروبا وأمريكا.وبعد ثلاثة أسابيع من هجوم هذا التسونامي نجد أعلى الرؤوس في دول أوروبا مصابة بالداء وأولهم الأمير تشارلز ولي العهد البريطاني ثم أعلن عن شفائه و التحق به رئيس وزراء بريطانيا السيد بوريس جونسن وهو اليوم في غرفة الإنعاش نتمنى له الشفاء. ونحاول معا تحليل الامتحان العسير وكيف يهدد بنيان الإتحاد بالسقوط المدوي رغم الإرادة السياسية التي تحرك نخبه فقد انعقد أول اجتماع قمة أوروبية في بروكسلنهاية فبراير بعد أن تفاقم الوباء في إيطاليا و توجه القادة باللوم الى حكومة روما على التقاعس و التباطؤ في اعلان حالة الحصار. أصبحت أوروبا هي الموبوءة أكثر من سواها و أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون أن الدولة لن تتردد في صرف المليارات لأن الصحة و حياة المواطن أغلى من الموازين المالية كما قال! ولكن الأحزاب المعارضة ترد اليوم بأن المواطن الفرنسي هو الذي سيدفع الفاتورة في النهاية كما جاء في افتتاحية صحيفة (لوفيغارو) الباريسية ليوم الثلاثاء 7 أبريل وعلق الخبير الاقتصادي المعروف (جاك أتالي) المستشار السابق للرئيس ميتران ورئيس البنك الأوروبي للتنمية سابقا بأن الذي سيدفع اليوم مبلغ 350 مليار يورو هي السيدة (كريستين لاغارد) رئيسة صندوق النقد الدولي ...لكن في شكل قروض بلا فوائد قابلة للاسترجاع متى يقرر الصندوق. الغريب أن السيدة لاغارد يفترض فيها الحياد و تسخير أموال الصندوق لكل الدول بلا تمييز لكن استعدادها للبذل لدول أوروبا يعتبر نوعا من مشروع (مارشال) القديم حتى لا تسقط أوروبا و بسقوطها يندثر النظام العالمي الجائر و قال الوزير الفرنسي الأسبق للاقتصاد (ألن مادلان) صباح الثلاثاء 7 على إذاعة (فرنس أنتر) بأننا كأوروبيين لا نحتاج للاتحاد الأوروبي بمؤسساته الراهنة المجمدة العاجزة و بنود ميثاقه الفضفاضة و أدواته الثقيلة و لكن فقط نحتاج للبنك المركزي الأوروبي. الخلاف كبير كما كان عام 2008 بين ألمانيا و شريكاتها الأوروبيات حول دور البنك المركزي الألماني في تمويل العجز و تسديد الأموال للدول الأوروبية الهزيلة و بلغ الأمر برئيس حكومة النمسا اليمينية (سيباستيان كورتز) وهو المولود عام 1986! الى التصريح بأن الاتحاد الاوروبي أصبح هيكلا خاويا بلا روح وهو ما قالته أيضا زعيمة اليمين الفرنسي المعادية للاتحاد الأوروبي (مارين لوبان) و يبدو اليوم أن فشل الاتحاد الأوروبي في مواجهة الطارئ المجهول أصبح يهدد وجوده حينما يعاد تشكيل النظام العالمي الجديد تماما و المختلف عن منظومة (بريتن وودس) الغربية السائدة منذ 74 عامافالمؤكد أن قطب النظام الجديد سيتحول الى الشرق الأسيوي و سكون في الصين قلبه النابض الجديد بعد أن يحسم الصراع بين القطبين (أمريكا و الصين) و تنتهي حربهما التجارية العنيفةو لعلمكم فإن مشروع الصين الكبير هو (طريق الحرير) الذي يكرس التعاون بين الأمم بدون حسابات أيديولوجية أو مصلحية و ذلك ببناء الجسور و السكك الحديد و الطرقات السريعة و تشييد السدود و توفير المياه و تفعيل الزراعة وهذه المشاريع كفيلة في نظر الصين بضمان الأمن و التعاون و تحرير الإنسان و كما يقول المثل الأنجليزي:وايت أند سي!