لقد استحوذ موضوع الكمامات على حيز زمني لاباس به من الحوار التلفزي الذي اجري البارحة مع رئيس الحكومة الياس الفخفاخ حتى نكاد نجزم ان هذا الموضوع اصبح من المشاكل التي ازعجت وحيرت واقلقت الحكومة وكل البلاد التونسية ولا شك عندي ان السبب الاول والأخير والظاهر والخفي وراء هذه الحيرة وهذا القلق هو ان الشعب التونسي اصبح منذ سنوات يعول ويتكل في كل شيء على الدولة حتى في اصغر الأشاء ولا نستبعد ان يطلب من الدولة ذات يوم من الايام ان تخصص له من يرافقه في بيته كل يوم صباحا ومساء وان يوقظه من نومه ويعد له طعامه ويلبسه ثيابه ويرافقه الى عمله ويؤدي عنه هذا العمل ثم يعود به الى بيته ويفتح له الباب وينزع عنه ثيابه ويحضر له عشاءه ثم يغسل له يديه ثم يضعه في فراشه ثم يغطيه بلحافه وغطائه ثم يطفئ عنه نور فانوسه ثم يبقى ساهرا عند راسه يؤنسه ويواسيه حتى مطلع الفجر وهكذا دواليك الى ان تنقضي حياته وينتهي به العمر... نعم ايها القراء هذه هي رغبة المواطن وهذا حلمه دون تهويل او افتراء وحتى لوفرضنا جدلا ان الحكومة استطاعت ان توفر له كل هذه الرغبات فان رضاه عنها يبقى محل شك فقد تنال او لا تنال رضاه...ورحم الله ذلك الزمان عندما كان المواطن لا يحتاج الى تدخل الحكومة الا في القليل القليل اي في انجاز الأعمال الكبيرة الشاقة التي يعجز الأفراد عن ادائها بامكاناتهم وقدراتهم الفردية...وهل من الصعب ايها العقلاء ان يخيط المواطن هذه الكمامة او بعض الكمامات بيده وبنفسه على كل شكل وعلى كل لون فلا اظن ان هذا الأمر يستدعي عبقرية وعلما لدنيا ويستغرق وقتا طويلا و مالا كثيرا كمال فرعون و مال قارون؟ والغريب في الأمر ان الانترنات ووسائل الاتصال السمعية والبصرية قد غزت تقريبا اغلب البيوت واصبحت في متناول كل الناس ومنذ ان حل وباء كورونا وهي تقدم اشرطة وفيديوهات قصيرة تبين وتشرح وتعلم كيف يمكن للمواطن باماكاناته وقدراته الذاتية ان يصنع هذه الكمامات الصحية ولكن المواطن التونسي مع الاسف قد اصابه مرض ربما يكون اخطر من وباء كورونا الا وهو الكسل وحب الراحة الطويلة بصفة غربية مجنونة...ولقد راينا راي العين في وسائل الاتصال العصرية كيف ان الصينيين واليابانيين قد سارعوا الى صناعة هذه الكمامات بصفة شخصية وعلى كل الأنواع وكل الأشكال بسرعة مذهلة عجيبة لا تخطر على بال ولم تمثل لهم هذه الكمامات اي مشكلة وطنية بل كثرت عندهم حتى اصبحوا يتبرعون بها الى غيرهم من البلدان العالمية...ثم ان رئيس الحكومة ردد كثيرا في ذلك الحوار ان البلاد اليوم في حالة حرب حقيقية غير وهمية اوليس الحال اذا يتطلب اجتهادا حثيثا خاصا يؤكد قول الحكماء للضرورة احكام التي يجب ان تدفعنا الى المساهمة جميعا بكل الطاقات في مقاومة الموت الزؤام؟ اولم يحدثنا التاريخ ان الناس قد التجؤوا في الحربين العالميتين الى خياطة وصناعة اللباس من اكياس الفارينة والقمح والنخالة والسميد وهم راضون بذلك ويدعون الله ان يكشف عنهم الغمة فهو العليم السميع الحميد المجيد؟ اولم ياكل الناس في ذلك الوقت أردا واسوا واقل انواع الطعام وهم يمنون النفس ان تمر تلك الظروف بخير وسلام؟ انظروا ايها الناس الى تلك الأشرطة الوثائقة التي توثق لتلك الفترة العويصة التاريخية لتعرفوا كم مر بالعالم من المصائب ومن الويلات اجبرتهم على نسيان كل نعيم وكل ترف وكل شهوة في هذه الحياة افلا يدعونا كل ذلك الى تبديل نمط حياتنا في هذه الازمة الكونية والتخلي عن الكسل وعن كثرة الشهرات وكثرة الطلبات التي قد تنهك الحكومة وتصرف جهودها عن الاعتناء باشياء اخرى اكثر صعوبة واكثر خطرا وهي تلك التي يعجز عن ادائها المواطن وحده بجهوده المحدودة الفردية البشرية؟ فانكبوا هداكم الله على تعلم و صناعة الكمامة عسى الله ان يرفع عنا هذا البلاء وان تمر هذه الأزمة الكونية بخير وسلامة و رحم الله ذلك العربي الحكيم المحنك الذي نبه ونصح وقال لكل حائر معول على غيره ولم يجتهد ولم يفكر ولم يتحرك(ما حك جلدك مثل ظفرك فتول انت جميع امرك)